قليل من الضمير… إلى كمال أبو ديب
غسان المفلح
يطالعنا الناقد والشاعر السوري كمال أبو ديب بمطولة” قليلاً من العقل يا سورية” نشرت في صحيفة القدس “العربي” في 30 نوفمبر الماضي بافتتاحية شعرية من لدن رؤيته للحدث السوري” الذين يضرمون جحيم الحرب الأهلية لن يرقصوا, لحظةَ انتصارهم, إلا على أشلاء الضحايا وخرائب سورية الجميلة” من يقرأ هذه اللغونة الجميلة يعتقد أن الامور تسير نحو كتابة مما تبقى من ضمير أخلاقي ومهني عند بعض اعلام الفكر والنقد, ويحضرني سؤال عاجل” كيف لناقد أن يكون لديه ضمير مهني بعد أن يخون ضميره الأخلاقي? هذا بالضبط ما نقرأه في هذه المطولة التي تشبه بل هي نسخة ممجوجة من لغونات ادونيس, بل أدونيس كعادته كان أكثر مناورة فيما كتبه عن الثورة السورية, بحيث لم يساو بين الضحية والجلاد, أما أن يخرج طرف لايزال متمسكا بموقفه فإن الموضوع يصبح خطيراً جدا..لدرجة السخرية…ما يحدث في سورية هو استمرار لانقسام جرى تأسيسه هناك في تلك السقيفة هذا ما يتحفنا به الناقد الذي لايشق له غبار كمال ابو ديب..ابن صافيتا السورية, الذي يزور التاريخ والسياسة والجغرافيا..ويساوي بين الضحية والجلاد بل يتهم الضحية أين كان كمال أبو ديب طيلة أربعين عاما في لغو هو من الاستبطان والتبطين إلى درجة اللاعقل…دعوة للعقل لاتستقيم عندما لانقول للقاتل أنك تقتل من أجل الكرسي! على فرض أن الشعب السوري الذي خرج للتظاهر وقتل عمدا وعن سبق الاصرار كله سيئ وكله لايستحق الديمقراطية, وعلى فرض أنه ضحية مؤامرة خارجية كما يردد كمال ابوديب مع كل رجالات العصابة الأسدية, فهل هذا يمنع ابوديب من أن يقول لعصابة النظام: كفي عن القتل” يتهم ابو ديب الشعب بالطائفية بمعزل عن العصابة, ويرى أنه شعب لايوجد لديه أرضية للحرية, فهم قطعان تم سرنمتهم منذ سقيفة بني ساعدة..وينظر علينا بمفهوم الشعب! باعتبار أننا نحن الشعب المسكين لانملك قاموسا اكسفورديا كحضرته.
2-
يتهم الشعب السوري بأنه ثور هائج” لأنه ينضم إلى زمن الهيجانات العربية الراهن, ولايعطي بالطبع استخدامه لهذه المفردة اي دلالة ايجابية بل يقصدها بمدلولها الحسي, “ثور هائج”.ويسخر من قضية الحرية والربيع العربي, وكيف له أن يكون كذلك وشعبنا وشبابنا عبارة عن قطيع, فقط آل الأسد هم الرعيان الوحيدون هذا ما يريد ايصاله, ولهذا يقول للشعب الصامت أن يخرج ليقول” عودوا لبيوتكم واتركوا آل الأسد يرعوكم” هذا ملخص ما يريد قوله..ويتحفنا بتحوله من ناقد أدبي لايشق له غبار إلى مفكك مؤامرات تحيط بسورية..ويبدأ باتهام المعارضة وصلتها مع برنار هنري ليفي..كان الاجدر به أن يذهب لعمل مقابلة مع قناة الدنيا السورية, وسترون قريبا مقابلة معه بعد هذه المطولة التي تدعي الخوف على سورية! وهي تريد أن تنسي الضحية من قتلها..لا أعتقد أن قناة “الدنيا” تحتاج لأكثر من هكذا ناطق.
3-
ما يحدث في سورية حرب يقوم طرف طائفي ضد السلطة الحاكمة, التي كانت تسير بالاصلاح والتحديث! يمرر عبارته هذه بطريقة يعتقد أنها ذكية..كانت سورية تسير في هذا الطريق, لكن جاء الطائفيون والرعاع والقطيع من الثيران ليقطعوا مسيرة التحديث.. ” يقول حرفيا”ولقد كانت سورية عاقلة, بالقياس إلى غيرها, في كفاحها من أجل مستقبل أفضل, وسعيها إلى التغيير والتحديث, وبحثها عن سبل لحياة كريمة” هكذا كانت سورية قبل هذه الثورة!
4-
لم يخطر ببالي فعلا من قبل السؤال لماذا التوافق العلمانوي يقف مع المجرم ضد الضحية? ادونيس جورج طرابيشي, وعزيز العظمة والآن كمال أبو ديب, حيث سورية لاتعني لهم سوى ان يستمر القاتل بالقتل..هذا مقتضى علمانوي!
5-
ما وصلنا إليه في سورية كان تحديثاً وتطويراً, ونهاية للشقاق الذي تسبب به اجتماع سقيفة بني ساعدة, وربما خجل أن يقول أن بوجود آل الأسد بالسلطة هو عودة الحق لاصحابه…رغم أن الرجل ينضح بالعلمانوية و”الآنتي عثمانية” و”الانتي صهيونية” ودفاعا عن إيران و”حزب الله”…الثورة السورية تحركت من أجل محاصرة إيران و”حزب الله” أيضا..وهذه اجندة إسرائيلية بالطبع وفق رأيه ومعطياته حيث يكتب” ولقد اندغمت, في نفوس الذين يخطِّطون لهذا الدمار من خارج سورية, الرغبةُ في توجيه ضربة قاصمة لإيران و”حزب الله”, عن طريق تحطيم سورية, مع الشهوات المندلعة من أجيج الصراع المذهبي العريق في تاريخنا المأساوي”.
6-
يقول” ولم تخرج سورية على سلطان العقل إلا حين اتخذ الصراع صبغة صراع طائفي على السلطة, وهو صراع لا يزال ينهش تاريخنا بأكمله منذ سقيفة بني ساعدة ثم انتزاع معاوية لدمشق, قلبِ سورية, من عليٍّ وانتزاع الخلافة بعدها. وهو يتجدد اليوم في أقنعة مختلفة لكنه في معظم لُجَجِه يستعيد الصراع العريق في أكثر صوره بدائيةً وقبحاً, وتخلفاً وتدميراً”
هذا خلاصة مروية لما يجري في سورية هنا من ناقد اكسفوردي هل تصدقون? ونحن نسأل أيضا إذا كان ما يحدث في سورية هو كما تقول, طيب في مصر وتونس وليبيا لايوجد من هم من اتباع علي? فكيف تستقيم معك الامور?
7-
كمال ابوديب اراد القول وقاله أن السلطة في سورية ومن معها بريئة من الطائفية, وما تبقى في سورية هم طائفيون, هل نحن كسوريين كذلك? بالطبع لم يكلف نفسه محلل المؤامرة الكونية على الشق المظلوم من سقيفة بني ساعدة, الحديث ولو بفقرة بسيطة عن طبيعة السلطة الحاكمة في دمشق..همه القول للغرب وللعالم” لاتقفوا مع الضحية لأنها طائفية والسلطة علمانية. حيث يقول بالحرف” ثم إنني أكتب لأهيبَ بسورية أن تدرك أنها تُحْصَر يوماً بعد يوم, بل ساعة بعد ساعة, بين فكوك كماشات, لا كماشة واحدة, تطوقها من جهاتها الخمس, ساعيةً إلى تفكيكها ….. وإلى تفكيك جيشها ووفق منطقه يصبح” جيشها غير طائفي ويقتل لأنه علماني وهو حامي وحدة سورية وشعبها وهو فقط!!!” ثم يتابع” وتشظيته بحيث يمزق بعضاً بعضه, كما يمزق مدنيوها بعضهم بعضاً حارة حارة, وعشيرة عشيرة, وفئة فئة, ومذهباً مذهباً” أين كانت هذه الكماشات بفكر كمال أبو ديب التي حتى اللحظة تعطي الفرصة تلو الفرصة للقاتل, أين كانت عندما كانت تدعم القاتل وتغطيه? لماذا لم نقرأ مقالة هجومية واحدة عن هذه الكماشات من قبل لكمال ابو ديب?
8-
ويختم محذرا” لقد أوشك إنقاذ سورية من الخراب المروِّع أن يتجاوز حدودَ الممكن, ولم يعد أيٌّ من الأطراف المتصارعة يملك الكثيرَ من القدرة على تحقيقه. ويكاد زمام المبادرة أن يفلتَ من أيديهم تماماً, وتقبضَ عليه القوى الخارجية. ولقد دجج كل طرف من المتصارعين نفسه بالأسلحة” الشعب السوري والمتظاهرين اصبح لديهم طائرات ودبابات وفرق عسكرية تماما كالسلطة…اكتفي من دون تعليق واختم متحسرا على حال اعلام الفكر السوري أين وصلوا? احيله إلى أصوات الامهات السوريات..لأن الدعوة للعقل يجب ان يحكمها الضمير.
كاتب سوري