قمة الفشل!/ ميشيل كيلو
قلت لنفسي وانا اتابع مؤتمر القمة : “فالج ، لا تعالج” . كان المتحدثون يكررون الكلمات ذاتها عن محاسن وضرورات التضامن، ونبذ الخلافات، والتعاون والإخاء العربي . وكانوا يعالجون القضايا ذاتها التي دأبوا على معالجتها طيلة قرابة خمسين عاما من مؤتمرات فشلت في التصدي لها او التوافق على اسس مشتركة او متقاربة لمواجهتها ،دون ان ينسوا شحنة تحذير من المخاطر وضعوها في اصواتهم وتحليلاتهم حول التحديات ، التي لا تريد ان تفارقنا. وكان معظم الحاضرين من الذين ورثوا الارض ومن عليها طيلة نصف القرن الماضي، ورفضوا تعلم لغتهم العربية وقراءة نصوصهم قبل تلاوتها ، ولم يشعروا باي حرج لان قراءتهم لها حفلت بالاخطاء اللغوية واللفظية والاعرابية ، وكان …وكان .
في هذه الاجواء من الخلافات المستحكمة ، التي تكتسب مظاهر ومضامين جديدة قبل كل مؤتمر قمة ، كان من الطبيعي ان تغرق القضية السورية تحت ركام الكلام ، لان اي شيء يتخطى الكلام كان من شأنه تفجير اللقاء الاخوي وإفشاله، الامر الذي كان سيلقي بالعرب إلى اعماق اشد هولا من الهاوية التي يجدون انفسهم اليوم فيها ، بعد أن تم تدمير المشرق، وتأجيج صراعاته الطائفية والمذهبية ، وتأطيرها في حواضن اقليمية ودولية افادت من انقساماتهم وراهنت عليها، فصار اي تصد لها تفجيريا، ولو اقتصر على الكلام، وغدا من مستلزمات الامن القومي تجاهلها والابتعاد عن اي شيء يذكر بها من جهة ، وطمرها باسهابات كلامية عن وحدة الصف والإرادة، الغائبة عن واقع عربي يبدو وكأن اطرافه اتفقوا على تحاشي التعرض له باية حلول تعينهم على تغييره ، رغم ان اذاه يمسهم افرادا وجماعات ، مجتمعات ودولا ، ويوصلهم إلى حال لا يحسدون عليها، تتجلى في اعراض سورية بدأت تظهر عليهم ، لكنهم يدأبون على تجاهلها، ويتحاشون التفاهم حول مواجهتها ، كأنها يجب ان تبقى خارج اي اهتمام يمكن ان يفضي إلى افعال تضامنية كتلك التي ينتظرها السوريون من اخوة لهم، بعد شعورهم باليأس من عالم يغرقهم بعدم التفهم والانصاف، ويتنكر لحقهم في العيش كشعب موحد وحر في كنف دولة سيدة ومستقلة.
لم تبق المسألة السورية وحدها خارج اي نقاش في القمة، بل بقيت الخلافات العربية عموما والخليجية خصوصا خارج اي حوار جدي يتناولها، وبمنأى عن اي توجه لحلها، رغم ما قيل حولها من طيب الكلام وجميل اللفظ ، حتى بدا وكأن المؤتمر يعقد في عالم عربي خلو من المشكلات، لا حاجة به إلى القاء نظرة جدية على احواله، لانها على ما يرام ، ويمكن ان يستحضر اي حديث عن مشكلاته شياطينها الخبيثة، التي قد تصعب السيطرة عليها، إن هي خرجت من قمقمها.
كثرت الاقوال وانعدمت الافعال ، في هذه اللحظة المفصلية من واقعنا، التي تمس حاجتنا فيها الى افعال انقاذية ترقى الى مستوى المخاطر التي اطنب الخطباء في الحديث عنها، ليس كي يتصدوا لها، بل من اجل ان لا يفعلوا شيئا ضدها، فكأنما هي مخاطر كلامية وليست واقعا يتحدى عجزنا المتفاقم عن كبحها والتخلص منها، رغم انه يقودنا من كارثة الى اخرى، ويلقي بنا الى خارج تاريخ يصنعه غيرنا لنا، تفرجنا على فصله السوري الى ان فقدنا القدرة على الفعل.
يعيش العالم العربي مرحلة سقوط حر ، من علاماته كثرة الحديث عن ضرورة الاخاء والتضامن، وانعدام او قلة التفكير في السبل العملية الكفيلة بتحقيقهما. ويعاني عالمنا العربي من شلل يرجح ان لا يفكر حقا بالتصدى له الا بعد ان تسقط آخر حجرة في بنيانه الهش. عندئذ، سيكون حتى وقت الاقوال قد فات !.
\\ كاتب سوري \\
المدن