كوباني وموقف الغرب من الوضع في سورية/ فراس قصاص
أثار تدخل الدول الغربية في معركة الدفاع عن مدينة كوباني الكردية السورية،وقصفها المكثف لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التي حاولت اقتحام تلك المدينة، في ذات الوقت الذي بقيت فيه متفرجة على ما يحصل من تدمير ممنهج للمدن السورية على يد نظام بشار الأسد،غضب غالبية السوريين العرب من مؤيدي الثورة السورية، معتبرين أن ذلك إنما يعبر عن ازدواجية في موقف الدول الغربية من الوضع السوري، تعكس إلى حد كبير انحيازها إلى الكرد دون سواهم من السوريين المنتفضين ضد النظام السوري.
ولما كان من الضروري بمكان اتخاذ مسافة نقدية عن الموقف الشائع للذات العربية التي تعودت أن تستسهل اتهام الآخر الغربي في كل مناسبة تجمعها مع الغرب والثقافة الغربية، تماسا و تفاعلا، فشل السياسي المحترف والمعارض السوري التاريخي للنظام، أيضا، في التصدي لهذا الدور، أثناء تفسيره موقف الغرب الوارد بهذه الشاكلة المتفارقة في حالة كوباني من جهة وبقية المدن السورية من جهة أخرى، فكان منسجما مع القائلين بالازدواجية الغربية وموضوعة الانحياز الغربي ضد الغالبية المتمثلة بالسنة العرب من السوريين لمصلحة الأقليات السورية، ولم يستطع والحال هذه، أن يولي الأهمية المطلوبة لعوامل تتصل بالسياسة الدولية والشروط المؤثرة فيها، لاسيما تلك التي أقرتها المواثيق والأعراف والمفاهيم ذات الصلة بمعطيات تشبه تلك التي تميز الحالة السورية، وهو ما كان في حال حصوله، أن يجعل مقاربة حالة كوباني، مجدية أكثر، لناحية بلورة فهم موضوعي للديناميات المؤثرة في الموقف من الوضع السوري بما يتجاوز اتهام المجتمع الدولي بالازدواجية والتورط في المأساة التي تحيق بالسوريين، المترافق مع نفي أية قصور تتحمل مسؤوليته الذات المعارضة الممثلة للثورة، في فهم ماكينة السياسة الدولية، وتوفير متطلبات التفاعل الإيجابي معها، لتحقيق مصلحة السوريين الثائرين على نظامهم المستبد.
وعلى ذلك وتأسيسا على الفهم النقدي المشار إليه أعلاه تفترض هذه السطور محددات النظر إلى موقف التحالف الدولي من موضوع كوباني قياسا إلى مختلف المناطق السورية الأخرى وفقا للتالي:
أولا :إن اتفاق المجتمع الدولي على تعريف الإرهاب في سياق محاربته لتنظيم “القاعدة”، لا سيما بعد أحداث سبتمبر عام 2001، يوفر الشروط الكفيلة بتبلور موقف دولي متجانس من المنظمات الإسلامية المتطرفة، ذات الأجندات العالمية الشبيهة ب”القاعدة”، وعلى ذلك فقد أدى، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية التكفيري المتطرف، الذي تمدد في أكثر من دولة، وأمعن في ارتكاب المذابح الجماعية،وقتل عددا من مواطني بعض الدول العظمى بطريقة بشعة واستفزازية، وأسرف في انتهاك أخلاقيات العصر وقيمه بشكل تجاوز كل حدود، إلى خلق دينامية أدت بالفعل إلى ولادة التحالف الدولي ضد “داعش”. في حين لم يوفر الحدث السوري فرصة لخلق دينامية مؤثرة في السياسة الدولية في ذات الاتجاه إلا في مناسبة وحيدة، حينما استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب – أغسطس من عام 2013، الذي تمكن لاحقا وبتضافر عوامل أخرى عديدة، من إيجاد دينامية تعطيل للتدخل الممكن آنذاك، حين أعلن تخليه عن ترسانته من الأسلحة الكيميائية بإتلافها تحت إشراف دولي.
ثانيا: لم يكن للتحالف الدولي أن يتدخل لو أن النظام السوري، كان الطرف الذي هاجم مدينة كوباني وليس تنظيم الدولة الإسلامية / داعش، ولما كان معنيا بما يحدث بالمدينة بالنظر إلى خلفية تأسيسه ومهامه التي وجد من أجل تأديتها والقيام بها.
ثالثا :إن صمود المدافعين البطولي عن المدينة، والتزامن الذي حصل بين الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة عليها وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، كانا عاملين مهمين أسهما في حصول التدخل الغربي لمصلحة مدينة كوباني، وفي تحقيق الاستجابة لحاجة المدينة إلى المساعدات العاجلة، والحؤول دون سقوطها في أيدي التنظيم التكفيري، الذي كان من شان حدوثه أن يعطي “داعش” زخما معنويا وعسكريا، ويصعب من مهمة التحالف الدولي ويضعف معنوياته.
رابعا: لقد أدى وجود تباين كبير بين ما يمثله “داعش” من قيم متطرفة وإجرامية وبين ما يمثله المدافعون عن المدينة من خلفية علمانية واضحة، مع ما يمكن أن يتعرض له سكان المدينة، في حال دخول “داعش” المدينة، من مجازر مروعة، على أرضية توصيفه التكفيري لأهلها، إلى التقليل من شأن المعيقات التي تمنع التحالف من التدخل في حالة هذه المدينة قياسا مع حالات أخرى.
خامسا: إن احتمال تدخل قوى التحالف الغربي، فيما لو هاجم تنظيم الدولة الإسلامية مدينة سورية، تسيطر عليها قوى غير ملتبسة الموقف والبنية الأيديولوجية من قضايا الديمقراطية ودولة المواطنة الحديثة التعددية، وفي حال توافرت معطيات جغرافية وسكانية تساعد على تجنب إلحاق الأذى بحياة المدنيين، مع وجود عوامل عسكرية لوجستية ضرورية أخرى، هو احتمال كبير و قد لا يقل حماسة وسرعة وحسما عن تدخلها في حالة كوباني.
أما ما يمكن الإفادة منه استنادا إلى التحديدات السابقة، فمتعلق بالمعنيين بإدارة الصراع مع النظام السوري أو من ممكني التأثير فيها، بضرورة أن ينبذوا التحليلات التي يطيب لها التأكيد بثبات وسكونية، على أن العالم كله متآمر ضد العرب السنة الذين يمثلون معظم المساحة الاجتماعية الثائرة على النظام السوري، وأن يبحثوا في توفير العوامل التي تحفز الموقف الدولي من أجل الانخراط الجدي ضد نظام بشار الأسد ولمصلحة السوريين الثائرين ضده، بداية، بإظهار نفسهم منسجمين ومتفقين وقادرين على قيادة مرحلة ما بعد النظام، بشكل آمن وسلس يحفظ أبنية الدولة ويحافظ على مصالح مكوناتها الإثنية والدينية والمذهبية، دون تمييز، خلافا لما بدر عنهم طوال الأعوام السابقة، ولاحقا، في ضرورة أن يتعاطوا السياسة في أبعادها العلمية والبراغماتية والتقنية المتقدمة، بما يكفل لممثلي الثورة إيجاد خطوط تأثير وفعل في مختلف المستويات، السورية الداخلية والإقليمية والدولية على حد سواء.
ناشط وعضو رابطة الصحفيين السورية
ايلاف