صفحات الرأي

كاتب من بلاد الثلج

 يصف حريق الشام

عبدالله عطية

    خبير اقتصادي

كتاب كمال ديب “تاريخ سوريا المعاصر” (دار “النهار” 2011) يتناول تاريخ سوريا على امتداد ما يقارب قرناً  كاملاً أي منذ سقوط الامبراطورية العثمانية في خريف 1918 وحتى صيف 2011. هذا في الموضوع وفي الإطار الزمني. أمّا في المضمون فإنّه يروي نشوء الدولة السورية المعاصرة ابتداءً من الانتداب الفرنسي حتى الاستقلال مروراً بنكبة فلسطين فقيام الكيان الصهيوني وما استتبعه من انقلابات وحكم عسكر وأحلام وحدة حتى صعود سوريا كدولة اقليمية بعد حرب 1973. حيث شهدت مرحلة جديدة من الاستقرار ترسّخ مع الوقت على اثر الحرب على لبنان ودخول الجيش السوري اليه بتغطية عربية ودولية دامت حتى خروجه منه عام 2005 . أي بعد ثلاثين سنة بالتمام والكمال. ومن ثم اندلاع ما يسمى الازمة السورية في اذار 2011  أو بدء الحرب على بلاد الشام كما يفضل البعض الاخر.

 ولعلّ أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ لدى مطالعته الكتاب هو أنّه يسدّ ثغرة مهمة في المكتبة العربية التي تفتقر إلى هذا النوع من الكتب التاريخية وعن سوريا تحديداً. فمن المدهش أنّ العرب بشكل عام واللبنانيين بشكل خاص -وهم أقرب الناس إلى السوريين – ليسوا على بيّنة مما جرى ويجري في سوريا. ففي لبنان بلد العلم والنور كما ندّعي حيث يزيد عدد المعاهد العليا عن الخمسين وبالرغم من الجامعات العريقة فيه ليس هناك معهد واحد متخصص بالشأن السوري.

هنا تكمن أهمية مساهمة كمال ديب في فهم ما يجري من انتفاضات وتجاذب وحروب في سوريا قد يكون من نتائجها ليس فقط تفكيك الدولة بل تفتيت المجتمع ايضاً. كما قد يكون لبعد كندا عن مسرح الأحداث ولأكاديمية المؤلف خاصة الفضل في فرادة مؤلّفه في مقاربة الواقع السوري وتعقيداته وتشعّبه حيث يتناوله من مختلف أبعاده أو من أبوابه السبعة كما يقول. أكان على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الحزبي أو الديموغرافي دون نسيان الطوائف والبعد الاقليمي وتأثيره على سوريا ودورها في المنطقة. خاصة أنّها دولة تنكّبت لدور اقليمي أكبر من طاقتها وامكاناتها.

تناول ديب تاريخ سوريا بعيداً عن الأدلجة والرؤى المسبقة وشخصنة النظام والصراع. وهذه كلها صفات طبعت معظم المؤلفات التاريخية عن بلادنا بشكل عام وعن سوريا بشكل خاص. ولا مبالغة أننا نعيش في منطقة مرصودة ومستهدفة. فليس صدفة أن تستمرّ مراكز القرار في العالم منذ أوائل القرن الماضي باطلاق تسمية جغرافية لكل شعوب المنطقة: من شرق أدنى إلى شرق أوسط وأخيراً الشرق الأوسط وشمال أفريقيا mena، طامسين بذلك عن سابق تصوّر وتصميم أي شخصية أو هوية للشعوب. فكأن بلادنا هي مجرّد ساحات اقتصادية وعسكرية واستراتيجية تتلاعب بها أهواء الدول الأخرى ومصالحها وليست كياناً ثقافياً وحضارياً وشعوباً امتازت هي بتسمية الآخرين تاريخياً فأطلقت أسمي أوروبا وأفريقيا على القارتين المجاورتين.

ما استخلصته من قراءاتي الأولى لكتاب ديب، المؤلف الآتي إلينا من بلاد الثلج البعيدة هو أنّه يكشف تقصير مفكرينا وأحزابنا في عملية بناء الدولة العصرية والمواطنية المسؤولة.  إضافة إلى العمل الحثيث والدؤوب الذي تمارسه الدول الخارجية في إفشال كل المحاولات التي شهدها القرن العشرون لا أعاده الله علينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى