صفحات العالم

كل شيء في الشرق الأوسط ينتظر…

ماجد كيالي *
لا شيء يقيني في الشرق الأوسط بعد الثورات العربية، فكل شيء سينتظر، وكل شيء قد يتغيّر، من المشاريع إلى السياسات إلى التفاعلات. هذا ينطبق على تشكّلات النظام الإقليمي العربي، كما على تفاعلات القوى الدولية والإقليمية والمحليّة، بدءاً من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وصولاً إلى إيران وتركيا وإسرائيل. الشيء اليقيني الوحيد، ربّما، هو أن هذه المنطقة لن تعود كما كانت من قبل.
ما ينبغي الانتباه إليه جيداً هنا هو أن الانتظار ليس دلالة على سكون أو جمود، فكلّ هذه الأطراف مشغولة ومهمومة، في هذه المرحلة، بنسج التفاعلات والعلاقات التي تمكّنها من تعظيم مكانتها، أو تفويت التداعيات السلبية الناجمة عن التحوّلات الجارية، في هذه المنطقة، على دورها ومصالحها.
ثمة انتظارات رئيسة، مع توقّعات وتحديات ومخاطر وآمال، ستؤثّر كثيراً في مستقبل الشرق الأوسط للعقود المقبلة. ففي الغضون ثمة الفلسطينيون مضطرّون للانتظار، وكذا الأكراد، والسوريّون واللبنانيون والعراقيون والأردنيون والدول الخليجية أيضاً.
فمن جهة الفلسطينيين ثمة عالم جديد يتشكّل أمامهم، بعد التغيير في مصر، وبالأخصّ بعد ما يجري في سورية. وإذا كان التغيير في مصر يؤثّر فيهم من الناحية السياسية العمومية، فإن التغيير في سورية وحده الذي يؤثّر فيهم مباشرة، حتى من ناحية التفاصيل، وهذا يشمل كياناتهم السياسية (المنظمة والسلطة والفصائل)، وعلاقاتهم البينيّة، وشعاراتهم، وشكل كفاحهم من أجل تحقيق أهدافهم.
فوق ذلك، فإن الفلسطينيين يميلون إلى الانتظار وتأجيل الحسم في ما يتعلّق بملفّات المصالحة وإعادة بناء منظمة التحرير والانتخابات، كما في شأن العلاقات الصراعية أو التعايشية أو التفاوضية مع إسرائيل. وعلى ذلك فليس من قبيل الصدف تعثّر عملية المصالحة، ذلك ان «حماس» تنتظر مآلات «الربيع العربي»، و «فتح» كذلك، ولا يمكن إجراء الانتخابات أو إعادة بناء المنظمة في ظروف دولية وعربية ومحليّة لم تستقرّ بعد.
أما بالنسبة إلى حلّ الدولة المستقلة في الضفة والقطاع، وفق خيار التفاوض أو التسوية، الذي تم انتهاجه، طوال عقدين، فلا يبدو أن إسرائيل مستعدّة لتقديمه إليهم في ظلّ هذه الأوضاع المتغيّرة، وضمنه في ظل تحوّلها إلى دولة أكثر يمينية ودينية وعنصرية واستعمارية؛ أكثر من أية فترة في تاريخها.
في هذا الخصوص تحديداً يمكن الاستنتاج، ومن وجهة نظر إستراتيجية ومستقبلية، أن من مصلحة الفلسطينيين التشبّث بموقفهم الرافض للمفاوضات في ظل هذه الشروط الإسرائيلية، ومواكبة التحوّلات المقبلة مع «الربيع العربي»، لأن هذه التحوّلات هي التي يمكن أن تغيّر المعطيات المجحفة والمهينة التي تأسّست عليها عملية التسوية، وهي التي يمكن أن تضع إسرائيل في حجمها الحقيقي.
السوريون، أيضاً، هم على موعد مع المستقبل، ومعضلة هؤلاء أن التغيير في بلدهم، وضمنه إعادة بناء الدولة في سورية، يساهم مباشرة في تغيير وجه الشرق الأوسط، وفي إحداث تغييرات في هيكليات النظام الإقليمي العربي وسياساته وتفاعلاته، ويؤثّر في كثير من القضايا والملفّات في هذه المنطقة، ولا سيّما في الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين. وعلى المستوى الإقليمي، فإن التغيير في سورية ستكون له تداعياته على مداخلات أو تفاعلات القوى الإقليمية، في الشرق الأوسط، أي على إسرائيل وعلى مجمل مداخلات الصراع العربي – الإسرائيلي، كما على تركيا وشكل تعاطيها مع الواقع العربي، فضلاً عن تداعياته الكبيرة على إيران وشكل وجودها في الشرق الأوسط.
هذا يفسّر احتلال ثورة السوريين مكانة مركزية في هذه المنطقة، فبناءً على توجّهاتها سيتم التقرير في شأن التحدي المتعلّق بقيام الدولة، أي دولة المؤسسات والقانون، والتحدّي المتعلّق بإمكان الخروج من الانتماءات والعصبيات المذهبية والطائفية والإثنية والعشائرية والمناطقية إلى فضاء المواطنة ومجتمع المواطنين والدولة الوطنية، كما بشأن تحدّي التحوّل نحو الديموقراطية كشكل لإدارة التعايش بين مختلف المكوّنات والتيارات والأطياف في المجتمع والدولة السوريين.
فوق ذلك، فإن نتائج الثورة السورية ستقرّر في كيفية التعاطي مع أحد مكوّنات الشعب السوري، والمتمثّل في وجود مجموعة قومية هي الأكراد، وبشأن ما إذا كان سيتم فتح صفحة جديدة في تاريخ هذه المجموعة التي طالما عانت من ظلم التاريخ والجغرافيا والسياسة والتجاذبات الإقليمية، فهؤلاء ينتظرون مستقبلهم، أيضاً، الذي يظهرون فيه كشعب، ويصنعون فيه تاريخهم وهويتهم الوطنية.
وبديهي، فإن تطورات الثورة السورية سيكون لها شأنها، وكلمتها، بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي، وبما يخصّ كيفية التعاطي مع التحدّي الذي تمثّله إسرائيل في هذه المنطقة، فثمة لسورية أراضٍ محتلّة، وفيها تقطن كتلة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.
من جهتها، فإن الأردن ودول الخليج العربي تقف في حالة قلق وانتظار، أيضاً، لما قد تسفر عنه التحوّلات في سورية، مع انعكاس ذلك على تحجيم نفوذ إيران؛ فضلاً عن انتظارها نتائج المواجهة الدولية في موضوع الملف النووي الإيراني.
وربما أن من مصلحة هذه الدول التعامل في شكل جدّي مع مسألة الشرعية وحقوق المواطنة ومصالح المواطنين، للتأسيس لحقبة دستورية جديدة، وصوغ عقد اجتماعي جديد.
وبالنسبة إلى لبنان، الذي طالما عانى جراء الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية والمداخلات السورية والنفوذ الإيراني المباشر، فهو، أيضاً، يقف في الانتظار، وكله توق للانعتاق من هذا الواقع الجغرافي والسياسي الذي فرض عليه.
ولعل الأمر ذاته ينطبق على العراق، أيضاً، الذي لم يستطع، مع كل الأسف، تحقيق النموذج المفترض للدولة الديموقراطية، فهو تخلّص من وصاية سلطة الاستبداد العائلية، العسكرية، لكنه وقع أسير سلطة استبدادية مذهبية وميليشيوية، وهو تحرّر من الجيوش الأميركية، إلا انه بات رهناً لنفوذ الدولة الإيرانية؛ هكذا فالعراق مثل لبنان ينتظر ما سيحدث في سورية وفي إيران.
* كاتب فلسطيني
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى