“كانتون شنكال” وصراع الإرادات/ هوشنك بروكا
أثار كشف جماعة إيزيدية مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، مؤخراً، في مؤتمر مفاجئ عقد تحت عنوان “الإدارة الذاتية الديمقراطية إرادتنا”، عن تشكيل “مجلس مستقل” لإدارة “مقاطعة شنكال”، ردود أفعال محلية وإقليمية كثيرة. على الرغم من نفي العمال الكردستاني PKK ومنظومة المجتمع الكردستاني KCKعلاقتهما بهذه الخطوة، إلا أنّ مشاركة قيادات ميدانية محسوبة على “دولة قنديل” وحليفتها “السليمانية” هي رسالة سياسية واضحة لداخل كردستان وخارجها، بأنّ الخطوة جاءت بمباركتهما تمهيداً لتأسيس “إدارة ذاتية ديمقراطية” في شنكال، أو “كانتون” على غرار أخواتها في كردستان سوريا. الأمر الذي أثار حفيظة هولير معتبرةً هذه الخطوة “معادية لإرادة الإيزيديين والشعب الكردستاني”.
بعد الثالث من أغسطس 2014 وانسحاب كامل منظومة الدفاع الكردستانية من شنكال بدون قتال، ما أدى إلى احتلالها من قبل داعش وحدوث الجينوسايد ال74 بحسب ما يتناقله الإيزيديون، والذي راح ضحيته حتى الآن، آلاف القتلى وآلاف السبايا والمخطوفين، ناهيك عن تشريد ما يقارب النصف مليون إيزيدي إلى إقليم كردستان وكانتون الجزيرة وتركيا ودول أخرى، بعد ما حصل بشنكال جراء انسحاب كردستان ومنظومتها الدفاعية منها بدون قتال، تغيّرت موازين القوى على الأرض، سواء كردستانياً أو عراقياً أو إقليمياً.
قبل هذا التاريخ، كان هناك بالكاد من يعرف عن الإيزيدي وقضيته في العراق بعامة وكردستان بخاصة، وقلّما وجدنا من يلتفت إلى قضية هذا المكوّن العراقي الأصيل مرّتين، مرّة بإعتباره كردياً أصيلاً، من كردستان إلى كردستان، وأخرى بإعتباره عراقياً أصيلاً، من ميزوبوتامبا إلى ميزوبوتامبا. لكنّ بعد هذا التاريخ أصبحت مأساة الإيزيديين على كلّ لسان وعلى مائدة العالم، بدءاً من البيت الأبيض وصولاً إلى الفاتيكان، مروراً ببروكسل وبرلين. ما يعني أنّ القضية الإيزيدية بخاصة وقضية الأقليات العراقية الأخرى مثل المسيحيين والشبك بعامة، قد خرجت من إطارها الكردستاني والعراقي إلى الإطار الدولي.
بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف مع إعلان شنكال “كانتوناً” على شاكلة الكانتونات الكردية المجاورة على الطرف الآخر من الحدود، في الجزيرة وكوباني وعفرين، وبغض الطرف عن إمكانية تحقيقها من عدمها، إلا أنّ مجرّد الإعلان من طرف كردي واحد، بالشكل الذي حدث، هو سابقة سياسية سيكون لها تبعاتها على مستقبل الإيزيديين في كردستان بخاضة والعراق بعامة. ما يعني أنّ شنكال كقضية قد خرجت عن الحدود.
شنكال ما بعد الثالث من أغسطس 2014 لم تعد شنكال ما قبل هذا التاريخ. عندما نتحدث عن التغيير في شنكال ذات الأغلبية الإيزيدية، فهذا يعني أننا أمام صراع إرادات بين قوتين أو مرجعيتين أو إرادتين كرديّتين مختلفتين: “إرادة قنديل” بزعامة حزب العمال الكردستاني، و”إرادة هولير” بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني.
على الرغم من وقوف هولير بأمر مباشر من رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى جانب قنديل في كوباني لمحاربة داعش، إلا أنّ الوضع في شنكال يختلف تماماً. فشنكال لا تشبه كوباني، وكردستان هناك لا تشبه كردستان ههنا.
هناك في كوباني، نجد “اتحاد إرادات”، بينما هنا في شنكال، نجد على العكس تماماً “صراع إرادات”.
هناك في كوباني، كردستان واحدة، بينما هنا في شنكال كردستان متعددة وكثيرة.
هناك في كوباني، الكردي واحد ضد داعش واحد، بينما هنا في شنكال، الكردي متعدد ضد أكثر من داعش واحد.
هناك، في كوباني، العقل الكردي وحّد البيشمركه والYPG في كردستان واحدة، بينما هنا في شنكال ذات العقل فرّقهم ومزّقهم بين أكثر من كردستان.
هناك، في كوباني، دخل الكرد العالم من بوابة “كردستان الكبرى”، بينما هنا في شنكال، خرج الكرد لا بل انسحبوا من العالم، من البوابة ذاتها وعبر “كردستان الكبرى” ذاتها.
في كوباني تُرفع صور بارزاني مع صور أوجلان، بينما في شنكال تُمحى حروف إسم الأول بحروف إسم الثاني، أو العكس.
والسؤال المحيّر الذي يفرض نفسه ههنا، هو: لماذا وكيف وعلى أية كردستان، اتفق بارزاني وحزبه مع أوجلان وأحزابه في كوباني، لتحارب البيشمركه والYPG في خندق واحد ضد داعش واحد وإرهاب واحد في كوباني، بينما لا نجد في شنكال العقل الكردي الواحد ذاته، والإستراتيجية الكردية الواحدة ذاتها، والإصرار الكردي الواحد ذاته، على محاربة العدو الواحد ذاته، والإرهاب الواحد ذاته؟
أياً يكن الجواب على مستوى الإرادتين المتخاصمتين من كردستان إلى كردستان، فالأكيد أنّ العقل الكردي في شنكال قد سقط، وكردستان سقطت، وأكرادها سقطوا، ما يعني تراجع الهوية القومية عند الإيزيدي رغم أصالته الكردية، أمام هويته الدينية. والأكيد أيضاً، أن شنكال لن تعود إلى حضن كردستان تحت قبضة حزب بارزاني الوحيدة كما كانت، كما لن يصبح الشنكاليون “شعباً تحت الطلب” في “كانتون” تحت قبضة العمال الكردستاني.
والمؤكد أيضاً وأيضاً، أنّ كوباني لن تتكرر كإرادة كردية موحدة في شنكال، والأرجح أن شنكال في طريقها للتحوّل في القادم من كردستان، إلى ساحة تدافع أهلي مرير، أو “معركة كسر عظم” بين هولير وقنديل، ولن يكون الإيزيديون فيها أكثر من “حطب تحت الطلب” لأزمة مفتوحة بين الطرفين.
في “غزوة شنكال” سقط الإيزيديون في هاوية الدين بإعتبارهم “كفاراً أصلاء”، أما في معركة “كانتون شنكال” فسيسقط الإيزيديون في هاوية الهوية بإعتبارهم “أكراداً أصلاء”.
ايلاف