صفحات العالم

كلفة غسل يد الأردن من نظام بشار الأسد؟؟؟


رنا الصباغ

عمان – بعد شهور على أتباع سياسة “سكّن تسلم” مع سورية ومحاولة عقلنة مواقف الرئيس السوري تجاه مطالب المحتجين، قرّرت عمان غسل يديها من بشار الأسد والانخراط العلني في الجهد الأمريكي-التركي-القطري لتكثيف الضغط سياسيا واقتصاديا بهدف إزاحة النظام.

التحول الدراماتيكي حيال قضية ساخنة قسّمت الشارع وأججت المخاوف من تكاليف التورط في هكذا مخططات في زمن انقلاب التوازنات الاقليمية بعد غزو أمريكا للعراق، جاء بعد شهور على إصرار الملك عبد الله الثاني في لقاءاته المغلقة على أن الأسد ما يزال يمتلك فرصة الخروج من الأزمة عبر تطبيق إصلاحات سياسية، معاقبة مسؤولين سالت الدماء على أيديهم وإرجاع الجيش إلى الثكنات.

فما الذي حرّك الملك، ليبق الحقيقة المرة.

لا بد وأنه لمس عمق التوافق الدولي والخليجي على أن جميع الجهود الدبلوماسية مع الأسد لحلحلة الأزمة وصلت الى طريق مسدودة وأن سيناريو التدخل العسكري بشكل كامل أو على مراحل بات عنوان المرحلة المقبلة، ما يتطلب التعايش مع أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها اندلاع حرب أهلية في بلد متعدد الاثنيات والطوائف. وبالتأكيد تولدت قناعات بحتمية مشاركة الإسلاميين – المضطهدين هناك منذ أربعة عقود- في أي نظام سوري جديد.

لا تريد عمّان خسارة تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة أو محاولة الأنضمام لمجلس التعاون الخليجي، رافعة ضرورية لتعويض فقدان نظام الرئيس حسني مبارك، راع ما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي الذي ذهب ضحية الربيع العربي.

اختار الملك الإعلان عن التحول في الموقف الأردني تجاه الأزمة السورية خلال لقاءاته بوسائل إعلام بريطانية على هامش زيارة عمل إلى لندن قبل أيام، بينما كان وزير الخارجية ناصر جوده يجول في عواصم عربية للمشاركة في اجتماعات استكمالية لقرار الجامعة العربية الأخير بتعليق عضوية سورية في هياكلها.

قال الملك في مقابلة تلفزيونية إنه لو كان مكان الأسد لتنحّى بعد ان يرتب أمور المرحلة الانتقالية حتى يخلّص بلاده. وتحدث في مقابلة لاحقة مع صحيفة التايمز عن جهود وزير الخارجية.

وفجّر قنبلة ثانية عندما أعلن، بخلاف نفي أعضاء الحكومة لشهور، بأن الترتيبات اللوجستية جارية لاستقبال آلاف “اللاجئين” السوريين المفترضين ضمن خطة من الالف للياء للتعامل مع تداعيات الأزمة المفتوحة. تلك التصريحات رفعت منسوب القلق الشعبي، وعمقت السجال الحزبي والسياسي بين التيار الإسلامي الذي يطالب عمان بالاعتراف بالمجلس الوطني ممثلا للشعب السوري وأحزاب يسارية وشخصيات وطنية تقف ضد قرارات جامعة الدول العربية و”التآمر” على سورية.

وفي ذلك فرصة لتخفيف الحراك الاسلامي الداخلي المطالب بإصلاح النظام.

لكن بدأ العد التنازلي الدولي ضد نظام الأسد ضمن حملة مدعومة من أمريكا ومجلس التعاون الخليجي.

والهدف الرئيسي يبدو إسقاط النظام السوري الذي يتصدّى للسياسات الأمريكية في المنطقة، المتحالف مع إيران والداعم للمقاومة الفلسطينية، اللبنانية والعراقية.

اليوم تجد عمان نفسها في وضع يحاكي بدء الاستعدادات الدولية لشن الحرب التي أزاحت صدام حسين عام 2003، بقيادة واشنطن ولندن.

فما هي قائمة المطالب من عمان في ذلك الوقت. لدعم الحملة العسكرية على العراق، أضطرت عمان لتقديم دعم لوجستي للأعمال العسكرية. جهّزت خيم في المناطق الحدودية لاستقبال الهاربين بالتعاون مع الأمم المتحدة. جمّدت حسابات الحكومة العراقية. وفي لوقت ذاته واصلت إطلاق تحذيراتها للغرب من أن سقوط نظام صدام سيفتح الباب أمام تغلغل إيران في العراق، سورية، لبنان وفلسطين؛ وهو ما حدث لاحقا.

كلفة الانخراط السابق كانت باهظة على الأردن.

وكلفة التدخل في سورية ستكون أكثر في زمن المتغيرات العربية والدولية منذ هبوب رياح الربيع العربي، التي أجبرت واشنطن على التعامل مع أعداء الأمس بعد ان كان محور الاعتدال العربي شريك واشنطن الوحيد. وبعد أن كانت تفضل استقرار الانظمة ومحاربة الإرهاب على حساب دعم مطالب الإصلاح السياسي. انخرطت واشنطن بسرعة في بناء تحالفات جديدة مع العسكر وشبكة الإسلام السياسي المتمثل بالاخوان المسلمين والتي صعدت على أكتاف الثورات العربية، وأيضا مع أنظمة عربية مستعدة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد لحماية مصالح أمريكا وإسرائيل.

لكن الأمل في أن يكون صانع القرار قد فكّر مليا قبل الإعلان عن موقف الأردن الجديد.

فلا مصلحة للأردن في الاستجابة للضغوط الأمريكية والخليجية للتورط في الشأن السوري، أقلّه لأن المملكة قد تكون التالية على القائمة، وتدفع ثمن حل القضية الفلسطينية المعلّقة لتحقيق المشروع الجديد. ثم هل ستقبل عمان بإقامة منطقة عازلة جنوب سورية لحماية المدنيين أو فرض حظر جوي أسوة بما ستقبل به تركيا؟

ما سيحدث في سورية سيخلق تداعيات سياسية واستراتيجية تفوق بأضعاف مع عايشته عمان بعد إزالة نظام صدام وتنحي الرئيس حسني مبارك قبل شهور.

فسورية باتت العمق العربي الاستراتيجي الأخير للأردن، الذي يرزح تحت ازمة اقتصادية ووضع داخلي محتقن مع انسداد أفق إقامة دولة فلسطينية مستقلة غربي النهر وتنامي التصريحات العدائية الإسرائيلية تجاه عمان.

فهناك حدود مشتركة، ملفات أمنية معقدة، مصالح مائية، تجارية واقتصادية حيوية، تداخل العلاقات الاجتماعية والعشائرية بحكم الجغرافية والتاريخ. وثمّة هواجس من دخول الإسلاميين في نظام الحكم الجديد في سورية وإمكانية قيام الأجهزة الأمنية السورية بتدبير أعمال انتقامية تستهدف أمن الأردن واستقراره او مصالح في الخارج.

في الأثناء يستمر انخراط الأردن في الجهد الدولي ضد نظام الأسد دون معرفة أعضاء الحكومة بالتفاصيل.

يوم الجمعة شارك الأردن ودول عربية أخرى بما فيها السعودية، قطر، الإمارات والكويت في اجتماع باريسي من أجل مشروع قرار حول سورية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول مسألة انتهاك النظام السوري لحقوق الإنسان.

الاجتماع، بحسب دبلوماسيين، مهم لأنه يظهر أن الأسرة الدولية ستبقي على تعبئة كاملة إزاء ممارسات نظام الأسد على رغم الفيتو المزدوج المحتمل من روسيا والصين في مجلس الأمن على قرار عقوبات أو إدانة.

بالتزامن أعلن وزير الخارجية ناصر جودة أن الأردن مستعد للمشاركة في فريق مراقبين عرب تعتزم الجامعة العربية إرساله إلى سورية، في حال موافقة دمشق على ذلك، مشددا على ضرورة أن يكون هذا الأمر في إطار الجامعة العربية.

قبل أيام زار الأردن مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون تمويل الإرهاب دانيل غلاسير وحث النظام المصرفي الأردني على منع أي محاولات من الحكومة السورية للتحايل على العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها منذ نيسان/ إبريل.

ونبّه غلاسير إلى أن النظام السوري قد يحاول الإفلات من العقوبات من خلال استغلال تقارب الحدود وعلاقاته التجارية مع الأردن، وكذلك من خلال القطاع المصرفي. طلب من الأردنيين التفكير بمصالحهم وعلاقاتهم التجارية مع الولايات المتحدة في حال رفضوا الانصياع للقرار. من جهتهم أصر محاوروه على أن الأردن لا يمكنه فرض أي عقوبات اقتصادية على سورية أو تجميد أمواله وأرصدته هنا إلا إذا صدر قرار أممي عن مجلس الأمن يلزم الدول الأعضاء بذلك.

في غمرة هذه التطورات المتسارعة يأمل ساسة وحزبيون في أن يكون الأردن قد تعلم من تجربته السابقة في دعم إزاحة نظام صدام ولو على مضض.

فوقوف الأردن إلى جانب أمريكا في الحرب على العراق ترك آثارا اقتصادية وسياسية سلبية على المديين المتوسط والطويل.

ذلك أنه باستثناء تغاضي واشنطن عن عمليات تهريب نفط عراقي عبر الأردن، لم تدخل عوائدها في حساب الخزينة، وغض الطرف عن التصرف بالأموال العراقية الرسمية المجمدة وإرسال معونات استثنائية وصلت 900 مليون دولار سنة 2003، فإن الأردن فشل في جني ثمار موقفه في العراق الجديد.

العلاقات السياسية مع حكومة نوري المالكي الموالية لأيران ما تزال باردة لليوم. وها هي واشنطن تحزم حقائب قواتها العسكرية لمغادرة العراق تاركه بلاد الرافدين في عهدة إيران.

فقد الأردن حصرية التصدير للسوق العراقية، وأجبر على دفع تكاليف توفير الخدمات التعليمية والصحية لعشرات الآلاف من العراقيين الذين هربوا إلى الأردن قبل وبعد الحرب. خسر إمدادات النفط بأسعار تشجيعية وانفتح الباب أمام عمليات القاعدة الثأرية ضد المصالح الأردنية في العراق وضد أهداف أردنية في عمان. وثمة مخاوف من احتمالية أن يساند الحرس الثوري الإيراني المخابرات العسكرية السورية في تنفيذ عمليات انتقامية ضد الأردن، وكل من سيحاول الإطاحة بالحليف السوري.

فهل يحشر الأردن نفسه في زاوية جديدة بخيارات محدودة سيكون مردودها ضئيلا بالنسبة لحجم المخاطر المتلبدة، بخاصة وأن عمّان تقف اليوم على مفترق طرق داخليا وخارجيا.

العرب اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى