الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات سوريةعلي العبدالله

قيامة السوريين/ علي العبدالله

 

 

(الى رزان زيتونة التي لعبت دورا رائدا في تطوير ثورة الحرية والكرامة)

لم تكن هبة السوريين في آذار 2011 نزوة او ترفا بل حتمية انسانية أطلقها نزوع الحرية الكامن في الانسان. فقد عاشت سوريا عقودا في ظل نظام استبدادي وفاسد لم يكتف بالاستئثار بالسلطة والثروة بل ومد هيمنته وسيطرته الى روح الانسان وعقله وضميره عبر فرض روايته ورموزه وتوجهاته السياسية والاجتماعية على المجتمع السوري افرادا وجماعات.

مع قيام انقلاب 8 آذار 1963 اعُلنت حالة الطوارئ والاحكام العُرفية، واستمر فرضهما بشكل متواصل الى عام 2011 حيث رفعا، في محاولة من النظام لسحب مبررات الهبة الشعبية واجهاضها مبكرا، بعد استبدالهما بقانون أكثر سوءا، قانون الارهاب، يسمح لأجهزة المخابرات باعتقال المواطنين لفترة تمتد بين الـ 7 والـ 60 يوما قبل احالتهم الى القضاء، حتى هذا لم يخفف من صدمة النظام بخروج المواطنين للمطالبة برحيله فلجأ الى خطف المعارضين من الطرق وتصفيتهم او اخفائهم دون السماح لذويهم بمعرفة شيء عنهم او زيارتهم، ثم شكل محكمة خاصة للإرهاب، علما انه يعتبر الثورة عليه عملا ارهابيا، ناهيك عن استخدامه اشد انواع البطش قسوة ووحشية لإخماد الثورة وتدمير حاضنتها الاجتماعية.

كان النظام قد شهد عدة انقلابات داخله كان آخرها ما سُمي بالحركة التصحيحية التي نقلت النظام السياسي السوري من نظام الحزب الواحد الى نظام الرجل الواحد، واعادت هيكلة السلطة دستوريا وقانونيا ومؤسسيا كي تخدم التوجه الجديد، نظام يرتكز الى شخصنة السلطة وعبادة الفرد ما ترتب عليه مزيد من تدمير الحياة الوطنية بتحويلها إلى منظومة ولاء للرئيس، وفرض القداسة عليه وعلى أقاربه وأعوانه، أدت إلى تغولهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد الإدارية والمالية بوضع اليد على الدورة الاقتصادية، ونهب المال العام وتخريب القيم الاجتماعية، وضرب المنظومة الأخلاقية عبر آليات الفساد والإفساد التي رعتها أجهزة المخابرات، وتفكيك الاندماج الوطني بخلق انقسامات عمودية بين المواطنين والمناطق عبر سياسة التمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وانتهى إلى تجويف كامل للنظام الجمهوري عبر عملية توريث السلطة.

عمل النظام في نسخته الاخيرة وفق سياسة اعتُمدت في الدول الشيوعية قائمة على تأطير المواطنين واعادة برمجتهم عبر الضخ الاعلامي وتحويلهم الى آلات متلقية منفعلة غير فاعلة، فشكل لذلك أطراً (طلائع البعث، شبيبة الثورة)، وألزم الطلبة بالانخراط فيها، كما ألزم النقابات والاتحادات المهنية (العمال، الفلاحون، النساء، الاطباء، الصيادلة، المهندسون، المحامون) بأهدافه وبتنفيذ سياسته. وقد استغرقت عملية التنميط العقود الاربعة الاخيرة من عمر المجتمع السوري.

سعى النظام عبر عملية التنميط الى السيطرة على تفكير المواطنين والتحكم بردات فعلهم وتحويلهم الى قوة ساكنة بحيث يقطع الطريق على اية ردات فعل غير مرغوب فيها ويمنع ظهور تعبيرات ذاتية مستقلة، تفتح على التفكير الحر وطرح الاسئلة حوله وحول السياسات المعتمدة في البلاد، وكشف مشاعر الاستياء والتذمر والاحتجاج وقمعها قبل ان تتحول الى ظاهرة عامة. كل هذا تحت راية توفير الامن والاستقرار، ما جعل انطلاق حراك ثقافي او سياسي او اجتماعي صعباً ان لم يكن مستحيلاً بسبب حالة الخوف وعدم الثقة التي خيمت على الحياة الوطنية وتحولها الى حالة شك المواطنين في ذواتهم وفي قدراتهم وأهليتهم للدفاع عن حقوقهم المسلوبة والعمل على استعادتها وميلهم الى تأجيل المواجهة وترحيل الملفات والاستحقاقات. وقد تعمق الركود الثقافي والسياسي بسبب عدم وجود أطر مؤسسية تسمح بالتعبير عن الاحتياجات والمطالبة بالحقوق. فالنمطية التي سادت وهيمنت على الفضاء الوطني شلت المجتمع عندما اختزلت المعادلة السياسية بثنائية سلطة-متآمرين، وطرحت حلولا مقولبة للمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية بعد ان نجحت في اخراج القوى السياسية والاجتماعية، الاهلية والمدنية، من الحقل السياسي عبر وضعها تحت سيف القمع والتشهير بوطنيتها، وهذا خلق حالة توافق سطحي وهش من جهة واستقرار زائف من جهة ثانية.

غير ان عملية التنميط وما صاحبها من قمع وقهر واذلال وحرمان من الحقوق والحريات العامة والخاصة وتمييز بين المواطنين وبين المناطق لم تنجح في أخذ المواطنين الى القمقم بل رتبت حالة مفاصلة بين قطاعات واسعة من المجتمع والنظام ودوائره ومؤسساته وخياراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية حيث اصبح في نظر قطاعات اجتماعية واسعة مصدرا للشر ومثار شكوك وهواجس ومخاوف عميقة. وقد برزت حالة المفاصلة وعبرت عن سعتها وتجذرها خلال التظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت منذ اليوم الاول من الثورة، حيث غطت القطيعة على المشهد السياسي وتم تجاهل كلام النظام ووعوده بالإصلاح بشكل تام، وانخراط المزيد من المواطنين في الاحتجاجات والثورة. فالهوة الواسعة بين الطرفين والمطالب الجذرية عكست المفاصلة وانعدام الثقة وجعلت المواجهة حادة وشديدة ومصيرية، ذلك لان حجم التغيير المطلوب وعمقه جعل الحل الوسط خارج الخيارات وخارج التفكير بالمطلق، فكل ثورة، لها الاسباب والمبررات والدوافع التي للثورة السورية، تنطوي على ابعاد تغييرية شاملة وعلى اعادة صياغة العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالكامل، بما في ذلك الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يصبح جذريا بالانفصال عن التعبير النمطي وآحادي الجانب الذي سعى النظام الى ترويجه وتكريسه وتأبيده، وتبني نظرة جديدة تستند الى حقائق مختلفة غيبها القهر والظلم والتمييز عن التفكير والرؤية الوطنيين.

لم يقد دخول الثورة في حالة استعصاء بسبب التعقيدات التي احاطت بها، في ضوء الانخراط الواسع لدول وتنظيمات سياسية فيها، وتحول سوريا الى ساحة لصراع اقليمي ودولي واختبار لحرب ارادات وتصفية حسابات، لم يقد الى فقدانها الشرعية، فما زالت تمتلك المشروعية والمصداقية، ومازالت اهدافها صحيحة وتشكل مخرجا لسوريا الدولة والمجتمع من نظام الاستبداد والفساد الى الحرية والكرامة واقامة نظام دستوري وقانوني، ديمقراطي تعددي يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز او تهميش او اهمال، نظام قاعدته المواطنة والعدالة والالتزام بالمواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة. واللحظة السياسية الراهنة، بكل فرصها ومخاطرها، تستدعي من السوريين، كل السوريين، العمل على إعادة تثبيت معادلة ثورة في وجه نظام مستبد، والتأكيد على اهدافها وغاياتها وتقديمها بشكل واضح وجازم للرأي العام العالمي وللقوى الدولية ومؤسساتها: ثورة وليست حربا اهلية، ثورة وليست صراعا طائفيا، ثورة وليست مؤامرة دولية، ثورة شرعيتها من شرعية اهدافها العامة والنبيلة، من اجل وقف القتل والتدمير واجتراح حل يخدم سوريا الوطن والشعب ومستقبلهما المستقر والمزدهر.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى