قصيدة لبابلو نيرودا
أستطيع كتابة الأبيات الأكثر حزناً هذا المساء
أكتب مثلا:
“هذة الليلة مليئة بالنجوم،
والكواكب ترتعشُ زرقة من بعيد
وتدورُ رياحُ الليل فى السماءِ وتُنشد”.
أستطيع كتابة الأبيات الأكثر حزناً هذا المساء
أحببتُها، وهي أحيانًا أيضاً أحبَّتني
في ليالٍ مثل هذا احتويتها بين ذراعيَّ
لمراتٍ كثيرة قبَّلتُها تحت سماءٍ لانهائية
وكيف لا أغرم بعينيها الواسعتين النجلاوين!
أُفكرُ أنها ليست لي… أشعر بأنني خسرتُها…
أستمع لليل الطويل الممتد، ويطول أكثر بدونها!
تُساقطُ أبياتُ الشّعِر كما يَسّاقطُ الندى على العُشبِ
ماذا يهمّ إن كان حُبي لا يقدر على حمايتها!
هذا هو كل شيء
من هناك أحدٌ يُغنّي… من هناك…
روحي غير راضية لأنني أضعتُها
كما لأقربُها لي.. تبحث عنها نظراتي
يبحثُ عنها قلبي وهي ليست معي
في نفس الليلة التي تبيض فيها الأشجار نفسها
نحن الذين كنا، حينها، لم تعد كما كانت نفوسنا
أنا لم أعد أحبها، هذا صحيح!
لكن لكم مرة أحببتُها!
كان صوتي يبحث عن الريحِ كي يلمس مسامعها
لآخر .. ستكون لآخر ..
كما كانت من قبل ذلك قُبلاتي
صوتها… جسدها المُنير… عيناها اللانهائية
أنا لم أعد أحبها، هذا صحيح،
لكن لكم مرة أحببتُها!
كم قصير جدا الحُب؟
وكم طويل جدا النسيان؟
لأن في ليالٍ مثل هذا احتويتها بين ذراعيَّ
بالرغم من أن هذا كان آخر ألم تسببه لي،
ستكون هذه الأشعار آخر ما سأكتُبه!
* نبذة عن الشاعر:
ولد الشاعر (نفتالي ريكاردو رايس باسوالتو) في عام 1904 وتوفي عام 1973 اسم شهرته (بابلو نيرودا) وقد اتخذ هذا الاسم فيما بعد اسما رسميا له، وهو دبلوماسي من تشيللي وسياسي، سمى نفسه “بابلو نيرودا” حين كان في 13 من العمر ليتهرب من منع والده له من كتابة الشعر عام 1917 مقتبساً الاسم من اسم الشاعر التشيكي (جان نيرودا). بعد سنوات من بداية نفتالي “نيرودا” كتابة الشعر ومعاناته متابعة والده له ومعاقبته على موضوعاته الشعرية. لقب بابلو نيرودا بالشاعر منذ كان في العاشرة من العمر إلى أن نال إبداعه الشعري أعلى جائزة أدبية ألا وهي جائزة نوبل في الأدب عام 1971 وكان وقتها في 55 من العمر. كتب الشعر بأساليب مختلفة، شعر التاريخ، وضمّن الشعر حتى في بياناته السياسية، كما كتب النثر والمذكرات، قصائد العشق والغرام كما في مجموعته الشعرية المسماة (20 أغنية وقصيدة يائسة) التي نشرها عام 1924 والتي منها تلك القصيدة. كان نيرودا يفضل الكتابة مستعملاً الحبر الأخضر معتبراً ذلك رمزه الشخصي للرغبة والأمل. اعتلى بابلو نيرودا في حياته عدة مناصب دبلوماسية باعتباره نائباً في البرلمان عن الحزب الشيوعي في تشيللي، ببوينس آيرس، وبرشلونة ومدريد حيث أصبح في قلب المركز الأدبي العالمي يخالط شعراء من أمثال رافائيل ألبرتي، فدريكو غارسيا لوركا وسيزار فالليغو. فى عام 1973 تمت الإطاحة بحكم سلفادور ألندي وتسلم بينوتشيه السلطة. بابلو نيرودا كان يعاني من سرطان البروستات فقرر زيارة الطبيب قبل الهرب فقام الطبيب بإعطائه جرعة سامة في المعدة، حين عاد إلى البيت جاءت الشرطة لتعتقله فصرخ فيهم وقال: قفوا .. لن تجدوا في هذا المكان ما هو خطر عليكم غير الشعر. توفي بعد 12 يوما من التسمم والاعتقال ورفض الحاكم الجديد بينوتشيه إجراء تشييع عام له لكن الناس سدّت الشوارع ماشية خلف نعشه إلى المقبرة عام 1990 تم فتح قبر بابلو نيردوا لفحص الجثة وفي العام 2013 صدر قرار المحكمة أنه مات مسموماً وأن قاتله يدعى (ميشيل تاونلي) الذي له سوابق في قتل أشخاص بنفس الطريقة، نتيجة المختبر الأخيرة التي ظهرت في شهر مارس/آذار 2015 تقول بأن نيرودا لم يمت مقتولاً لكنه كان مصاباً في المعدة بنوع من البكتيريا التي تنتج سموما قاتلة وهي التي قتلته.
وقد قال عنه الروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز: إنه أعظم شاعر أنجبه القرن العشرون في جميع لغات العالم.
المترجم: أحمد نور الدين
ضفة ثالثة