كلام في الحرية/ مازن كم الماز
رأى الكاتب جورج أورويل أن الحرية هي الحق في أن تقول للناس ما لا يرغبون بسماعه، وفي جدالها مع لينين أصرت روزا لوكسمبورغ على أن الحرية هي دائما وحصريا حرية من يفكر بصورة مختلفة.. ألا تختصر هذه الرؤية الحرية وتقزمها في حرية أقلية محدودة جدا ربما من البشر المختلفين، حريتهم في إزعاج الآخرين فقط. كان جورج أورويل ملحا لدرجة الإزعاج في محاولته كسر المسلمات السائدة السهلة والمريحة، خاصة أكثرها تماسكا، أي عن أنفسنا. ‘للحقيقة’ أعداء غير قليلين، على رأسهم السلطة، لكن كل ما هو سائد، جامد وفوقي، هو أيضا عدو ‘للحقيقة’. الرأي العام نفسه هو أحد أهم مصادر الإكراه والقسر، يقول أورويل انه عندما يحكم البشر قانون ‘يجب ألا تفعل’ فإنهم يعيشون في كل لحظة تحت الضغط الدائم ليتصرفوا تماما كالآخرين.. ليس غريبا إذن أن نجد أورويل قد اعتبر يومها أن نقد روسيا السوفييتية وستالين، هو اختبار حقيقي لصدق المثقف وإخلاصه، لا بد أن نذكر أن هذا الكلام قد قيل قبل عقود طويلة. الروائي الفرنسي البير كامو، كعادته، دفع الفكرة أبعد، ‘أنا أتمرد إذن أنا موجود’، الإنسان هو الكائن الوحيد على هذه الأرض الذي يرفض ما هو عليه. ويلاحظ كامو أيضا كما لاحظ أورويل من قبل، أن نماذج التفكير التي زعمت قيادة عالمنا باسم الثورة والتحرر أصبحت في الواقع إيديولوجيات للتماثل والتطابق وليس للاختلاف، للقمع وليس للتحرر. يقول الفيلسوف نيتشه أنه لا توجد حقائق، هناك فقط تفسيرات، ويقول باكونين انه لا توجد نظرية أو كتاب، كتب من قبل أو سيكتب، قادر على إنقاذ البشرية، ويقول كامو ان هناك الكثير من الأفكار للموت في سبيلها، لكن لا توجد أفكار تستحق القتل في سبيلها.
بكلمة، وراء كل حقيقة مطلقة توجد سلطة غاشمة، استبداد ما.. مع ذلك ليست القضية فقط في التشديد على نسبية ‘الحقيقة’ وعبثية فرضها على الآخرين بالقوة أو بالإكراه، بل أولا وقبل أي شيء في القدرة على قول ما يخالف هوى السلطة أو الرأي السائد، قد يبدو الموضوع مجرد مناكفة، وقد يكون هذا صحيحا بالفعل، لكن هذه المناكفة في ذاتها هي الطريق الأطول، الأكثر إيلاما، لكن الوحيد، إلى ‘الحقيقة’.. يقول فيلهلم رايتش ان ‘حق الإنسان في أن يعرف، في أن يتعلم، أن يبحث وأن يرتكب أخطاء ‘صـــادقة’، يجب أن يبقى مصانا بكل الوســــائل، إذا كان لكلمة الحرية أن تكون شيئا أكثر من مجرد شعار سياسي فارغ’.
‘ كاتب سوري
القدس العربي