‘كلّما أمعنت النّظر في الثقافة العربيّة تأكّد لي قيمة وأهمية ما ورثناه عن الوجود الإسلامي في الأندلس’
جائزة ‘فورمينتور’ الدّوليّة في الآداب لعام 2012 للكاتب الإسباني خوان غويتيسولو:
غرناطة – من محمّد محمّد الخطّابي: أقيم في جزيرة مايورقة الإسبانية بتاريخ 8 ايلول/سبتمبر الجاري (2012) حفل استلام الكاتب الإسباني الكطلاني الذائع الصّيت خوان غويتيسولو جائزة ‘فورمينتور’ الدولية الأدبية لعام 2012.
بعد فوزه بهذا التكريم (تحمل هذه الجائزة إسم جزيرة في البليار)، والكاتب غويتيسولو يقيم في مدينة مرّاكش، وهو معروف بإعجابه بالحضارة العربية والثقافة الإسلامية، وبمواقفه الجريئة المتعاطفة مع القضايا العربية، سواء في كتاباته أو إبداعاته الأدبية والروائية، أومداخلاته المختلفة في العديد من المناسبات .
وجائزة ‘فورمينتور’ العالمية الأدبية أسّست عام 1961 ثمّ توقّفت 1967 من القرن الماضي، وعادت لتنظّم من جديد عام 2011 تحت إشراف دار النشر الإسبانية الشهيرة ‘س. بارّال’ وأرباب فندق فورمينتور بمايورقة، وتبلغ قيمة الجائزة المادية 50.000 أورون ، اضافة الى مجسّم من البرونز في شكل ثمرة شجر الصّنوبر الموجود في جزيرة مايورقة. وقد منحت هذه الجائزة في مرحلتها الأولى لكل من الكتّاب والكاتبات: الإسباني خوان غارسيا أورتيلانو، والإيطالية داسيا مارايني (1962)، والإسباني خورخي سيمبرون(1963)، والألمانية جيزيلا إلسنير (1964)، والأمريكي ستيفن شنيك (1965). كما منحت الجائزة على الصعيد الدّولي للعديد من الأدباء العالميين أمثال الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، والإيرلندي صمويل بيكيت، والفرنسية ناتالي سارّوت وآخرين.
فورمينتور جزيرة الحريّة
وأبدى الكاتب خوان غويتيسولوعند استلامه هذه الجائزة تأثّرا بليغا لثلاثة أسباب أوّلها مشاركته عام 1959 فى الفريق الأدبي الذي كان يرأسه كارلوس بارّال، وكاميلو خوسيه سيلا حيث انطلقت المباحثات الأدبية لفورمينتور ومسألة تنظيم المسابقات الأدبية لهذه المؤسّسة، والسّبب الثاني هو أن رئيس لجنة التحكيم الذي منحه هذا التكريم لهذه السنة كان هو صديقه الأثير الرّاحل كارلوس فوينتيس، المتوفّى في 15 مايو المنصرم، (أنظر مراسلتي لـ’القدس العربي’ تحت عنوان’ وداعا كارلوس فوينتس.. غابت شمس المكسيك السادسة’ العدد7129 بتاريخ 17 مايو(أيار) 2012). والسّبب الثالث هو استلامه لهذه الجائزة صحبة بعض أصدقائه المقرّبين مثل فلورانس مالرو، وجان دانييل، وجوان تارّيدا (ناشر كتبه) وألين شولمان (مترجمة أعماله إلى اللغة الفرنسية).
قال غويتيسولو بهذه المناسبة: ‘أنا لا أبحث عن الجوائز، فإذا منحوني إيّاها فأهلا، وإذا لم يفعلوا ذلك فلا بأس، إلاّ انّ جائزة ‘فورمينتور’هي شيء خاص ولطيف، وذلك أخذا بعين الاعتبار لما كانت هذه الجائزة تعني بالنسبة لي في الماضي، ويبدو لي أنّه أمر جيّد كونهم أعادوا بعث هذه الجائزة من جديد ‘.
منذ سنتين وبدعم من عائلة بارسيلو (أرباب فندق فورمينتور حيث تنظّم اللقاءات الأدبية والجوائز) تقرّر استرجاع عام 2011(بعد انصرام 50 سنة على المرحلة الأولى لهذه الجائزة) التي كانت في العام الفارط من نصيب كارلوس فوينتيس. ومنحت هذه السّنة(2012) للكاتب خوان غويتيسولو نظرا لإسهامه الوافر في إثراءالساحة الأدبية في العالم الناطق باللغة الإسبانية بأعماله الإبداعية الخصبة في حقل الرواية على وجه الخصوص.
وقال غويتيسولو عن المؤسسة التي تشرف على تنظيم هذه الجائزة الأدبية أنها كانت بمثابة هواء منعش تشبه ريح الصّبا التي كانت تبدّد ذاك الهواء الراكد الذي لا يمكن استنشاقه في ذلك الوقت في إسبانيا، حيث كانت فورمينتور جزيرة للحريّة، لقد كانت اجتماعات الكتّاب والأدباء في ذلك الإبّان من الأهمية بمكان ممّا فسّر اهتمام وتتبّع رجال الأمن الإسباني لهذه التجمّعات، ولقد أخبرت أنهم طلبوا من عاملات النظافة أن يجمعن كل الاوراق التي كانت تترك هناك، لقد كنّا في عرفهم شيوعييّن خطرين’. وقال غويتيسولو ‘إنّه في الدورة المقبلة سيكون رئيس لجنة التحكيم لهذه المسابقة وهو يرجو أن يتقدّم للتباري لهذه الجائزة مرشّحون ذوو جودة أدبية عالية’. وأضاف أنه قد هجر كتابة الرواية إلى الأبد، وأنّه لم يعد لديه ما يقوله في هذا المجال، وانّه من الخير أن يصمت، فهولا يكتب لكسب المال أو بطلب من الناشرين، وهوعند هجره للرواية صارت الأشعار تنثال عليه، وتمرّ برأسه وكانّها أسراب من طيور اللقالق التي تركت له تلك القصائد التسع التي ستنشر قريبا ضمن ديوان’.
وقال الكاتب الإسباني ‘إنّ القراءة بالنسبة له نبع لا ينضب لجلب الانشراح’ كما يقول ‘جونتان سويفت’ وقال إنه قرأ مؤخّرا للأدباء الرّوس خاصة غوغول وبولغاكوفو، وقبل ذلك قرأ للفرنسيين ديدرو، وفلوبير .’
الصديق الغائب الحاضر
ما كا ن ينبغي أن يكون حفلا بمناسبة استلام هذه الجائزة من طرف الكاتب الفائز تحوّل إلى لحظات جدّ مؤثّرة عندما تعرّض خوان غويتيسولو لصديقه الغائب وهو الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتيس الذي كان من المفروض أن يكون حاضرا هو الآخر لاستلام نفس هذه الجائزة التي فاز بها للعام الفارط2011 حيث حضرت نيابة عنه أرملته سيلفيا ليموس. قال غويتيسولو: ‘إنّ الغائب موجود بيننا، إنه حاضر في فكر، ووجدان كل منّا، وكل الكلمات التي تمّ إلقاؤها أو التي سيتمّ إلقاؤها مستقبلا هنا هي موجّهة إليه، إننا نراه ونشعر به وبحضوره بيننا، إننا نكاد نلمسه في هذا المكان الجميل الذي أحبّه كثيرا والذي أوحى له باسترجاع الجائزة المرموقة بعد سنين طويلة من الهجران والنسيان’. هذه الكلمات كانت كافية لإشاعة الصّمت في القاعة الكبرى التي احتضنت هذا الحفل الكبير، ثم سرعان ما وقف جميع الحاضرين دقيقة صمت ترحّما على روح كارلوس فوينتيس، ثم إمتلأت القاعة بضجيج التصفيقات للصديق الغائب والحاضر في نفس الآن’.
قال غويتيسولو: ‘لولا وجود الأدب بيننا لما عرف العالم أيّ تحوّل أو تغيير، فهو متداخل ومترابط كعمود فقري في حياتنا، ثم سرد كارلوس فوينتيس، وغارسيا ماركيز ،وخوليو كورتاثار، وبارغاس يوسا، وليساما، وأونيتّي وكابريرا إنفانتي’.
وخلال حفل إستلام الجائزة نوّه الكاتب والصحافي والأكاديمي الإسباني المعروف ‘خوان لويس سيبريان’ بالكاتب الذي حظي بهذا التكريم: وقال: ‘أنّه يشعر بحزن عميق وهو يتحدّث عن كارلوس فوينتيس، وتأثّر غاية التأثير بهذا النبأ المؤلم إذ لم يتوقّع انّ شخصا بحيوية وطاقة فوينتيس يمكن أن يختفي فجأة قبله’، وقال ‘إنه في الشهر الأخير من حياته زار كلا من أمريكا، والبرازيل، وتشيلي، والأرجنتين ثم عاد إلى بلده المكسيك، كما أنه تأثّر كذلك كثيرا لأنه التقى خلال هذه التظاهرة بأرملة فوينتيس سيلفيا ليموس’ . ثمّ إنتقل سيبريان للحديث عن التطوّر الهائل الذي عرفته أعمال صديقه غويتيسولو الأدبية والمزايا التي تطبعها في خضمّ الأزمنة والأمكنة التي عاش ويعيش فيها الكاتب وصلاته بزملائه الكتّاب الآخرين مثل كورتاثار، وغارسيا ماركيز،وبرغاس يوسا، ونفس فوينتيس الذين جاهدوا جميعهم من أجل دعم الثورات السياسية، والسّعي وراء التجديد الإستاطيقي سواء في اللغة أو في صناعة الأدب، وكانوا جميعا يتميّزون بنظرة سياسية شمولية لم يكن لها وجود في إسبانيا إلاّ لماما. وقال سيبريان إن المثقفين الشباب كانوا يثورون ضد العالم الثنائي القطبين الذي كانت تملأه الشكوك والقلاقل ، واكتشفوا الخديعة الكبرى التى كانت تزيّنها لهم الثقافة الرسمية حول تاريخهم الحقيقي وجذورهم، وحول قدرهم وتوجّهاتهم الجماعية عندئذ كانوا يرون في الأدب الحقّ فرصة تحرّرهم وانعتاقهم. ويضيف الكاتب الإسباني: ‘اننا وسط تلك المعمعة والملحمة التي لم نكن نري مخرجا لنا منها وجدنا خوان غويتيسولو في مستهل حقبة الستينيات الباريسي بالتبنّي والإسباني بالمبارزة والتحدّي مثبط الهمّة من جرّاء تراجع وتقهقر اليسار الماركسي، ومرعوبا من انتصار اليمين المتطرّف وزمرته. هناك في تلك الظروف الانتقالية الصعبة طفق غويتيسولو في كتابة روايات من نوع جديد والذي سار على نفس الدرب ما ينيف على أربع أحقاب. وأثنى سيبريان على الكاتب وعلى أسلوبه المشعّ الذي يطبعه السخرية الذكيّة، والتلميحة المرّة، والتهكّم اللاذع والذي يعود بنا إلى أزمنة سيرفانتيس وكيفيدو.
من إبن عربي إلى فولتير
الأديب خوان غويتيسولو يعتبر من أبرزالكتّاب الاسبان في الوقت الراهن لما يمتاز به من صوت أدبي متفرّد بين باقي الأدباء الاسبان، ولنوعية كتبه ورواياته المتعددة، التي أثارت جدلا ما زال يسمع صداه الى الآن ليس في إسبانيا وحسب، بل وفي الأوساط الأوربية والأمريكية والانجليزية كذلك لجرأتها وخاصّيتها وإشكالية الإبداع فيها التي تنطلق من التعامل مع اللغة من منظور تفجيرها وتفكيكها وتغيير مسارها، وإعطائها نفسا إبداعيا خلاقا. كما انّه يعتبر مثالا للإستقلال الفكري، والثقافي، وممثّلا للتجديد في الأدب الاسباني المعاصر.
يقول غويتيسولو في معرض إعجابه بالعرب وتراثهم وحضارتهم ولغتهم:
‘إنّ إستيعابي وتمثلي للفضول الأوروبي الشره جعلني أتحوّل شيئا فشيئا الى مواطن إسباني من نوع آخر، عاشق لأنماط الحياة والثقافات واللغات من مختلف المناطق الجغرافية.لا ينحصر عشقي وإعجابي وولهي بكيبيدو، أو غونغورا، أو ستيرن، أو فولتير، أو مالارميه، أو جويس، بل يتعدّاه كذلك الى إبن عربي، وأبي نواس، وابن حزم، والى التركي جلال الدّين الرومي مولانا.انّ هناك عوامل إيجابية، وطاقات إبداعية هائلة مختلفة من كل نوع لهؤلاء وأولئك على حدّ سواء، فعندما يكلّف المرء نفسه عناء تعلّم لغة صعبة جدا مثل اللغة العربية وقد جاوزالسبعين من عمره، فانه ينبغي أن تكون هناك دواع عميقة جدا لذلك، (الكاتب الأرجنتيني المعروف خورخي لويس بورخيس قرّر تعلّم اللغة العربية كذلك عندما ناهز سنّه الثمانين) والحقيقة أنّ الدواعي موجودة. فأنا أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الإسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق دون استيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة
العربية،وكلما دخلت في هذه الثقافة،تأكد لي بشكل جليّ قيمة وأهمية ما ورثناه عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية .’
ويردف الكاتب قائلا في السياق نفسه؛ ‘هناك من ناحية أخرى جانب المودّة في العلاقات الإنسانية التي إنعدمت في المجتمع الأوروبي الذي أعيش فيه وأنتمي إليه، ففي مدينة مراكش، على سبيل المثال، يمكنني أن أكتب وأن أقرأ، كما يمكنني في الوقت ذاته الخروج للنزهة والتحدّث الى الناس البسطاء وليس مثل ما هو عليه الأمر في باريس ونيويورك اللتين انعدمت فيهما العلاقات الإنسانية وتلاشت’.
ويشير غويتيسولو: ‘أنّه يشعر بتعاطف كبير نحو الثقافة الاسلامية، فقد قرأ نصوصا دينية إسلامية كثيرة وهي نصوص تهمّه جدّا، إنّه يقرأها مثلما يقرأ أعمالا لماغلان، أو ابن عربي المرسي، أو سان خوان دي لاكروث،بمعنى أنها تبدو له وسيلة تعبير أدبي راق جدير بالإعجاب والتقدير’.
إعجابه بالحضارة العربية
ما فتىء هذا الكاتب يثير ردود فعل متباينة في الأوساط الأدبية والثقافية الإسبانية، وذلك بكتبه أو مقالاته أو تصريحاته التي لا تخلو من نقد لاذع للمجتمع الاسباني، وللمثقفين الإسبان بشكل عام، ورميهم بروح الانغلاق وعدم تفتّحهم على ما يدور حولهم من تظاهرات وتحركات ثقافية خاصة لدى جيرانهم العرب.
ولا يزال هذا الكاتب يثير هذا الموضوع في مختلف محاضراته أو تصريحاته في كل محفل ومنبر، نظرا لما يربطه بالعالم العربي من أواصر المودّة والإعجاب، حيث تحتلّ مدينة مراكش بالذات حيّزا مهما في أدبه، سواء في رواياته، وبالخصوص روايته المعروفة ‘مقبرة’ أو في سيرته الذاتية ‘منطقة مسيّجة محظورة’ أو في سواهما من المقالات والدراسات حول الثقافة الإسلامية أو الحضارة العربية مثل كتابه ‘إسبانيا في مواجهة التاريخ..فكّ العقد’، وحول الدور الكبير الذي اضطلع به العرب خلال وجودهم بالأندلس، وإيمانه القويّ في قدراتهم الابداعية، وعطاءاتهم الثرّة في مجالات العلوم على اختلافها، وفي حقول الآداب والشعر والفكر والفلسفة والموسيقى والمعمار، وحول التقارب الذي ينشده بين العرب واسبانيا بحكم العوامل التاريخية والحضارية والجغرافية، ودعوته المتواصلة الى إسدال ستائر الحقد والضغينة، وإزاحة حجب التجاهل والتنافر والتنابذ، والتعرّف عن قرب على ما يجري في البلدان العربية من غليان فكري، ونهضة ثقافية، وتطوّر حضاري في مختلف الميادين.
إنّ المتتبّع للصحافة الاسبانية في الآونة الأخيرة، يلاحظ مدى ما يثيره هذا الكاتب من موضوعات فكرية وثقافية لا تخلو من شجاعة أدبية، وإنصاف محقّ للعرب والشهادة لهم بمواكبة التيارات الفكرية المعاصرة وإتّهام بني طينته الإسبان بالقصور في هذا المجال. كما أنّه معروف بمناصرته ودفاعه عن قضايا الإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية. وإليه يؤول الفضل في أن تصبح ‘ساحة جامع الفنا’ الشهيرة بمدينة مرّاكش تراثا إنسانيا شفويّا لا ماديا من طرف منظمة اليونسكو العالمية منذ 18 أيار(مايو)2001 .
تعدّد الثقافات
يدافع الكاتب خوان غويتيسولو دائما عن مغزى التداخل والتكامل الثقافيين عكس ما يحدث في إسبانيا في الوقت الراهن من ميولات إقليمية وانفصالية منكمشة ومنغلقة على نفسها، إلا أنّ غاية تدخّلاته وتصريحاته في هذا القبيل لم تكن مفهومة بما فيه الكفاية. إنّه يشير في هذا الصدد’ الى أنّ الدفاع عن التعدّد الثقافي والتنوّع الفكري أو تعدّد قنوات الثقافات القائمة في محيط بلد مّا شيء، وإقامة حواجز بين هذه الثقافات وتصنيفها في حيازة فرضيات ذات مضامين معّينة وطنية أو محليّة شيء آخر مخالف للسّابق. إنّ ثقافة من هذا القبيل منكمشة على نفسها لهي ثقافة منكرة لوجود سواها من الثقافات وإشعاعاتها، فالتزوير المتعمّد للماضي التاريخي، وتشذيب أو حذف أو التغاضي عن كلّ ما هو أجنبي من الثقافات، من شأنه أن يفقر أو يفسد الحقيقة في حدّ ذاتها. كما أنّ ذلك يشكّل حاجزا يقف حجرعثرة في سبيل التداخل المتناغم للثقافات. إنّ المثال الأعلى للفكر التعدّدي هو أن يكون فكرا متقبّلا ومفتوحا خلاّقا. وانطلاقا من هذا المفهوم، فإنّنا نورّط أنفسنا ونجعلها تغيّر موقعها الحقيقي من تاريخ إسبانيا. إنّ النيّة المبّيتة التي تجرّد جميع تلك المعطيات من عناصرها الصالحة بشكل تعسّفي لهويّة وطنية مّا، لهي نيّة تتّسم بنظرة ضيّقة وهامشية ومنغلقة، ذلك أنّ تاريخ أيّ شعب إنّما هو خلاصة التمازج الحضاري والتأثيرات الخارجية التي استقبلها وهضمها، وإسبانيا خير مثال للبلدان التي استفادت بشكل إيجابي مباشروكبير من الحضارة العربية التي تألقت وازدهرت وبلغت أوجها فوق ترابها زهاء ثمانية قرون ونيّف، بالعطاءات الثرّة والخلق والإبداع في مختلف مجالات الحياة التي ما زالت تطبع الحياة الإسبانية وتميّزها عن سواها حتى اليوم .
ولد غويتيسولو في برشلونة1931، ومنذ 1976 حيث كان يعيش في منفاه الاختياري بباريس بدأ يتردّد على مدينة مراكش إلى أن استقر بها عام 1996. وبالإضافة للجائزة السابقة فهو حاصل كذلك على أكبر جائزة أدبية في أوربا، وهي ‘أورباليا’ التي تمنح ببروكسل، والتي تعتبر بمثابة نوبل في الآداب الأوربية، وعلى جائزة ‘أوكتافيو باث’ في الآداب، وعلى جائزة ‘الأدب الأمريكي اللاتيني والكرايب خوان رولفو’، وعلى ‘الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية’ و’جائزة بلانيطا’ الإسبانية كذلك ،بالإضافة للعديد من الجوائز الأدبية الرفيعة الأخرى في مختلف بلدان العالم. ومنذعام 2007 أصبحت المكتبة التابعة لمعهد سيرفانتيس بمدينة طنجة تحمل اسمه تكريما له ولإبداعاته المتميّزة. من أعماله: ‘السيرك’ و’الجزيرة’ و’نهاية الحفل’ و’عناوين هويّة’ و’دون خوليان’ و’ خوان بلا أرض’ و’مقبرة’ و’فضائل الطائر المتوحّد’ و’أسابيع الحديقة’و’ستارة الفم’ و’في ممالك الطوائف’ (مذكرات) وسواها من الأعمال الإبداعية الأخرى في مختلف المجالات .
القدس العربي