كاتبات سوريات في مصر.. انتظار الوطن، كغيمة، أو قصيدة، وحتماً كألم/ سامر مختار
بعد مضي ثلاثة أعوام على اندلاع الثورة السورية، ودخولها عامها الرابع، غادر الكثير من كتّاب ومثقفين سوريين خارج سوريا، نتيجة الملاحقات الأمنية من قبل النظام لبعضهم، ونتيجة الاعتقالات التي طالتهم مثلما طالت كل السوريين.
لكن القضية لم تتوقف عند الخروج من البلد، إنما بات الأمر مرتبطاً بالشكل، والنمط التي ستكون عليه الحياة اليومية لأشخاص خرجوا من بلدهم مرغمين.
ومن المعروف أن أغلب الكتّاب السوريين منتشرون ما بين تركيا ولبنان ومصر وبعض الدول الأوروبية.
لكن التقلبات السياسية التي شهدتها مصر في الفترة الماضية – ومازالت – جعلت الكثير من المثقفين السوريين يغادرونها، إما إلى تركيا أو إلى بلد أوروبي. وسنلاحظ أن الحراك الثقافي السوري قد نشط بشكل ملفت في تركيا مثلاً (محطات إذاعية – مجلات – جرائد – مراكز ثقافية) وكلها تعنى بالشأن السوري، ووضع المواطن السوري في المنفى، وصعوبات الحياة اليومية، المشاكل التي يتعرض إليها.
وفي محاولة للتنقيب عمن بقي من كتّاب سوريين في مصر، ورصد تفاصيل حياتهم، التقينا بكاتبات سوريات مازلن يقمن بالقاهرة، لنعرف أي صعوبات تواجهها حياتهن في مصر، ولنعرف بعضاً من تفاصيل يومياتهن، وهل أضافت حياتهن خارج بلدهن شيئاً في تجربتهم الإبداعية.
12الشاعرة رشا عمران – والتي وقعت آخر ديوان لها في القاهرة ببداية هذا العام تحت عنوان “بانوراما الموت والوحشة الصادر عن دار نون– حدثتنا بأنها لا تعتقد بوجود صعوبات يعيشها الكاتب السوري الموجود بالقاهرة تختص به ككاتب، الصعوبات هي صعوبات الحياة نفسها التي تطال الجميع، والصعوبات المتعلقة بالقوانين الخاصة بالسوريين. مضيفة بأن دور النشر المصرية عموماً ترحب بالكتب السورية والوسط الثقافي المصري كذلك. إنما المشكلة كما تراها لربما تكمن بالعمل الصحفي أو بكتابة المقالات في الصحافة المصرية، وتعود الأسباب حسب رأي رشا إلى وجود عدد كبير من الكتاب والصحفيين المصريين، والذين لهم الحق في الكتابة بصحفهم أكثر من الوافد السوري أو غيره.
تقول رشا: “شخصياً، بالنسبة لي لا أعاني أي إحساس بالاغتراب بالقاهرة، بالعكس أشعر أنها مدينتي، علاقتي بها بدأت تشبه علاقتي مع دمشق، وإيقاع حياتي أيضاً بدأ يشبه إيقاع حياتي هناك، وربما على مستوى الكتابة أدخلتني في مكان جديد بتجربتي، وضعي هنا بصفتي لاجئة وكامرأة وحيدة بدأت تفقد الأمل من العودة إلى وطنها مع ما يحدث في سوريا، ومع اكتشاف ثقافة المجتمع المصري واختلافه عن السوري، كل هذا أتاح لي مساحة واسعة للتأمل في المعنى الحقيقي لمفردة العزلة والشغل عليها شعرياً”.
أما الكاتبة والمترجمة السورية نجاح سفر فقالت “قد يخفف من وطأة الأمر علي أني مارست معظم عملي الصحفي خارج سوريا خلال اقامتي الطويلة نسبياً في الامارات، وبعد عودتي لمصر لم أجد متنفساً للكتابة حول الشأن السوري إلا في إعلام الثورة، وهكذا انقسم عملي بين الكتابة الصحفية لمواقع وصحف بعيداً عن الشأن السوري وبين إعلام الثورة”.
13وترى نجاح بأن وجودها في مصر حدد طبيعة الأمور التي بإمكانها مناقشتها أو التحدث عنها نتيجة الظروف السياسية المتقلبة التي عاشتها البلد وأثرت على وجود السوريين فيها، مما خلق نوعاً من التقييد على طبيعة الطرح.
بالإضافة طبعاً للحد من المشاركة السياسية لما يحدث في سوريا، حيث تحكي “نجاح” بأنها كانت سابقاً تقوم مع الكثير من السوريين بجميع النشاطات من مظاهرات ومؤتمرات وغيرها دون العودة إلى موافقة الأمن، الأمر الذي بات مستحيلاً في ظل التغيرات السياسية الحالية في مصر. وهذا طبعا أثر على طبيعة التواصل مع أبناء الجالية السورية والذي يثري التجربة الكتابية للصحفي. وأوضحت “سفر” باقتصار علاقتها مع ما يحدث في سوريا على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون، مما أثر على طبيعة الجهات التي يمكنها النشر فيها حيث يشترط بعضهم وجودها في الداخل والكتابة حول ما يحدث حولها.
أما الشاعرة السورية سرى أحمد علوش فآثرت بالبقاء بعيداً عن أي نشاط ثقافي في مصر. حيث ترى بأنه وبشكل طبيعي الكاتب يتأثر بالمكان تأثراً غير مباشر تفرضه المتغيرات التي يعيشها اجتماعياً وسياسياً والتجارب الإنسانية التي يخوضها وهذا لا بد أن يظهر في الأدب الذي ينتجه، لكن عملياً ما يسعى إليه أي كاتب هو الانتشار سواء كان في بلاده أو في المنفى أو على أرض محايدة.
وقالت سرى “لم أختلط بالوسط الثقافي في مصر، ولم أمارس أي نشاط أدبي، لكن الحالة الثقافية في بلادنا واحدة، حيث يتم تهميش دور المثقف في القرار، وتختلط الأمور، وتغلب المحسوبيات، وتضيع الأصوات المهمة، أو تختفي بسبب الفوضى الثقافية التي نعيشها، والتي أصبحت تفرز وتسوّق أصواتاً أقل ما يمكن أن نقول عنها إنها لا ترقى إلى مستوى الأدب، لا على صعيد الفكر، ولا على صعيد الموهبة أو الصنعة، الشيء الذي أدى إلى ضياع الهوية الأدبية لبلداننا، وجعل من الأدب سلعة غير باهظة، مقارنة بالدول المتقدمة التي تبني مجتمعاً حقيقاً”
أما عند الشاعرة السورية إيمان إبراهيم يبدو الأمر أكثر تعقيداً، وأشد ألماً، فهي تقول في بداية حديثها بأنها لا تعرف إن كان ثمة فرق بين الصعوبات التي تواجهها كاتبة أو كاتب في مصر، فهي شبه معتزلة الكتابة منذ كانت في سوريا ولا تحتك بأحد هنا.
16وترى إيمان بأن حياتها لا تختلف عن حياة أي سوري يعيش في هذا “المعتقل الكبير” – كما أسمته – مذ بدأت القرارات الجديدة بمنع السوري من دخول مصر، لم تعد ترى زوّاراً، وغير قادرة على المغادرة التي ستعني حتماً تذكرة ذهاب فقط دون رجعة.
تقول إيمان: “في مساحة لا تتجاوز الـ 70 متراً أعيش هنا مع عائلتي منذ ما يقارب العامين، كانت مصر خياراً اتفقنا عليه بعد سوريا، هنا لا يختلف يوم السبت عن الخميس مثلاً، نهاية الأسبوع كالأعياد، أيام باهتة تمر بلا أثر، سريعة جداً بقدر ما هي بطيئة، لا شيء يتغير بين هذه الجدران”
وتتابع إيمان بأن العزلة التي كانت خيارها في سوريا أصبحت فرضاً في مصر، قد يمر أكثر من أسبوع دون أن تنزل للشارع “لا حاجة لمزيد من الإحساس بالغربة، فكل شيء هنا (ديليفيري) حتى الدواء، الاحتكاك البسيط بالناس كسائق التاكسي أو بائعة في سوبر ماركت أو محل يمنح بعضاً من الراحة، ومازلت أتذكر اللحظات المؤلمة هنا وفي الأيام الأولى فكان من شأن لافتة لجمعية خيرية تطلب بطانيات للسوريين كفيلة بجعلي أرتجف وأبكي”
لا تؤمن إيمان بأن الشعر محور حياتها، فهو بالنسبة لها مجرد تفصيل صغير من تفاصيل كثيرة “قد يضحك من يعرف أني افتقد حمّام بيتي هناك، ثيابي التي تركتها وكتبي، الألوان، الموسيقا، البيت الذي قضيت به أجمل سنواتي”
كان الحدث الأكثر إيلاماً للشاعرة إيمان هو وفاة والدها في مصر؛ “كسرني غيابه ومازلت أنكر موته وأنتظر عودته، مات وهو يحلم بسوريا جديدة وعودة قريبة، هربنا من الموت هناك فعاجلنا بسرطان نهِم فتك به وبنا معاً”..
وعن متابعتها لما يحدث بسوريا تقول إيمان : “منذ عام أو أكثر توقفت عن متابعة الأخبار، فاليأس قد نال منّي، لكن الأخبار السيئة تصل إما عبر الفيس بوك أو اتصالات الأصدقاء وفقدان المزيد ممن نحبهم”.
والخوف من المحطة القادمة جعل إيمان متشبثة بالمكان، فهي لا تؤمن بفكرة الوطن الذي يملكه “فرد” حسب تعبيرها مضيفة بأنها حين ستغادر مصر ستشعر حتماً بالحنين إليها: “سأشتاق تلك الجدران التي آوتني، والكلمات الطيبة، وبالأخص عبارة : نوّرتي مصر”.
صوت راية