مراجعات كتب

كتاب -“سوريا: درب الآلام نحو الحرية” يرصد يوميات الثورة عزمي بشارة يحلّل خلفياتها وأبعادها محذراً من انعكاساتها

جوزف باسيل

شكلت الثورة في سوريا امتداداً لثورات تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن، وتشابهت مع ثورة تونس في بعض مفاصل تطورها وصيرورتها قبل ان تتحول الى ثورة مسلحة.

عزمي بشارة في كتابه “سوريا: درب الآلام نحو الحرية” يتتبع يوميات الثورة السورية خلال سنتين، محاولاً استنهاض الماضي من التاريخ الراهن.

يرصد الكتاب الصادر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في 687 صفحة، صيروة الثورة السوية وتحليلها خلال عامين بين آذار 2011 وآذار 2013، محاولاً تجاوز توثيق الراهن الى الفهم. كما حاول اعادة انتاج تطور اعمال الاحتجاج السلمية وبنيتها وتحوّلها الى ثورة وطنية شاملة ضد الاستبداد، مثبتاً فرضية عفوية الثورة ومدنيتها وأصالتها وتجذرها في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السوري.

وبيّن انها جاءت في مجتمع مختلف بنيوياً عن الثورة في تونس او مصر، وفي مواجهة نظام امني لا ينفصل فيه الجيش والأمن عن النظام وعن البنية الاجتماعية للدولة. ولاحظ في الفصول الاولى انه جرت في العقود الاربعة الأخيرة عملية مزدوجة هي دمج البنية الاجتماعية بالأمن وصهر كليهما في جهاز الدولة، ثم عرض في فصول لاحقة العلاقة بين الطائفية والترييف وبنية الجيش السوري واجهزة النظام الامنية مفرّقاً الصحيح عن الاسطوري في ما يقال عن طائفية النظام، أو ما سمّي تداخل البنية الاجتماعية للنظام ببنيته الأمنية.

ويقول عزمي بشارة: “لا نقدر فحسب، بل نعلم أيضاً اننا ازاء ثورة مجتمع شديد التركيب والتعقيد تفجّرت ضد نظام استبدادي قمعي اعتبر حتى فترة وجيزة مستقراً نسبياً وفريداً في نمط حكمه، باعتباره نظاماً سلطوياً رثاً يحاكي الانظمة الشمولية ويقوم على نمط قاس من القمع الامني، وعلى تداخل الامن والسياسة والاقتصاد، مولّداً فساداً منتشراً من القمة الى القاعدة، الفساد في سوريا ليس استثناء يحاربه النظام او يتساهل معه، بل هو القاعدة… انه النظام”.

انطلقت الحركة الاحتجاجية في سوريا بشعارات اصلاحية سياسية وجهتها قوى سياسية معارضة وهيئات مدنية مؤلفة من فئات اجتماعية شابة مغتربة عن ايديولوجية الدولة وثقافتها، وهي تتوق الى التحرر من الدولة الامنية، متأثرة بالاجواء الثورية في المنطقة العربية. لكن الزخم الشعبي للثورة جاء على خلفية اتساع القطاعات الاجتماعية المتضررة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام، وتجاوزت هذه الفئات اول مرة حاجز الخوف الذي يحكم به النظام الامني، لأن الوضع العربي صوّر لها امكانية التغيير هذه المرة. وما ان خرجت هذه القطاعات الاجتماعية احتجاجاً على اوضاعها او تضامناً مع ابناء شعبها الذين تعرضوا للقتل والتنكيل حتى تفجرت مشاعر المذلين المهانين المتراكمة طوال عقود…

ويدحض المقولة الشائعة عن ان الثورة السورية هي ثورة أرياف مهمشة ويبرهن انها بدأت أولاً في المراكز المدينية للاطراف، ثم امتدت الى الأرياف المهمشة في ما بعد، ولعل قراءته للقاعدة الاجتماعية التي استند اليها حزب البعث هي من أعمق القراءات في هذا الحقل المعرفي فتناول عملية الترييف ونتاجها الليبرالية الاقتصادية. “ما أدى في ما بعد الى انقلاب هذه القاعدة على البعث نفسه، وصعدت جراء ذلك فئة “الذئاب الشابة”، واستقر “نظام التشبيح والتشليح”.

تتبع الكتاب دينامية تطور الانتفاضة الشعبية، ثم عملية تحول الانتفاضات المحلية الى ثورة مدنية، وعملية تحول الثورة المدنية الى الدفاع الاهلي عن النفس على المستوى المحلي، ثم الى ثورة مسلحة. ويقول بشارة: “كان الخيار المسلح خيار النظام وليس خيار الثورة. فلم تكن هناك اصلا ثورة منظمة ذات قيادة مركزية تفكر في البدائل وتضع الخيارات، بل ردود فعل عفوية ضد النظام من شعب حرق جسور العودة الى الماضي… وتصاعدت ردود الفعل واتخذت اشكالا تنظيمية وواجهات سياسية تخشى النتائج وتحذّر من السلاح واخرى لا ترى بديلا منه، وثالثة تزايد في الدفع لاستخدامه. اما النظام فخطط خياره الامني بوعي كامل، وخاضه حتى النهاية متحالفا مع ايران وادواتها ومع روسيا”.

ولا بد من مراجعة لحكم الرئيس السوري بشار الاسد خلال عشر سنين، حيث بدأت ارهاصات الاحتجاجات تتبرعم. وينتقل الى الشرارة في مدينة درعا، التي امتدت سلميا الى بقية المناطق، ويروي وقائعها ويحلل نتائجها في كل مدينة مثل حلب وحماة ودمشق والرقة ودير الزور وادلب وحمص.

ويتصدى لدرس استراتيجية النظام السوري وخطابه، ويكشف وسائل الاستبداد والمجازر والخطف ومآرب الطائفية والعنف الجهادي، ثم يعرض للحراك السياسي لدى المعارضة والفاعلين الجدد (التنسيقيات) والمبادرات الدولية لحل المشكلة السورية.

يؤرخ الكتاب تمدد الثورة مدنيا، واكتساحها المناطق بعد تسلحها، متطرقا الى استراتيجية قمع الثورة وتوليد انماط عنف سياسي “غير مألوفة”، ومنها ما بدأ باعتبارها حالات اهلية من الدفاع عن النفس اتخذت لاحقا اشكال عنف مسلح ثوري وجه في معظمه ضد قوات امن النظام والجيش السوري واتخذ بعضه شكل “الجرائم الطائفية”. وعرض جذور المظاهر الطائفية في النظام وفي الثورة، وأخيرا العوامل الجيواستراتيجية ومواقف الدولة المختلفة المؤثرة في مسارها.

الثورة لم تنته، والكتاب على اهمية ما جمعه عن الثورة ويومياتها وخلفياتها وتوقعاتها لم يستنفد كل ما يتعلق بها، ما يجعله مقدمة لكتب لاحقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى