قصف دمشق/ سلامة كيلة
تعرضت دمشق، في الأيام الماضية، لوابل من صواريخ كان زهران علوش قد أعلن أنه سيطلقها. وجاء القصف عشوائياً، وطال أحياء مدنية، وأودى بحياة مواطنين. لكن هذه المفردة، أي “مواطنين”، لا تدخل في قاموس جيش الإسلام وزهران علوش، فسلفيته تقسم الأمور إلى ديار إسلام وديار حرب، والمناطق التي يسيطر عليها هي ديار الإسلام فقط، أما دمشق فهي ديار حرب، و”الشرع” يتيح قتل الأبرياء في ديار الحرب، كما يظن وفق منطقه الوهابي.
ما الهدف من قصف دمشق؟ يبرر علوش أن مناطق النظام يجب أن “تتألم”، كما تتألم “مناطقنا”. لكن دمشق “يحتلها” النظام، وهي مناطقنا، جزء من سورية التي نهضت لإسقاط النظام، وتحركت، أولاً، في 15 مارس/آذار، ويوم 16 مارس/آذار، وبعد ذلك. وحيث كانت تنسيقيات أحياء دمشق هي الأهم طوال أشهر من الثورة. ولأنها كذلك، عملت السلطة على تدميرها. وذلك كله قبل أن يصبح زهران علوش، بعد أن أطلقته السلطة لكي يحمل السلاح “ضدها”، كما قال في مقابلة معه، فالسلطة أطلقت سراحه، وهي تعرف أنه سيحمل السلاح ضدها. وبالتالي، لكي يجهض نشاط الشباب الذي بدأ الثورة، وعمل على دفعها نحو الانتصار. واعتقال رزان زيتونة وحده يكشف كل الأمر، فهي من كان فاعلاً منذ بداية الثورة، وهو من خطفها وأخفى أثرها. وربما تشير هذه الرمزية، بوضوح، إلى عملية اختطاف الثورة، والتوافق الكبير بين السلطة وجيش الإسلام وكل المجموعات الأصولية التي خرجت معه، أو بعده، من السجن.
دمشق جزء من الثورة، ومن يقصفها يقصف الثورة، وهذا أمر يكمل ما قام به جيش الإسلام، في الغوطة، وفي كل المناطق التي وصل إليها، ربما منذ سلّم العتيبة للسلطة لكي تحاصر الغوطة، ومن ثم انسحابه إلى الشمال، بعد التمركز حول دمشق، وتخزينه السلاح الذي سيطر عليه من مخازن السلطة، وتصفيته كتائب مسلحة عديدة في الغوطة وغيرها. لأي استراتيجية إقليمية يتبع زهران علوش؟ ربما يوضّح منطقه أنه لا يدافع عن شعب، ولا يحمل مشروعاً لتحقيق مطالب هذا الشعب، فكل ما يقوم به ينطلق من منظور أصولي مدمّر، يقوم على التمييز بين “المسلم” (أي الذي معنا) وفي سلطتنا، والآخر الذي هو جزء من السلطة فقط، لأنه يقيم تحت سيطرتها. داعش تعتبر أن كل المجتمع “جاهلي”، كما قال سيد قطب، ويحتاج إلى الاستتابة، وإلا فهو مرتد، وللحرب ضد المرتدين الأولوية على الحرب ضد الكفرة. والآن، نجد زهران علوش يقيم تقسيماً آخر، ينطلق مما أشرت إليه من قبل، لهذا يعتبر أن من حقه أن يقصف الشعب، فقط لأنه تحت سيطرة السلطة، والشعب هو الثورة. لهذا، فهو يقصف الثورة، بالضبط كما تفعل داعش والنصرة وغيرها.
هذا من منظور “التأصيل الفقهي”، الذي هو مرجعية كل هؤلاء في “الفهم” (أو بالضبط عدم الفهم). لكن، للأمر مرجعية أخرى، لهذا طرحت السؤال حول الاستراتيجية الإقليمية التي يتبعها زهران علوش. هل ما يقوم به جزء من ضغوط أطراف إقليمية (سعودية خليجية) للقول إن أي حل يمكن أن يتحقق بالتوافق بين أميركا وروسيا، أو أميركا وإيران، ليس ممكن التنفيذ، من دون مشاركة من هذه الأطراف؟ بالتالي، يصبح زهران علوش ممثلاً لـ”الثورة”؟
هذا ما يبدو الهدف من القصف الوحشي على دمشق، وزهران أداة إقليمية، ينفّذ ما يعزز من مساومات الدول، من دون التفات إلى أن الذي يُقتل هو الشعب السوري، الذي بات يقتل من أطراف كثيرة تدّعي أنها الثورة، أو التي تركب الثورة، كما يقتل من السلطة وداعميها، من حزب الله، إلى المليشيا الطائفية العراقية، إلى الحرس الثوري الإيراني. ليبدو أن كل هؤلاء واحد، هو ضد الشعب السوري، ويريد إجهاض ثورته.
العربي الجديد