مراجعات كتب

كتاب – “أدباء من العالم” حياتهم مأساة بوجوه مختلفة تبني مجدهم تولستوي في الثمانين تخلّى عن الدنيا وهرب إلى المجهول/ جوزف باسيل

جمع نجم عبد الكريم بضعة “أدباء من العالم” فكتب عنهم سِيَراً وحكايا وغرائب مأسوية وطرائف. فكانت حياة هؤلاء حكاية الحكايات فاقت بوقائعها وحوادثها ومآسيها ما كتبوه عن ابطال رواياتهم، بل كانوا هم أو حبيباتهم، أبطال أشهر رواياتهم. هي مآس تُبكي من يتماهى المأساة، وطرائف تُضحك من يحب الترفيه، وأخبار ووقائع لمن يحب التسلية والافادة ومعلومات قيّمة لمن يرغب في المعرفة، تُقرأ بتمعن ففيها الكثير من العبر.

يبدأ عبد الكريم كتابه “ادباء من العالم – غرائب مأسوية – سير وحكايات” (394 صفحة، رياض الريس للكتب والنشر) بتشارلز ديكنز الذي كانت رواياته رفيقتنا، مذ كنا صغارا، وهي بمجملها قصص حياته، ومن حوله. كان يذهب الى السجن لتناول فطوره، لأن أمه واخوته التحقوا بأبيه المسجون، بحسب القانون الانكليزي، فصارت الحكومة تطعم الأسرة كلها. تزوج ابنة صاحب الجريدة التي عمل فيها وأحب أختها، ومنع من الزواج بالثالثة بعد طلاق الاولى.

وصلته دعوة الملكة فيكتوريا لزيارتها غداة الليلة التي توفي فيها.

– أوفيد الروماني الداعر، رقّي الى مرتبة لا يستحقها. هذا ما قاله فيه جورج برناردشو، لكن بعيدا من رأيه، فان معاصره فيرجيل كان معجبا بكتاباته ويتمناها لنفسه. رأيان متناقضان في عصرين متباعدين جدا.

أعجب بحفيدة الامبراطور أغسطس وعشيقته في آن، وتزوجها سراً، لكنه حال بينه وبينها.

– “آرثر ميلر وعبادة الشيطان” قصة انفصام الشخصية، أو الحب الذي يقود الى مسّ عقلي.

– بوشكين أنموذج الفكر الذي يأبى الضيم، فتقوده الرجولة والفروسية الى حتفه شاباً.

– “المعتمد بن عباد يقتل صديقه، ثم يبكي عليه” قصة مؤثرة تصف علاقة الملوك المضطربة والمشككة بأقرب المقربين اليهم، بن عباد ملك اشبيليا الشاعر، يقتل ابو بكر بن عمار رفيق صباه وشعره ووزيره الاول، فيفقد صديقا مخلصا وشاعرا عربيا.

– غوستاف فلوبير رائد الواقعية في رائعته “مدام بوفاري”، هو الرومانسي الذي خطا الخطوة الاولى على طريق الادب الواقعي. دفعت الرواية “عدو الكار” لامارتين الى ان يكتب في احدى الصحف، مدافعا عن الكاتب والرواية قائلا: سيكون الكتاب في يوم ما حجر الزاوية في الادب العالمي الحديث.

– “ثلاثة ملامح من حياة دوستويفسكي!” عانى عقدة أوديب، فاقتحم في رواياته أعماق المرأة، في “بيت الموتى” يروي كيف صوبت فرقة الاعدام البنادق اليه ورفاقه، فلم ينطلق الرصاص، واذ بعفو يحمل ويلغى الامر. وأصابه داء الصرع، وعاشه في قصة حب فاشلة. رائعته “الجريمة والعقاب” يستحق العقاب كل من لم يقرأها، لكنه لم يستفد منها بقرش، على رغم ان ملايين النسخ طبعت منها.

–  المازني سخريته حتى من نفسه دفعته الى وضع بيتين يكتبان على شاهد قبره:

أيها الزائر قبري

أتلُ ما خط أمامك

ها هنا فاعلم عظامي

ليتها كانت عظامك

لماذا عبّر المازني عن ندمه على ما كتبه ضد حافظ ابرهيم، لكنه لم يندم على نقده لطه حسين؟

– تولستوي العظيم سبق الماركسية في تطبيق العدالة التي لم يبلغها أي نظام شيوعي او اشتراكي بعده، ومن منطلق ايمانه المسيحي وليس رفضا له، وزع أراضيه على الفلاحين الذين يزرعونها، قائلا: ليس لي حقوق في أرض ولا على الفلاحين الذين يزرعونها.

في الثانية والثمانين ترك كل شيء وراءه وهرب من زوجته وحبيبته صوفيا ناشداً الحرية بعد أربعة واربعين عاما من أسرها واستعبادها المحيطين بها، وهو منهم، خصوصا العبث بخصوصياته والتجسس عليه. وعليه ينطبق قول زهير بن ابي سلمى في مثل سنّه، ببيته المشهور من معلقته الحكمية:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا، لا أبا لك، يسأمِ

قصته طويلة مؤثرة تتضمن تفاصيل يجب ان يطلع القارئ عليها، لأنها تتحدث عن احد أعظم رجالات الادب العالمي. قد لا تكون شهرته الادبية هي التي جعلت الجميع كبارا وصغارا “يقفون على خاطره”، ويسعون الى خدمته فحسب، بل عمله الكبير الذي لم يسبق اليه باستشراف المستقبل المختلف.

– فيرلين ورامبو، اسمان لامعان في الشعر الفرنسي الحديث وفي الرذيلة.

– غوته يضعه الالمان بعد شكسبير او الى جانبه عالميا. رائعته “فاوست” المسرحية العالمية كتبها في الثالثة والسبعين حين هام عشقا بابنة السابعة عشرة. وقبلها روايته “آلام فارتر” التي تخلّد معشوقته شارلوت وهكذا سقط أحد حكماء أوروبا بالضربة القاضية بعدما فقد اتزانه.

–  أرنست همنغواي وحبيبته “ذات الفم الرطب” كتب من أجلها أشهر رواياته “وداعا أيها السلاح”، ثم انتحر من أجلها ايضا بعدما سبقته الى الانتحار في قصرها الزوجي في نابولي.

– لامارتين تعتبر قصيدته البحيرة أشهر قصيدة في الادب الرومانسي كتبها لحبيبته “الفيرا”.

تتنافس الدول الاوروبية على رفع راية شعرائها وأدبائها وتمييز البعض لمنافسة مميّزي الدول الاخرى، الانكليز يفاخرون بشكسبير والالمان بغوته، هل يستحق فيكتور هوغو أن يفاخر به الفرنسيون؟ فقد كتبت الصحف الفرنسية آنذاك: مات أعظم شعراء الدنيا. وهل قبره يحتوي على جثته؟

– دغار ألن بو: حياة مأسوية لعبقري، كتب فيه جورج برناردشو وبرتراند راسل البريطانيان أجمل الكلام.

تخلى عن الهندسة من أجل الشعر، فصار اليتيم ابن الثالثة احد اشهر شعراء اميركا: حياته مأساة وعيشته “عيشة الكلا”. ضحكت له الدنيا حين بنته عائلة تربة، لكن الطبع غلب التطبع فانحاز الى حياة ابيه الحقيقي، بوهيميا سكيرا مقامرا. من احبهم ماتوا تباعا، وكانت خشية من الجنون تلاحقه، الى ان مات ممسوسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى