قليلاً من الحياء/ ميشيل كيلو
في الوعي السوري العادي، فلسطين جزءٌ من سورية، وقضية فلسطين قضيةٌ سوريةٌ بامتياز. وفي الوعي السياسي السوري، ليس هناك أي فصل، ولا يجوز أن يكون، بين الشعب السوري وفلسطين، وبين نظام الأسد وإسرائيل. إذا كان هناك سوريٌّ ما نسي الحقائق، أود تذكيره بالأهم بينها، وهو أن الأسد الأب سلم الجولان لإسرائيل بلا مقاومة، مقابل تسليمه السلطة بشرطين: أن يبقي الجولان بيدها، لأنه مفتاح المشرق العربي، أو خنجر في خاصرة فلسطين، قضية وجغرافيا، وأن يحكم سورية باعتبارها بلداً محتلاً، هو وكيلها فيه. وقد نفذ الأب الشرطين بإشراف تل أبيب ورعايتها، ولو لم يكن عميلاً لها لفرقوا رقبته عندما غزا لبنان، بل حموا دخوله، لعلمهم المسبق أنه سيقتل الفلسطينيين، ويدمر منظمة التحرير ويخرجها من معادلات القوة والسلام في وطنها والمنطقة؟
عندما انطلقت الثورة، أيقن سوريون كثيرون أن الأسد الصغير سيدمر سورية، لكي تحميه إسرائيل، المستفيد الأكبر من شطب دولتها ومجتمعها من موازين وعلاقات القوى، الذي يعتبر أعلى مصلحة إسرائيلية استراتيجية، ولا سيما أنه يحوّل الصهيونية قوةً لا يمكن لأحد تحدّيها، ويعزّز موقفها تجاه فلسطين التي ستواجه موقفاً صعباً إلى أبعد حد، في ما يتصل بالاستيطان خصوصاً.
لم يُباغت السوريون بحجم الحماية الذي منحته إسرائيل للممانع/ المقاوم، خصوصاً بعد أن أمر جيشه بقتل شعب”ه”، في كل مكان من سورية. وكان السوريون واثقين من أن “العدو” الإسرائيلي لن ينتهز فرص انهيار الجيش المقاوم، ليقضي على نظام الممانعة وعليه. وكانوا يتساءلون: أية فرصةٍ يمكن أن تتاح لإسرائيل أفضل من فرصة انشغال حرب الأسد ضد شعبه وانفراط غده، كي تتخلص منه؟
يعرف السوريون هذه الحقائق، ويدركون أن مصير وطنهم مرتبط بفلسطين، وأن انتصارها سيمهّد لإطاحة نظام الأسد، عدوها اللدود. بهذا المعنى، لا يجوز لأي نصير للثورة السورية مجاراة الأسد في إقامة علاقة مع إسرائيل، صديقته وعدو ثورة سورية وشعبها، ومن يقيم أي علاقةٍ، مهما كان نوعها، يخون شعبه، خصوصاً إن كان يعلم أن إسرائيل تقف وراء مأساة وطنه ومجتمعه، وإنها لن تبذل أي جهد لمنع الأسد من تدمير بلادهم، وكيف تمنعه إن كانت المستفيد الأكبر منه؟ لو كانت ضد الأسد، وتكنّ أدنى قدر من التعاطف مع الشعب السوري، لنشرت رسالةً مفتوحةً تأمر فيها الأسد بالتحزّم ببطانية، وتسليم نفسه لها، في قرية بير عجم في الجولان، كي لا تخرجه من دمشق زحفاً على بطنه.
على الرغم من معرفة السوريين بهذه الحقائق، وإدانتهم أي سوري يقيم علاقات مع عدوهم، هناك من يذهب إلى إسرائيل، أو يشارك في لقاءاتٍ سياسيةٍ أو تدريبية فيها، بحجة أن مفاتيح القضية السورية في يديها، وأن الزائر سيقنعها بمساعدة شعبٍ هي المستفيد الأكبر من سحقه على يد النظام، وعدو ثورته الأكبر الذي يعتقد أن انتصارها سيضع سورية في خدمة فلسطين وحريتها ودولتها السيدة والحرّة، وسيحشد قدراتها لخوض صراع جدّي معها، يخرجها من الجولان، ويجعل خروجها من أرض الدولة الفلسطينية عملاً إنقاذياً بالنسبة لها.
يذهب سوريون إلى إسرائيل، عدو شعبهم وثورته، ويقترفون بذهابهم خيانةً تضرّ بقضية سورية وفلسطين المشتركة التي وضعت الثورة أساساً استراتيجياً جديداً لها، جعله فلسطين سورية وسورية فلسطينية. لذلك، لا يجوز التساهل حيال سلوك زوار العدو، لأي سببٍ كان، ومن الضروري إصدار موقف رسمي عن “الائتلاف” والفصائل وهيئات المجتمع المدني، يمنع هذه الزيارات، ويعاقب من يقوم بها، ليس فقط لأنه يهين مشاعر شعبه، وينتهك قيم ثورة هذا الشعب، وإنما كذلك لئلا تصبح الخيانة موقفاً تحميه الحرية، يستسهل مرتكبوها القيام بها، مع أن سلوكهم يعزّز النظام الأسدي ويسوّغ خياناته، ويمثل خيانة لشعب فلسطين أيضاً الذي تتضامن معه مؤسساتٌ ومراكز دولية كثيرة في الغرب، تقاطع إسرائيل وترفض زيارتها، على العكس من هؤلاء الذين تعتبر زياراتهم طعناتٍ غادرةً تستهدفها، على الرغم مما قدمه فلسطينيو سورية من تضحيات، والعدد الكبير من شهدائهم الذين سقطوا في ثورة الحرية، ثورتنا وثورتهم، دفاعاً عن حقوقنا وكرامتنا التي هي حقوقهم وكرامتهم.
أوقفوا خيانة شعبكم ودعم عدوه في سورية وفلسطين، وتذكّروا أن انتصاركم محالٌ، ما دامت الصهيونية تحتل فلسطين وتساند الأسد، وأن انتصار فلسطين يتوقف على هزيمة قاتل أطفالكم، وأن مصير السوريين والفلسطينيين واحد، وأن دعم شعب الجبارين هناك هو دعم لشعب الحرية هنا، وأن حريته حريتنا، وحريتنا حريته.
العربي الجديد