صفحات العالم

قطر

 

حـازم الأميـن

بالنسبة إليّ كان أكثر راحة لخياراتي عندما كانت دولة قطر في المقلب الآخر منها. عندما كان أمير قطر يحل ضيفاً على “حزب الله” في لبنان، وعندما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يبتكر له الأراجيز من مثل: “إذا كان أول الغيث قطرة، فما بالك اذا كانت قطر”.

في حينها بدا لي خصومي في السياسة متهافتين، وانكشف إعلامهم عن شراهة غير مسبوقة. هذا ليس من فترة طويلة. فما أن نعود بالذاكرة سنتين إلى الوراء، حتى تلوح لافتة هائلة في بنت جبيل موقعة من “حزب الله” تقول: “شكراً قطر”.

اليوم ها أنا أجد نفسي في خندق واحد مع قطر. ولأكتشف أن على المرء أن يمرن نفسه لتفادي “شكراً قطر”. إنها العبارة التي أخذتها على خصومي، ها أنا أجد نفسي في مواجهتها. ثم أدعي أنني أقل تسامحاً مع نفسي، وأكثر حرصاً على تفادي الانزلاق، فماذا عليّ أن أفعل؟ إنها أقوى دولة في العالم! أقوى من أميركا، ذاك أن الأخيرة تُجري حساباتها الداخلية لتنطلق في سياساتها الخارجية، بينما قطر لا تفعل ذلك. لا حسابات داخلية في إدارتها لسياساتها الخارجية، هي تنطلق نحو هدفها بلا حساب، ومدفوعة بنفوذ يشتغل في الفراغ.

قطر الآن إلى جانب خياري في المسألة السورية! أي حيرة يولدها ذلك؟ فها أنا مشفق على خصومي عندما كانوا في أحضانها، كيف تمكنوا من الصمود؟ هم أصلاً لم يُغادروها، هي من فعل ذلك، فماذا علي أن أفعل؟

أينما ولّيتُ وجهي تظهر لي قطر، الدولة ذات النفوذ الهائل. أقرأ عن الصومال، فإذا ببرنامج قطري غامض لتمويل الإغاثة فيها، وفي تشاد أيضاً، وفي ليبيا طبعاً، والى سورية أوفدت الدولة مراسلي “الجزيرة” ليصوّروا المقاتلين الإسلاميين، وفي إسطنبول أنشأت فندقاً خمس نجوم لاستقبال فعاليات المعارضة السورية. وفي كل هذه العناوين لقطر وجهتها، وهي الإسلاميون طبعاً، ولا شيء غيرهم.

لكنني وجدت ضالّتي، وتمكنت من تلمس وجهة لتفادي “شكراً قطر”، ذاك أن رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب وقف في قمة الدوحة ليقول: “اتركوا سورية للسوريين. نريد دعمكم لكن لا نريد المقاتلين الأجانب الذين يتسرب معهم الفكر التكفيري”. وأضاف: “سورية لكل السوريين، ولا مكان فيها لتلك المجموعات الدموية القادمة من الخارج”، وتوجه لرؤساء الدول قائلاً: “اتقوا الله في شعوبكم”.

إنه كلام مختلف وواعد على الرغم من أطنان من التشاؤم تلف القضية السورية. وهو واعد أيضاً لأنه يُذكّر من قال في لبنان “شكراً قطر”، ثم عاد عن شكره بين ليلة وضحاها وصارت الدوحة بالنسبة إليه “عاصمة إبليس”، بأن الحق أقوى من أن يُداهن المرء قطر حتى لو كانت إلى جانبه في الموقف من النظام في سورية، وأن بلده أكبر من أن تؤكل.

لم يتصرف حلفاء قطر السابقون في لبنان على نحو ما تصرف الخطيب. لم ينقلبوا على قطر، فهي من تخلى عنهم. سيُسجل للخطيب ما سُجل عليهم، وستبقى “شكراً قطر” اللبنانية، نقطة سوداء على جبينهم.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى