كبوة «الائتلاف» السوري وصحوة المشروع الوطني/ سميرة المسالمة
تناثرت أخبار عن خلافات وانقسامات حادة داخل جسم «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» السورية إثر اتخاذ «الهيئة السياسية» فيه قرارها بإنهاء عضوية كتلة «الأركان» (15 عضواً)، من الهيئة العامة للائتلاف، باعتبار أن هذه الكتلة لا تمثل الكيانات العسكرية الفاعلة، أو لا توجد كيانات عسكرية حقيقية تمثلها، مقرنة ذلك بمطالبتها الفصائل المسلحة الفاعلة في الميدان بانتداب أسماء شخصيات بديلة لتمثيلها في الهيئة العامة.
هذه الخطوة الضرورية، والتي أتت متأخّرة، كشفت عشوائية بنية الائتلاف، وضعف تمثيل الأطراف المكوّنه له، وتثير التساؤل عن أسباب وجود هكذا مكوّن، والأطراف التي دفعت لاحتلاله عضوية الائتلاف، بل وعضوية هيئته السياسية، في المراحل الماضية، على حساب مكونات سياسية أو عسكرية أو مدنية فاعلة. كما يطرح ذلك السؤال عن أسباب تأخر إصدار مثل هذه القرار الصائب، لمدة عامين، وعن الآثار السلبية التي أحاطت وجود هكذا مكونات في الائتلاف، إن على خطاباته، أو على بنيته، أو علاقاته بشعبه وارتهاناته لهذا الطرف الخارجي أو ذاك، فضلاً عن تكلفة ذلك من الأموال التي هدرت، بسبب وجود أعضاء خارج اطار الشرعية الموجبة لوجودهم أو لتفرغهم داخل الائتلاف، بل وتسلمهم مناصب ومهمات غاية في الأهمية.
من تجربتي، كنائب لرئيس الائتلاف، أعتقد أن هذا الكيان تأثّر سلباً بوجود مثل هذه الكتل التي لا تمثل إلا نفسها، ومصالح الأشخاص الذين تتمحور حولهم، بحيث بات الائتلاف بوجودهم مجرد كيان مغلق ومعزول، بدل أن يكون كياناً سياسياً جامعاً، ومفتوحاً لكل السوريين. أيضاً، هذا الوضع يدفع إلى طرح التساؤل عن طبيعة بقية الكتل، ومدى أهليتها التمثيلية والكفاحية، ولا سيما كتلة «المجالس المحلية»، التي تبين أن لا صلة لها بالمجالس المحلية في المناطق السورية، لا سيما مع مطالبة هذه المجالس بتغيير مندوبيها إلى الائتلاف، عبر أكثر من كتاب، في حين تم تجاهل هذه الطلبات لخمسة أعوام متتالية، لحسابات انتخابية ضيقة، وبحكم هيمنة أصحاب هذا المكون على مكونات أخرى في الائتلاف.
هكذا لقي قرار الهيئة السياسية المذكور ارتياحاً مشوباً بالحذر، باعتباره خطوة غير مكتملة، يفترض أن تتبعها إجراءات أخرى تعيد من جديد آلية تركيب بنية الائتلاف على أساس تمثيلي وحقيقي، إذ يأتي معبّراً عن إرادة السوريين أنفسهم. وقد عبرت قطاعات واسعة من المعارضة عن رأيها في عمل الائتلاف وإعادة هيكلته، وبضرورة أن تقترن خطوة انتخاب رياض سيف، المعارض السوري المعروف لرئاسته، بخطوات إصلاحية جادة. وكانت مجموعة «العمل الوطني الديموقراطي» التي أسسها عدد من المعارضين السوريين، ومنهم من كان انسحب من عضوية الائتلاف وقيادته بسبب تردي أحواله وهيمنة فئة معينة عليه، بعثت رسالة عبرت فيها عن تأييدها للخطوات الإصلاحية وطالبت القيادة الجديدة بالاستمرار في هذا المسار لإنقاذ الائتلاف من كبواته العديدة واستعادته المشروع الوطني ليكون حاملاً له كإطار جامع لكل السوريين، يقودهم لتحقيق التغيير السياسي في سورية لاقامة الدولة الديموقراطية المنشودة.
وما ذهبت إليه مجموعة «العمل الوطني الديموقراطي» في رسالتها: «أن ازمة العمل الوطني السوري بلغت حداً يتطلّب تدخلاً واسعاً، وفعالاً، من مختلف الأوساط السورية، التي استبعدت منذ تأسيس المجلس الوطني، ثم الائتلاف، عن أية مشاركة وطنية منظمة وفاعلة، في رسم سياساتهما وممارسة أعمالهما، داخل وطننا وخارجه». وحددت المجموعة عدداً من المطالب لتطوير عمل الائتلاف «قبل أن يواجه مصيراً يشبه مصير ما سبقه من كيانات كالمجلس الوطني» الذي أصبح مجرد اسم غائب عن أي فعل سياسي أو حضور ثوري، ويمكن تلخيصها في الآتي:
أولاً: إعطاء الاولوية في أي عمل لسياسات مركزها وحاملها بناء وضع ذاتي يمكن الثورة من استعادة زمام المبادرة، وإلزام المتصارعين الخارجيين بأهداف وحقوق السوريين. وبديهي أن ذلك يتطلب إعادة هيكلة الائتلاف وتوسيعه وتفعيل دوره، واستعادة خطاباته الأساسية الملتزمة التزاماً مطلقاً ثورة الحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، ليكون حقاً ممثلاً لمعظم السوريين، ولتطلعاتهم، وقيادة لهم، علماً بأن فترة البناء ليست مفتوحة، ومن الضروري أن تفيد من الصراعات والتناقضات، التي حالت دون انفراد أي طرف خارجي أو أكثر بوطننا، أو بحل يستطيع فرضه علينا.
ثانياً: بينت السنوات الماضية أن سياسات وعلاقات وقيادات الائتلاف حالت دون بناء أوضاع تخدم الثورة وتفيد من زخمها الهائل لأن مسار الأعوام الماضية أكد أن الامتناع، لأي سبب، عن تصحيح مسارات العمل الوطني وأولوياته لم ينتج غير نكسات متعاقبة، فلا أقل من اغتنام الفرصة والتعاون بصورة منهجية ودائمة مع جميع الأوساط السورية المؤمنة بثورة الحرية، وبناء وضع ثوري ذاتي يستطيع حشد قدرات الشعب والإفادة منها، ويبلور أطراً ومؤسسات تنظيمية قادرة على تصحيح مسارات العمل الوطني.
ثالثاً: نؤكد ضرورة إخراج أية جماعات أو كيانات لا صفة تمثيلية ولا دور نضالياً لها، وفتح عضوية الائتلاف أمام جميع الشخصيات والكيانات الوطنية والفاعلة، التي تضم كفاءات تتمتع بالتجربة والخبرة، وجرى استبعادها في الفترة الماضية. وندعو أيضاً إلى القضاء على النزعات الشللية والتكتلية، وإعادة النظر في آليات عمل الائتلاف، غير المهنية والتي عفا عليها الزمن، ليشتغل كجسم متكامل الوظائف، وليس كتجمعات أو جماعات مغلقة لا هم لها غير الانتخابات والألاعيب التي تضمن فوزها فيها.
رابعاً: نطالب قيادة الائتلاف ببناء دوائر متخصصة تشرف على أعماله ومؤسساته، بما فيها الحكومة المؤقتة وهيئات الإغاثة والإعلام، والصلات مع الجاليات، وغيرها، وتكليف شخصيات كفوءة ومجربة ونزيهة داخل وخارج سورية بإدارتها، سواء كانت من الائتلاف أم من خارجه.
وختمت المجموعة مطالبها بضرورة دعوة قيادة الائتلاف إلى ترتيب ندوات ولقاءات تمهد لعقد مؤتمر أو لقاء وطني يراجع التجربة الماضية، ويحدد ثغراتها، ويحاسب المسؤولين عنها، وذلك ليتمكن هذا الكيان من استعادة فاعليته ودوره الوطني الذي كاد أن يغيب وسط أخبار الفساد وتخبط خطاباته السياسية وارتهاناته للقوى الخارجية. فهل ينهض الائتلاف بوجود رياض سيف من كبوته الأخيرة لينهض المشروع الوطني؟! هذا هو السؤال الذي تتطلع أوساط المعارضة، والسوريون عموماً، لمعرفة الإجابة عليه.
* إعلامية وكاتبة سورية
الحياة