قصيدتان للشاعرة الإيرانية فروغ فرّخزاد
غصّة في الحلق..
لو لم يكن الغدُ قادماً
لبقيتُ بجوارك إلى الأبد،
وغنّيتُ أغنية غرامي
تحت شمس حبّك.
من وراء زجاج نافذة غرفتك
كان للّيل نظرة باردة سوداء،
ودهاليزُ عينيك في العتمة كانت تبدو
وكأنّها تغورُ إلى أعماق روحك.
منكسراً وكتوماً
كان شكلنا ساقطاً في بخار المرآة،
كان لشعرك لون سيقان القمح
وكان شعري مجعّداً فاحم السواد.
كان ثمّة سرٌّ يلتهبُ في صدري
وكنتُ أرغبُ أن يتحدّث إليك
لكنّ الغصّة في الحلق كتمت صوتي،
فالشتلة لا تنمو في الظلّ أبداً.
نظرتي المتعبة طارت من هناك
وحوّمت قلقةً حول جسدي،
وداخل الإطار الذهبي
ضحكت عين “المسيح” من حزني.
ورأيتُ الغرفة غارقةً في الفوضى؛
كتابك ملقىً بجواري
ودبابيسُ شعري مرميّةٌ على سريرك.
لم يعُد يصدرُ صوتُ الماء
من بيت الأسماك الزجاجيّ،
وقطّك الهرمُ المؤرّقُ
بم كان يفكّر؟
متعبةً وبكماء
عادت نظرتي الحزينة من جديدٍ نحوك،
كنتُ أرغبُ أن تتحدّث إليك
لكنّها لزمت الصمتَ أمامك.
عندئذٍ تلألأت نجومُ الدمعِ البيضاءُ
في ليلِ رموشي
ورأيتُ يديكَ تُقبلانِ مثل غيمةٍ
نحو وجهي الحيران..
رأيتُ جناح أنفاسك الدافئ
يمسّدُ عنقي البارد،
وكأنّ نسمةً ضائعةً
عبرت بين شُجيراتِ آلامي البريّة.
كانت يدٌ ما داخل صدري
تصبُّ رصاص السكوتِ وبذرة الصمت.
متعبةً من هذا الصراع الأليم،
نحو مدينة النسيان
رحلتُ.
لم أعد أفكّر في حزن الغد
وقلت: كان “الرحيل” حكايةً محزنة.
وفجأةً اتسعت في وجه حياتي
تلك اللحظة الذهبية العطِرة،
وشربتُ من شفتيكَ في تلك الليلة
أغنيات الطبيعة المُترعة بالسعادة.
في تلك الليلة
سكبتَ في حلق حبّي،
من تلك القُبلة،
قطرة الأبديّة.
……………………..
نشيدُ الجمال
كتفاكَ
جروفٌ صلدةٌ شامخةٌ
تنحدرُ عبر منحدراتها
أمواجُ شعري
مثل شلّالٍ من نور.
كتفاكَ
أسوارُ قلعةٍ عظيمةٍ
ترقص فوقها خصلات شعري
كما ترقص أغصانُ الصفصافة في كفّ النسيم.
كتفاكَ
أبراجٌ حديديةٌ،
منظرُ الدم والحياة النادرُ،
لونهما بلون مجمرةٍ نحاسية.
في صمت معبد الرَّغبة
أنامُ مضطربةً إلى جوار جسمك
وآثارُ قبلاتي على كتفيك
تبدو كلدغاتٍ ناريةٍ لأفعى.
في هدير الشمس اللاهبة المهيبة
وتحت حبّات العرق الصافية الدافئة
تلمعُ كتفاك مثل قمم الجبال.
كتفاكَ
قِبلة عينيّ المليئتين بالدُّعاء،
كتفاكَ
حصاةُ سجودي.
المترجم: ماهر جمّو
ضفة ثالثة