كاميرا التقاط اللحظة السورية الراهنة/ عمر الأسعد
بين التقاط صورة الطائرة الحربية في السماء ولحظة سقوط الصاروخ، قد يكون هذا آخر مشهد يلتقطه حامل الكاميرا قبل أن يواجه الموت…
توثّق الكاميرا والفيديوات المعاناة الإنسانية للسوريين. وللناشطين الإعلاميين والفنانين المحترفين دور مهم في إنتاج عدد كبير من الأفلام القصيرة التي نقلت الواقع السوري. فظهرت أفلام مثل «هاون» لعبد الله حكواتي، و «غداً الوداع» لمادونا أديب، و «قصة سورية قصيرة» لمحمد عمران وداني أبو لوح، و «صباح حزين كل صباح» لكيفورك مراد، و «طج» لخالد عبد الواحد، وغيرها من الأفلام التي أظهرت نمو هذا النوع من الفن المعتمد على الكثافة في الزمن والمقولة، ربما بسبب «كثافة» اللحظة السورية ومآسيها، أو بسبب سهولة إنتاجه وقلة تكاليفه مقارنة بالأعمال الروائية أو الوثائقية الطويلة.
يرى محمد عمران الذي قدم مع داني أبو لوح فيلم «قصة سورية قصيرة»، أن المزاوجة بين المشاهد الواقعية والرسم الذي اعتمداه في فيلمهما المشترك، «لم يكن خياراً واعياً في بداية الأمر، بمعنى أننا انطلقنا من قاعدة أبسط وهي أن لكل منا مهنة، داني فنان فيديو وأنا نحات ورسام». ويضيف: «كان المشروع عفوياً باختيارنا للمادة الواقعية. بدأنا نفكر بأهمية التوثيق المزدوج، أي أن الصور والفيديوات المختارة بالغة الحضور، والتركيب عليها أو مزاوجتها مع صورة مبتكرة يعطي الفيلم صفة توثيقية، علماً أن الفيلم أنتج بين الشهرين السادس والثامن من العام 2011، أي في مرحلة الحراك السلمي للثورة».
أنتج خلال السنوات الماضية عدد كبير من الأفلام القصيرة السورية، قياساً بإنتاج سورية السابق من هذا النوع الفني. وبالتأكيد اختلفت المستويات الفنية مع هذا الكم الانتاجي. وترى المخرجة السورية إيناس حقي أنه «حتى الآن لم تستوفِ غالبية هذه الأفلام شرط الفيلم القصير، وظل معظمها يدور في إطار التصوير الهاوي لحدث راهن، ولم تتحول آليات إنتاج الأفلام القصيرة إلى ضمان لوجود صناعة سينما مستقبلية. ربما يمكننا فقط استثناء «مجموعة أبو نضارة» لأنها تعمل على تأسيس مؤسسة سورية مستقلة تنتج الأفلام ولا يتم دعمها بالشكل الكافي». وتضيف معلقة على موضوع النوعية والمستوى الفني: «من المهم الإشارة إلى أن كل التجارب كانت تستقبل في بداية الثورة بحفاوة لأنها تعلن انحياز العاملين فيها إلى الثورة، ولكن ربما حان الوقت للتقويم وعدم قبول أي مستوى فني بحجة أن ثورية العمل تكفي».
كذلك يرى عمران أن التجارب التي قدمت «تتراكم وتتطور» منوهاً بـ «أهمية بعضها على مستويي الصورة والفكرة». ويؤكد أن الحديث عن نقاط ضعف وقوة لهذه الأعمال بشكل عام أمر صعب بل «نستطيع تشريح كل عمل بشكل منفصل وتحديد مكامن قوته وضعفه».
تقع بعض الأفلام القصيرة في مشكلة التقاطع مع التقارير الإخبارية، ما يترك أثراً واضحاً على مستوى بنيتها وتماسك الفكرة وطريقة تقديمها. وهنا تفيد حقي بأن «الصفة التسجيلية تغلب على الأفلام القصيرة التي صورت في الفترة الماضية، فيما لا تزال نسبة الأفلام الروائية قليلة جداً لأسباب عدّة على رأسها قلة الإنتاج وضعف الإمكانات». وتشير إلى أن «الصفة التوثيقية غلبت على الأفلام رغبةً في توثيق ما يجري في سورية من عنف استخدمه النظام ضد الثورة». ولكنها، تعتبر أن «بعض الأفلام التقطت لحظات ستكون خالدة في الضمير الإنساني، لا سيما عن معاناة السوريين وآلامهم والأهوال التي شهدوها».
وإلى جانب أفلام المحترفين ظهرت تجارب فنية لناشطين أو حتى لمكاتب إعلامية داخل سورية كالتي أنتجها المكتب الإعلامي لبلدة كفرنبل، ولاقت تجاربها رواجاً لافتاً على اختلاف مستوياتها الفنية. وهنا ينوه عمران بمجموعة الأفلام التي أنتجتها «مجموعة أبو نضارة»، وبفيلمي «طج» لخالد عبد الواحد و«أفق خفيف» لرندا مداح، ويرى أن هناك أيضاً «العديد من الأفلام الضعيفة والسيئة بغض النظر عن نُبل الموضوع أو الفكرة». أما الأعمال التي قدمها ناشطون غير محترفين فيقول عمران إنها «أصبحت أو ستصبح نوعاً في عالم الفيديو، ولا أعتقد أنها ستزول، بل ستبقى من منظور توثيق لنشاط مدني ثوري».
على رغم تفاوت المستوى المقدم، استطاعت تجربة الفيلم القصير أن تترك تأثيراً واضحاً وملموساً لدى المتابعين، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع قاعدة متابعيها، ما يوحي بتراكم يؤسس لعمل فني مستقبلي بخاصة أن معظم المنخرطين في هذا المجال هم من جيل الشاب.
الحياة