قطع غيار للأغنياء/ رشا عمران
تتحدّث تقارير علمية عن عزم طبيب جراح إيطالي، مع فريقٍ مؤلفٍ من 150 جرّاحا من كل العالم، القيام بأول عملية زرع رأس بشري سليم على جسد بشري سليم لشخص مات للتو.
صاحب الرأس شخص يقترب من الموت، بسبب موت خلايا جسده نتيجة إصابة بمرض الشلل الرباعي، وتطوّع ليكون الشخص الأول للعملية الجراحية الأولى في العالم. تطوّع ليكون الذي سيزرع له جسد شخص آخر. وستكون العملية بفصل الرأسين عن الجسدين (جزّ الرأسين)، وتركيب الرأس السليم على الجسد السليم، ثم إبقاء الشخص الجديد في غيبوبةٍ صناعيةٍ شهراً، يعطى خلالها المضادات المناعية، ثم يتم إيقاظه والبدء بتدريبه على تقبل الخلايا الجديدة. أو بالأحرى البدء بتدريبه على الحياة، على المشي، وعلى استخدام أطرافه بشكل طبيعي، والأهم على قبول أوامر الدماغ إلى الخلايا الجسدية الجديدة.
سوف تجري العملية قريبا، كما يقال. وفي حال نجاحها ستكون حدث العصر الحديث، وسيكون الجرّاح الإيطالي، مع فريقه المساعد، الأكثر شهرةً في المجالين، العلمي والطبي. أما البطل الحقيقي فسيكون حتما الشخص الذي تطوّع للعملية، قابلا بكل تفاصيلها المذهلة والمرعبة في آن. لكم أن تتخيلوا الطريقة التي سيتم فيها فصل رأس الرجل الحي عن جسده، على الرغم من أن التخديرالعميق يشبه الموت إلى حد كبير. ولكن، ثمّة من يسلم نفسه حيا لجرّاح ما سيفصل رأسه عن جسده المريض، على أمل أن يحظى بجسدٍ سليمٍ، ويصبح رجلا طبيعيا.
قد تؤدي العملية، إذا ما نجحت وتكرّرت، إلى زيادة كبيرة في معدل أعمار البشر، لكنها، الزيادة، ستكون مقتصرةً على الأغنياء، القادرين على دفع تكاليف باهظة لعمليةٍ كهذه، ما يعني أن الفرز والاصطفاء الطبقي سيتحقق تلقائيا، البقاء للأقوى، والقوة يمنحها المال. هكذا سيبقى فقراء العالم في خدمة أغنيائه، وسيبقون (قطع غيار) العالم الغني، خصوصا مع القوانين التي بدأت تصدر في أوروبا بالسماح باستخدام أعضاء الميت في عمليات الزرع الطبي، ما لم يوص بغير ذلك. والفقراء لا يوصون عادة بشيء. يموتون بصمت كما عاشوا، هذا أيضا سيجعل من شعوب العالم الثالث الفقيرة مصانع قطع غيار بشرية للعالم الأول الغني والمتقدم، ما سيعني الإمعان أكثر في إبقاء هذه الشعوب متخلفةً ورهينة عقائد دينية مذهبية متناحرة، وجاهزة لقتل الآخر، وقتل نفسها إحياء لعقائدها. ما قد يعني أننا بدل منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، سوف نجد منظمات مجتمع طبي مجهز لإبقاء الضحايا في وضع طبي سليم، ونقلهم مباشرة إلى حيث يمكن استخدام أجسادهم لرؤوس سليمة، تعرف كيف تصنع لنفسها المال والسلام والعمر الطويل جدا.
وعلى ذكر العقائد، سوف تخلخل عمليةٌ من هذا النوع، في حال نجاحها، بنيان العقائد الثابتة خلخلةً كبرى، فهي ستغير، إن نجحت وتطوّرت، من سيرة خلق البشر، ومن سيرة الحشر يوم القيامة، ومن سيرة العقاب والثواب، وربما سوف يؤدي تطوّرها إلى فتوحاتٍ علميةٍ أخرى تكشف سر الموت، إذ لا أحد سيعرف ما الذي سينتج عن عمليةٍ كهذه، وما الذي تحتفظ به ذاكرة جسد الميت قبل وصلها برأس الحي، وما الذي سينتج من اختلاط الجينات بين الرأس والجسد المختلفين!
ماذا سيكون رد فعل أصحاب العقائد وسدنة الأديان على شيءٍ كهذا؟ إن تصفحا بسيطا لمواقع التواصل الاجتماعي ومواقع النت التي نشرت خبر اقتراب موعد إجراء هذه العملية يكشف مدى الصدمة التي أصابت وستصيب هذه الفئة الواسعة من البشر، فالجملة المتكرّرة التي يمكن للمتابع أن يقرأها في التعليقات، أن “الله تعالى لن يرضى بهذا، وسينزل عقابه على الجميع، وسوف تفشل العملية”. هذه الجملة التي تحاول إنكار ما يمكن للعقل البشري (الذي خلقه الله) أن يفعل، في حال استخدامه لصالح تطوير الحضارة البشرية، هي أولا دليل عجزٍ عن اللحاق بالعقل العلمي المتطور. وهي أيضا دليل خوفٍ من نجاح العملية الذي سينسف ثوابت دينية كثيرة لدى هؤلاء.
بغض النظر عن كل ما سبق، أشعر بالحزن والقهر أن زمنا طويلا ينتظرنا نحن الشعوب، قبل أن نصبح مساهمين في إنتاج الحضارة البشرية الجديدة.
العربي الجديد