كلمة السّر التي افتقدها النظام السوري
خير الله خير الله
ما أدى الى الثورات العربية والى الربيع العربي، المتوقع ان يطول أكثر بكثير مما هو متوقّع، وضع لم يعد في استطاعة اي شعب من الشعوب المعنية تحمّله. ما ادّى الى الربيع العربي وجود انظمة من نوع النظام الذي كان في تونس او في مصر او في ليبيا او في سورية، وحتى في اليمن، التي تميّزت عن الدول الاخرى بقبول الرئيس علي عبدالله صالح التنحي بموجب صفقة معينة نفّذ، اقلّه الى الآن، الجانب الذي يخصّه منها.
لماذا لم يصل الربيع العربي الى الاردن والمغرب، على الرغم من التظاهرات الكبيرة التي شهدتها البلدان؟ الجواب انه وصل الى المملكتين، لكنه توقّف عند حدود معيّنة. ذلك عائد الى وجود نظامين على علاقة مباشرة ويومية مع الشعبين في البلدين.
في المغرب، ادرك الملك محمّد السادس باكرا الحاجة الى الاصلاحات ووضع القوى والاحزاب السياسية امام مسؤولياتها واصرّ على اجراء الانتخابات بعد ادخال تعديلات واسعة على الدستور كانت موضع استفتاء شعبي. تعهّد الملك تكليف زعيم الحزب الذي يحصل على اكبر عدد من المقاعد تشكيل الحكومة. لم يتوقف عند هوية زعيم الحزب وما اذا كان اسلاميا ام لا. دعاه الى تولي مسؤولياته والمساهمة في حلّ المشاكل التي يشكو منها المواطن العادي. عاجلا ام آجلا، سيحاسب الناس رئيس الحكومة والوزراء المعنيين… عن طريق صناديق الاقتراع بديلا من الفوضى والضياع.
في الاردن، اكّد الملك عبدالله الثاني تمسّكه بالاصلاحات وباجراء التعديلات الدستورية المطلوبة وتشكيل الهيئات التي تشرف على الانتخابات. هناك اصرار على الانتخابات قبل نهاية السنة الحالية. ليس المطلوب انتخابات من اجل الانتخابات، بمقدار ما ان المطلوب السعي الى حياة حزبية منتظمة تكون فيها حكومة تمثّل الاكثرية ومعارضة فاعلة تحاسب الحكومة بشكل عملي وعلمي في الوقت ذاته بعيدا عن المزايدات والفوضى والعشوائية.
عندما تلكّأت حكومة السيد عون الخصاونة في تأدية المطلوب منها في مجال الاعداد للانتخابات، اخذ العاهل الاردني المبادرة وكلّف الدكتور فايز الطراونة تشكيل حكومة تتولى الاعداد للانتخابات وتهيئ الارض لمزيد من الاصلاحات على كل الصعد في ظروف اقتصادية بالغة التعقيد والصعوبة.
لم ينفجر الوضع لا في المغرب ولا في الاردن، على الرغم من محاولة بعض التنظيمات المتطرفة الاصطياد في الماء العكر بتوجيه من جهات اجنبية تعتقد ان الاستثمار في الاضطرابات في الاردن او غيرها من الدول سيجعل الانظار تحيد عن الوضع السوري.
كلّ ما في الامر ان هناك قيادات عربية متصالحة مع شعوبها. ولذلك، تبدو كلّ المحاولات التي تبذلها عناصر متطرفة مثل جماعة الاخوان في دولة الامارات خارجة عن السياق الطبيعي لتطور الامور في تلك الدولة. من تصدى للاخوان المسلمين في الامارات لم يكن اجهزة الدولة، بل المواطن العادي المتمسك بمؤسسات الدولة والذي يدرك ان الكلام الفارغ عن الاصلاحات الذي يتشدّق به بعضهم، كلام حقّ يراد به باطل لا اكثر. كلمة السر في دول عربية عدة، ولدى بعض العرب الذين ينتمون الى العصر هي التصالح مع الشعب ولا شيء آخر غير ذلك.
لو كان زين العابدين بن علي متصالحا مع شعبه، لما وصل الى ما وصل اليه. ولو كان حسني مبارك متصالحا مع شعبه، لما كان «الاخوان المسلمين» استطاعوا التوصل الى صفقة مع المؤسسة العسكرية انتهت باضطرار الرئيس المصري الى التنحي والذهاب الى شرم الشيخ ومن هناك الى السجن. لم يجد حسني مبارك من يدافع عنه وعن عائلته نظرا الى انه كان يعيش في برج عاجي جعله عاجزا عن فهم المزاج الشعبي من جهة وما تضمره المؤسسة العسكرية المعترضة على التوريث من جهة اخرى.
كان معمّر القذافي اسير برجه العاجي اوّلا واعتقاده انه ألغى الليبيين ثانيا وأخيرا، وذلك عندما اخترع شيئا اسمه «الجماهيرية». فقدََ اي علاقة بالشعب باستثناء الرغبة في اذلاله وافقاره كي يكون تحت رحمته في كل ساعة. ولذلك انتهى بالطريقة التي انتهى بها.
لو كان الشعب الليبي متصالحا مع القذّافي وجماهيريته فعلا، لما كان في استطاعة قوة على الارض اقتلاعه، بما في ذلك كلّ طائرات دول حلف شمال الاطلسي. ولكن ما العمل عندما يكون الشعب في طليعة المعترضين على الحاكم؟
ما نشهده اليوم في سورية يشبه الى حدّ كبير ما شهدناه في ليبيا. الفارق ان لا رغبة لدى دول الغرب في التدخل. هناك اصرار على ترك سورية تتفتت من الداخل. لن تكون هناك حاجة الى تدخل خارجي كي يسقط النظام في مرحلة ما، ما دام الشعب يقف في اكثريته الساحقة ضد الحاكم ونظامه المريض.
ما يفترض بالنظام السوري استيعابه اليوم قبل غد انه لا يمتلك كلمة السرّ الموجودة لدى بعض العرب الواعين، كما لا يمتلك ايّ شرعية من اي نوع كان وان وقت التوصل الى تسوية على الطريقة اليمنية فات اوانه منذ فترة طويلة. فكلمة السرّ التي يعرفها معظم حكام دول الخليج العربي، اضافة الى عاهلي المغرب والاردن، ليست موجودة في قاموس النظام السوري حيث فشل الرئيس بشّار الاسد في ان يكون متصالحا مع شعبه في يوم من الايّام. كلّ ما يستطيع فعله الآن هو البحث عن صيغة تضمن له ملجأ آمنا مع افراد عائلته… هذا اذا كان يودّ الاستفادة من تجربة تونس او مصر او ليبيا او اليمن حتّى. البديل من ذلك تأكيد لمقولة تتحوّل يوميا الى حقيقة راسخة، فحواها ان أزمة سورية ليست أزمة نظام فحسب، بل كانت دائما ازمة كيان ايضا…
* “الراي” الكويتية