قياديٌّ كرديٌّ يكشف كيف يعيش الكرد في مناطق سيطرة ثوار (درع الفرات)
كدر أحمد
سيطرت كتائب الثوار المنضوية في تحالف “درع الفرات” المدعوم من تركيا خلال شباط/فبراير الماضي بالكامل على مدينة الباب ومحيطها بعد طرد تنظيم “داعش”، وغدت كل المناطق الواقعة بين نهر الفرات شرقاً حتى غرب مدينة إعزاز غربا بما في ذلك مدن جرابلس والباب وإعزاز وكل النواحي الإدارية التابعة، بمن فيها من مئات الآلاف من أبناء المكوّن الكردي، تحت سيطرة ونفوذ “درع الفرات” التي باتت تدير تلك المناطق بشكل رسميّ بغض النظر عن الإمكانات الإدارية واللوجستية المتوفرة، وتحولت بحكم الواقع من مجرد فصائل مقاتلة إلى قوة بسطت هيمنتها بالكامل على كل مناحي الحياة.
وفي ظلّ الثنائيات التي خلقها النظام وغذّاها بعد الثورة السورية (سنة وشيعة أو عرباً وكرداً أو مؤيدٍ ومعارضٍ وغيرها) كان لسيطرة مكوّن سوري على منطقة تحوي سوريين من المكون الآخر يعني في كثيرٍ من الأحيان قتلاً وتنكيلاً وتهجيراً وأشكالاً أخرى من التمييز العنصري، فكيف يعيش الكرد في مناطق سيطرة “درع الفرات” شمال حلب، وهل ارتكبت ضدّهم أيّ تجاوزات؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، التقت “كلنا شركاء” السياسي الكردي علي مسلم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا، الذي قال إن فترة سيطرة كتائب الثوار تخلل ذلك العديد من التجاوزات بحق المدنيين وبقايا الذين تواطأوا مع تنظيم “داعش” وقد شمل ذلك جميع مكونات المنطقة بما فيهم الكرد، ولم نرَ أي حالات مقصودة وموجهة ضد أحد دون الآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر سوى بعض الحالات الفردية والتي سرعان ما كانت تلقى طريقها إلى المعالجة وربما كان ذلك تعبيراً عن بعض ردود الأفعال على بعض السلوكيات التي حدثت في السابق وهذا امر طبيعي في ظروف الحرب والتحول من حالة الى حالة.
حياةً طبيعيةً ككل المكونات
وأكمل حديثه بأنه للكرد في تلك المناطق يمارسون حياتهم الطبيعية إلى جانب المكونات الأخرى ولم نرى حتى الآن أية سلوكيات تمييزية استهدفت الكرد دون غيرهم سوى بعض الحالات الفردية التي حصلت وشكلت مصدراً لقلق الجميع فثمة أفراد كانت تربطهم علاقات في السابق مع بعض الأوساط المناهضة لفصائل “درع الفرات” وتم استجوابهم بناءً على ذلك وأطلق سراحهم على الفور بالرغم من أبواق الدعاية والتي تصدر تباعاً من أوساط كانت وما زالت تعمل وفق إملاءات النظام، وحسب اعتقادي فإن تاريخ التعايش المشترك الذي كان سائداً في تلك المناطق عبر المراحل الماضية ستكون كافية لتوفير الأرضية المناسبة للتعايش المشترك من جديد ولا أنكر وجود أوساط سياسية غير كردية تعمل ليل نهار بغية دق الإسفين بين شركاء الأمس وتأجيج بعض أشكال الصراع ذات الطابع القومي أو ما شابه وربما يحدث في قادم الايام ما يعكر صفو هذا التوازن لكن الكل يبدي كامل الحرص على ترجيح لغة العقل وتوفير مقدمات التعايش بشكل مشترك.
أين ينتشر الكرد؟
وحول ما يخصّ واقع الكرد وتعدادهم في تلك المناطق فإن الكرد يعيشون في تلك المناطق في تجمعات قرى وذلك في مناطق الباب وإعزاز ومحيط حلب في منطقة جبل سمعان ومنطقة السفيرة جنوب حلب إلى جانب تواجدهم في منطقة منبج وجرابلس.
وحسب إحصاءات غير رسمية أجراها مجموعة من النشطاء الكرد، فيبلغ عدد السكان الكرد هناك حوالي أكثر من 300 الف نسمة ويتركز وجودهم بشكل أساسيّ في المناطق المتاخمة للحدود التركية، أكبر القرى الكردية (أشباه مدن) هي تل عرن وقباسين (باشكو) والراعي ودوديان، ويعيش فيها حوالي اكثر من 100 ألف كردي، أما عدد القرى والمزارع فتتوزع على الشكل التالي:
حوالي 86 قرية كل سكانها كرد ويتكلمون بلغتهم الأم
حوالي 45 قرية مشتركة سكانها إما كرد وعرب أو كرد وتركمان ولا تخلو أية قرية او مدينة في شمال حلب من وجود كردي نسبي.
ماذا قدمت ثورة السوريين للكرد؟
حول هذا الموضوع، تحدث السياسي الكردي أن الثورة في تلك المناطق لا تندرج في إطار خدمة مكوّن بحد ذاته حيث شمل الجميع على حدٍّ سواء خصوصاً مرحلة ما قبل “داعش” وعاشت تلك المناطق مرحلة ذهبية منذ بداية عام 2012 حتى بداية عام 2014 حيث أن الأمن كان موفراً بشكل كامل إلى جانب عدم حصول حالات اختناق في مجال توفر المواد الغذائية والمحروقات.
وهذا التوازن الخدمي -برأي مسلم- ساهم إلى حدٍّ بعيدٍ في جذب العديد من مصادر الدعم والإغاثة بما في ذلك المرافق الصحية والمشافي الميدانية، وأضاف “أما في الشأن السياسي فأعتقد أن الثورة لم تستطع كما رأينا في التقدم ولو بخطوة واحدة نحو ما كان مطلوباً سياسياً سيما في جانب طمأنة الكرد وغير الكرد على مستقبلهم السياسي في سوريا كما فشلت الثورة في صياغة أي مشروع وطني من شأنه لملمة المتناقضات السياسية ضمن المجتمع السوري وهذا برأيي وفر المناخ المناسب لانتعاش الراديكالية والتشدد والإرهاب”.
وتحدث “مسلم” أيضا حول انجازات الحركة السياسية الكردية في تلك المناطق بأن الموضوع نسبي ولا يمكن قياسه وفق تراتبية رقمية معينة الى جانب ان هذا الشأن له علاقة بمجمل ما يجري من احداث في باقي المناطق، واستدرك قائلاً “لكن ما يمكن قوله إننا من خلال سياسة المجلس الوطني الكردي وعلاقته بالائتلاف الوطني استطعنا أن نزيل الاحتقان الحاصل وساهمنا في توفير مناخات التفاهم عبر جدلية وحدة مصالح كل مكونات المجتمع السوري وترك القضايا المصيرية إلى حينها”.
وحول التطلعات السياسية وما إلى ذلك قال “من خلال تجربتي الشخصية كعامل في الحقل السياسي لا أرى ان ما سيتم مستقبلاً سوف يكون بعيداً عما كنا نطمح إليه ونعمل له طوال هذه السنين لكن لا بد من الاشارة الى اننا ككرد سوف نواجه بعض الظروف الصعبة خصوصاً في مناطق شمال حلب لاعتبارات عديدة أولها الفهم العام السائد في المجتمع السوري خصوصاً في الوسط غير الكردي الذي ينطلق من ان أي مطلب قومي للكرد سوف يكون على حساب وحدة سوريا وهنا تكمن المشكلة حيث أن التربية السياسية لعموم المجتمع السوري كان صورياً ومن نتاج فكر البعث العروبي الذي عمل على ترسيخ مفهوم عروبة سوريا وهذا قد أثر بشكل او بآخر على سياق الفهم العام لقضية الشعب الكردي في سوريا، ليس في الوسط الشعبي فقط بل طال ذلك مجمل أوساط النخبة ايضاً.
أما الاعتبار الآخر فيكمن في مدى نجاح الكرد في باقي المناطق الاخرى وكذلك في البلدان الأخرى وهذا قد يمهد لصراع قومي كشكل من أشكال رد الفعل على العموم، على حدّ قول القيادي الكردي، مضيفاً أنهم مطمئنون على مستقبل الكرد في تلك المناطق ولا يوجد ما يقلق في هذا الجانب حتى الآن.
ختم مسلم حديثه بالتأكيد على أن مستقبل سوريا سوف يحدده السوريون في نهاية المطاف عبر تفاهم وطني سوري عام وذلك بمساعدة الدول صاحبة الشأن في الإطار الدولي، وأن الكرد بدورهم يسعون نحو سوريا لامركزية تضع حداً لتحكم فئة معينة على كل المقدرات الوطنية. وذلك عبر توزيع السلطات السيادية بين المركز والأطراف من خلال إقرار دستوري يضمن هذا الشكل، ولا يرى السياسي الكردي أن نظام الكانتونات المعلنة من طرف واحد “الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)” سيفي بهذا الغرض وسوف لن يكتب لها النجاح.
كلنا شركاء