قوات روسية في تل رفعت.. ما الذي تعدّه لأنقرة؟/ سمير صالحة
دخلت وحدات عسكرية روسية، بشكل مفاجئ، إلى مدينة تل رفعت السورية التي تسيطر عليها المجموعات الكردية التابعة لقوات سورية الديمقراطية في ريف حلب الشمالي. وقالت موسكو إن رتلا تابعا للشرطة العسكرية الروسية نفذ هذه العملية، التزاما باتفاق مناطق خفض التوتر في سورية الذي كان جزءا من تفاهماتها مع تركيا وإيران في لقاءات أستانة، غير أن قيادات في المعارضة السورية، مثل أبو حاتم الشامي، في الجبهة الشامية، أحد فصائل قوات درع الفرات، تفيد بأن قوة روسية دخلت تل رفعت، والمعارضة لا تعلم مهمة هذه القوة، وهل تم دخولها هذا في إطار اتفاق تركي روسي أم لا. وذكر المتحدث السابق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري)، نواف خليل، إن هذا التحرك الروسي في تل رفعت تم بطلب مباشر من الحزب، لوضع حد للقصف التركي المتكرّر للمدينة، مستبعدا أن يكون قد تم بدون التنسيق مع واشنطن، وطارحا احتمال أن يكون مقدمةً لترتيبات بين الجانبين، طالما أن “البوصلة الأساسية لهذين القطبين في سورية هي هزيمة داعش، وأن لديهما مصلحة في عدم إشغال القوات الكردية بمعارك بعيدة عن الرقة ودير الزور. ولن تعترض طهران، طالما أن حصتها محفوظة، وطالما أن الكرملين يتحرك نيابة عنها، وعن النظام السوري، باتجاه حماية مصالح الجميع هناك.
ويرد في تقرير في صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية أن تركيا تمارس في شمال سورية “دورا تخريبيا”، وهذا ما دفع وزارة الدفاع الروسية إلى تعزيز الجيب الكردي في عفرين مرة أخرى، وإعلانه منطقة وقف تصعيد بعد تعرّضه لعمليات قصف متكرّرة من القوات التركية.
“كانت تركيا تريد الوصول إلى منبج، فقطعت واشنطن الطريق عليها، وكانت تستعد للدخول إلى تل رفعت فسبقها الروس في ذلك” ولم تتعامل أهم الصحف التركية والقنوات التلفزيونية الرئيسية الخمس مثلا مع هذا الخبر، ومن تابعه منها اكتفى باستخدام عبارة مزاعم عن دخول قوات روسية تل رفعت، مع العلم بأن كبريات الصحف التركية كانت تنشر، قبل شهرين، على صدر صفحاتها تفاصيل عن سيناريو مرتقب لعملية عسكرية تركية واسعة في شمال سورية، تحت مسمى “سيف الفرات”، تشمل تل رفعت نفسها. ونقلت صحيفة صباح التركية، المقرّبة من الحكومة، عن مركز أبحاث روسي إن تركيا سوف تنفذ، إلى جانب روسيا وإيران، عملية عسكرية واسعة في محافظة إدلب، حيث من المتوقع أن يهاجم الجيش التركي المسلحين من الشمال، بينما يتقدّم الجيشان الروسي والإيراني من الجنوب.
وقد تخلت تركيا عن حليفها الأميركي، وذهبت وراء تفاهمات أستانة، بحثا عن الدعم الروسي لها، باتجاه سحب الوحدات الكردية من منبج شرق الفرات، وإكمال خطة توسيع حدود المنطقة الآمنة التي أعلنتها، فوجدت نفسها أمام دخول شريكها الروسي غرب الفرات، بمهمة الفصل بين القوات، وبالتالي تثبيت بقاء القوات الكردية، وتعطيل التحرّك التركي هناك. وكانت أنقرة تطمح لتشييد خط استراتيجي حيوي مع الشمال السوري، عبر نقطتي أعزاز وتل رفعت. وكانت تريد الوصول إلى منبج، فقطعت واشنطن الطريق عليها، وكانت تستعد للدخول إلى تل رفعت فسبقها الروس في ذلك. هل ما يجري هو حلقة من تفاهمات أستانة تجنب أنقرة مزيدا من المواجهات العسكرية، وتوصلها إلى ما تريد من دون تحريك القوات؟ كيف ستكون ارتدادات الخطوة الروسية على الوجود العسكري التركي في شمال سورية، والعلاقة بين تركيا وقوات المعارضة السورية؟ وهل هو قرار روسي منفرد أم تم بالتنسيق مع واشنطن ردا على زيارة رئيس الأركان الإيراني، أخيرا، إلى أنقرة، وما يقال عن تقارب تركي إيراني جديد؟
أنجزت روسيا، حتى الآن، تشكيل ثلاث مناطق لخفض التوتر، في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وفي شمال مدينة حمص، وفي جنوب غرب سورية التي تضم أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة. الهدف الرابع على ما يبدو مدينة إدلب، فمع من وكيف سيتقدم المخطط هذه المرة؟ مشكلة تركيا كبيرة إذا ما كانت العملية الروسية قد تمت من دون علم الأتراك وموافقتهم، لكنها ستكون أكبر وأشد تعقيدا، إذا ما كان وراء التحرك الروسي العسكري تفاهمات أميركية روسية على حساب أنقرة. وروسيا تفعل ذلك، ربما إرضاء للنظام في دمشق، ولزعيم الاتحاد الديمقراطي (الكردي) صالح مسلم، وتحقق لإسرائيل رغبتها في تأسيس الكيان الكردي في سورية، وتكرس كذلك تقاسم النفوذ مع واشنطن في الملف السوري. فأي شهرعسل تركي روسي مهدّد بالسقوط على مدخل بلدة تل رفعت، بعد انهيار الشراكة التركية الأميركية على أبواب بلدة منبج في العام المنصرم؟
ما الذي ستقوله أنقرة وتفعله في اجتماع أستانة المرتقب، وقد تركها حليفها الروسي أمام خيارين، أحلاهما مر: القبول بقوات النظام السوري في الشمال مجدّدا أو التلويح بتفاهمات
“جديد ما تقوله روسيا للأتراك هو ما أعلنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن إحراز تقدم في التوافق على معايير إنشاء منطقة خفض التصعيد في إدلب” روسية أميركية، لا بد منها في إدلب للقضاء على جبهة النصرة؟ هل هناك احتمال ثالث، مثل وجود صفقة تركية روسية، تمت باتجاه تخلي أنقرة عن عمليتها العسكرية الموعودة في مقابل ضمانات روسية للأتراك بعدم فتح الطريق أمام اندماج الكانتونات الكردية في الشمال السوري؟ تقول موسكو إن التفاهمات بين الدول الثلاث الضامنة في اتفاقيات أستانة اكتملت، وأن العملية العسكرية المشتركة في إدلب ستكون بعد لقاء أستانة السادس. هناك من حاول مفاجأة أنقرة بفتح الأبواب أمام مجموعات جبهة النصرة للسيطرة على مدينة إدلب، حيث كانت تركيا تضع اللمسات الأخيرة على خطة دخولها عسكريا، بالتنسيق مع الجيش السوري الحر، فهل تنفذ تركيا عملية عسكرية بمفردها قبل اجتماع أستانة أم أنها ستترك الروس يناورون نيابة عنها، ويثبتون بقاء الوحدات الكردية، ويسهلون الدخول الأميركي إلى إدلب نفسها هذه المرة؟
أثارت صور مقاتلين أكراد محسوبين على قوات صالح مسلم، وبيدهم صواريخ دفاع جوية محمولة على الكتف، ردود فعل واسعة في تركيا. ما هي مهمة هذه الصواريخ، وكيف وصلت إلى يد القوات الكردية في سورية؟ تقول تقارير أمنية تركية إنها روسية الصنع وصلت إلى الأكراد في صفقة أميركية كردية. وفي عملية سرّية محكمة، وبعد تتبع ورصد دقيق، نجحت أجهزة الاستخبارات التركية، قبل أيام، في إحباط خطة انتقال مجموعة في قيادات حزب العمال الكردستاني من الأراضي الحدودية التركية إلى عفرين السورية. وحسب تسريباتٍ أولية، فإن مهمة المجموعة كانت العمل على ترتيب نقل بعض هذه الصواريخ التي تسلمتها وحدات حزب الاتحاد الديمقراطي من القوات الأميركية لاستهداف طائرات الاستطلاع التركية فوق الأراضي السورية إلى جنوب شرق تركيا، بهدف توسيع رقعة عملياتها، وإضافة نوعية جديدة على القتال ضد طائرات الاستطلاع التركية. والقطبة الخفية في المسألة هي معرفة كيف وصلت الأسلحة الروسية إلى القوات الأميركية، وهل موسكو على علم بذلك، وكيف ستكون ردة فعلها؟
جديد ما تقوله روسيا للأتراك هو ما أعلنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن إحراز تقدم في التوافق على معايير إنشاء منطقة خفض التصعيد في إدلب، وأن الاتصالات بين الدول الضامنة لعملية أستانة و”المبادِرة بشأن إدلب” أحرزت تقدما جديا في الاتفاق على معايير التكوين وأساليب ضمان الأمن، في ما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد في المحافظة. أبلغتنا موسكو، قبل أيام أيضا، أن شحنات صفقة صواريخ إس 400 جاهزة للتوجه إلى تركيا، فمن سيوقع على وصل الاستلام؟
العربي الجديد