كره السوريين بوصفه بحبوحة/ روجيه عوطة
ثمة مسألة بينها برنامج “قدح وجم” في فقرته العنصرية. مسألة ليس البرنامج سباقاً فيها، بل صارت، وبفعل ركاكته القذرة، واضحة عبره. فالتلفزيون، مجسداً بقناة “الجديد”، وبموظفها شربل خليل، يدعونا إلى الترفيه عن أنفسنا بكره السوريين. وبالفعل، هذه المسألة عادت وظهرت بطريقة أخرى من خلال تلك اليافطات ضد “السوري” التي جرى تعليقها في الأشرفية، إذ تندرج في سياق الحض على الإنتخاب، وبالتالي، في سياق الدعوة إلى المشاركة في إستحقاق الصناديق، الذي لا داعي للقول أنه طقس ترفيهي أيضاً.
في المحصلة، هناك دعوة عامة موجهة إلينا، جميعنا، وهي أن نجعل من كرهنا للسوريين فترة لراحتنا. فالبرنامج، ومعه غالبية البرامج في الشاشة الصغيرة أو شاشات الشارع، يعلن أن كره السوريين هو شكل من أشكال التأكيد على الإنتماء إلى عصب وطني. بل إنه، أولياً، شكل من أشكال التحلي بالرفاهة: نكره السوريين كي نترفه، وبالتالي، يغدو كرهنا لهم دليلاً على رفاهتنا، وفي النتيجة، كلما كرهناهم أكثر، كلما انغمسنا في تلك الرفاهة. هكذا، تستوي المعادلة على كون مزاولة ذلك الكره هي مزاولة للرغد والهناء في العيش، لدرجة أن المخيلة، وسط كتابة هذه السطور، قد تحيل إلى مشهد يصلح أن يكون فاتحة فيلم رعب، درجة ثالثة تحديداً، حيث يتحدث شخص مع غيره مستفهماً منه عما سيفعل خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيخبره بأنه سيمضيه مع عدد من أصحابه في كره السوريين.
“في أي وقت تكرهون السوريين، تكونون في وقت من الإسترخاء”، يقول التلفزيون، إعلامياً أو سياسياً أو غير ذلك. ونحن، يتوجب علينا أن نصدق ونغتبط. فنعود من أشغالنا، ونرمي حقائبنا على الكنبات، ونحضر طعامنا، ونجلس أمام الشاشات، ونرتاح إلى معروضها، أي إلى كره السوريين، لنضحك.
يا لها من تعاسة في أن نكون على هذا النحو، في أن يكون كرهنا للسوريين إشارة إلى إنتهاء دوام العمل، وفي أن يكون كرهنا لهم علامة على انتقالنا إلى وقت لا ننتج في أثنائه. يا لها من تعاسة في اعتقادنا أن تغيبنا عن ذلك الكره إياه، يعني أننا ما زلنا بعيدين عن البحبوحة، أننا في حال لم نمارسه ولم نواظب عليه، ولن نقدر على الحسم في كوننا نتسلى أم لا.
أن نترفه بكره السوريين، فهذا، باختصار، ليس سوى أثر من آثار كرهنا لأنفسنا، قبل هذا الترفيه وبعده وخلاله. فلا مغالاة في الإعتبار أن الترفيه بهذه الطريقة، دليل على وجودنا في الحضيض، حيث نجتمع لأجَل واحد، وبسبب واحد، وهو الكره لغيرنا لأنه نبّهنا إلى حضيضنا. مؤلم الإستنتاج أن الرابط، الذي يجمعنا كلنا، هو الكره فقط، والذي، ولمّا نشيده، نقدم على ذلك لنتواصل، وبالفعل نفسه، لنترفه. الترفيه يساوي التواصل، والإثنان يساويان الكره.
من هنا، قفزة من كره السوريين إلى التصدي له، بحيث إنه، وهو أيضاً، يتجه، وبفعل الشاشات إياها، أكانت تلفزيونية أم لا، نحو التحول إلى ضرب من ضروب الترفيه، بعبارة أخرى: نكافح العنصرية لكي نترفه. أول علامات هذا التحول، هو جعل مواجهة العنصرية مجرد موقف لا يتضمن مشروعاً يكون على دراية بها، وبما تنم عنه، وبما تيسره، وبما تسيله أيضاً. للعنصرية مشروعها في البلاد، مشروعها المتداعي والدنيء. لكنه مشروعها الذي يجد لها دوراً، كرباط الاجتماع مثلاً، بعدما غيّرها سبيلاً إلى الترفيه. أما مواجهتها، ومواجهة الكره، فمن دون مشروع. ولهذا بالذات، قد يحصل وتأخذ مكان موضوعها، أي أن تحضر مواجهة الكره بدلاً من الكره كحالة أو بالأحرى كأمر ترفيهي. كل هذا، تسجله شريحة بعينها، وهي شبيبة الطبقة الوسطى. أي، بمعنى ما، بروليتاريا الطبقة الوسطى، التي وببلادة رد الفعل وحماقته، تتأرجح بين الكره ورفضه. فقد يعودون إلى الأول بعد وقت من الثاني، كدليل على أنهم بدلوا موضوع ترفيههم، وها هم “يتحررون” منه. الكره كترفيه، هكذا تريده سلطاته. لكن مواجهته لا يجب أن تقع في الفخ نفسه.
المدن