كم يجب أن يموت في سوريا؟
سعيد حارب
“كم يجب أن يموت في سوريا حتى نغير استراتيجيتنا؟ لقد تم وضع أقصى العقوبات على النظام السوري، وأي عقوبات أخرى لن تضيف شيئاً.
أين السيد كوفي عنان؟ هل هناك أفضل من هذا الاجتماع ليبدي فيه اهتمامه بالشعب السوري، إنني أتكلم بألم وبكثير من الإحباط.
فإلى متى سنعطي هذا النظام الحجة حتى يستطيع أن يضحك على المجتمع الدولي؟ الشعب السوري يموت، فهل هناك لحظة سنصل إليها لنقول له كفى قتلاً… كفى تعذيباً، كفى مجازر ، وكفى علينا المشاهدة والحديث؟!”… كانت هذه بعض كلمات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في “مؤتمر أصدقاء سوريا”، الذي عقد اجتماعه في باريس يوم الجمعة الماضي.
وقد جاءت كلماته معبرة عن شعور ملايين العرب الذين يرون إخوتهم السوريين يقتلون على يد النظام في أبشع صور الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثالاً عندما يُقتل شعب أعزل على يد نظامه.
فقد شهد العصر الحديث مجازر مشابهة لكنها تمت على يد الأعداء، كما حدث في فلسطين حيث قُتل الفلسطينيون في مذابح دير ياسين ومذبحة بلدة الشيخ ومذبحة الطنطورة ومذبحة كفر قاسم ومذبحة مخيم جنين وغيرها من المذابح، وكما حدث أيضاً في البوسنة حين شن الصرب حرب إبادة على المسلمين في مذبحة سربرنيتسا وغيرها من المدن البوسنية.
لكن الذي لا يتصور أحد أن يقوم أي نظام بقتل شعبه وهو الذي أتُمن على حياته، ويجب أن يتولى حمايته، وهذا ما يحدث في سوريا منذ سنة ونصف السنة تقريباً، إذ لا تتوقف آلة القتل عن حصد أرواح السوريين كل يوم.
ولم يسلم من ذلك النساء والأطفال والشيوخ، بل حتى الحيوانات والمزارع أصابها طغيان هذا النظام.
ولذا حين يرتفع صوت سمو الشيخ عبدالله بن زايد مطالباً العالم بإنقاذ الشعب السوري من الإبادة، فإنه لا يتحدث بموقف الإمارات الرسمي والشعبي فقط، وإنما يتحدث بضمير العالم الذي هاله ما يرى من سيل الدماء كل يوم في سوريا، بينما يوغل نظامه في إبادته معتمداً على ضعف الموقف العربي وتخلخل الموقف الدولي من خلال مصالح ضيقة لبعض الدول أو بحث عن تعزيز لمكانة إقليمية أو دولية على حساب هذا الشعب.
لقد هب العالم لمساعدة الشعب الليبي حين ثار على نظامه الذي سامه سوء العذاب، فقتل من قتل وشرد من شرد وعذب من عذب، وحين حانت ساعة المواجهة وجد الشعب الليبي من المجتمع الدولي موقفاً صامداً في بحثه عن الحرية.
فلماذا يقف العالم عاجزاً عن اتخاذ موقف مما يحدث في سوريا؟، لعل من أسباب ذلك موقف بعض الدول حيث تربط وجودها في منطقة الشرق الأوسط ببقاء النظام السوري، وهذا ما يعبر عنه الموقف الروسي الذي يعتبر سوريا حليفاً وحيداً في المنطقة العربية كما يراها ميداناً لبيع سلاحه الذي بارت أسواقه، وبقي السوق السوري مشترياً وحيداً له.
كما أن روسيا تستخدم الورقة السورية للحصول على امتيازات من الغرب لتغيير مساندتها لسوريا، ومقابل هذا فإن الموقف الغربي مازال متردداً ولا يتجاوز الدعم السياسي، أو فرض بعض العقوبات التي لم يكن لها تأثير كبير على النظام السوري، وربما لأن سوريا ليس لديها نفط ليبيا حتى تستطيع أن تقدمه للغرب مقابل مساندة ثورة شعبها!، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به معظم الدول الغربية، أو لحسابات انتخابية وسياسية كما عليه الحال في الموقف الأميركي.
وقد فهم النظام السوري هذا الموقف فاستمر في طغيانه، ولم يتوقف عن قتل شعبه وتدمير مدنه التي أصبحت أجزاء كبيرة منها خراباً بسبب القصف والتدمير الذي تشنه قوات النظام ومن ساندها من الشبيحة وغيرهم.
لقد استفاد النظام السوري من تشتت الموقف الدولي لكن الشعب السوري لم يعد يعلق آمالًا على المساندة الخارجية، بل شق طريقه في رسم مستقبله مستثمراً صمود أبنائه ومواجهتهم للطغيان ومستعيناً بمساندة المخلصين من أبناء أمته شعوباً وحكومات.
فهذا الشعب لا يعلم مسارب السياسة الدولية ولا صراعاتها أو مصالحها، لكنه يعلم أنه لم يعد بإمكانه الالتفات إلى الخلف فقد جرب الصمت أكثر من أربعين سنة، ولم يجن سوى القتل والترهيب أو العزلة والتخلف، بينما يرى شعوب العالم ترتقي في مراقي التقدم العلمي والتقني وتحظى بحقها في الحرية والعيش الكريم.
لقد وضع سمو الشيخ عبدالله بن زايد في كلمته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية بصورة مباشرة متجاوزاً في ذلك عبارات المجاملة والاختباء خلف العبارات العامة والمبهمة، وهو يحدد بذلك موقف دولة الإمارات التي ليس لها مصلحة في ذلك سوى حقن دماء الشعب السوري وحفظ حياته وأعراضه وأمواله.
وإذا كان المجتمع الدولي قد تخاذل عن نصرة الشعب السوري، فإن حقوق الدين والدم والإنسانية تفرض على العرب والمسلمين وشعوب العالم التي تحرص على حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي حريتها أن تساند الشعب السوري، لقد رفعت الإمارات صوتها عالياً… فهل من مجيب؟!
الاتحاد