كوريا الشمالية.. السورية/ نذير رضا
في حال صحت المعلومات عن أن النظام السوري يتجه الى حظر “الدش” وحصر البث التلفزيوني الفضائي عبر شبكات “كابل”، فإن سوريا تتحول شيئاً فشيئاً الى النسخة العربية من كوريا الشمالية. تزداد القيود، في “سوريا ما بعد الحرب”، وهي قيود موجهة حصراً الى بيئة النظام الموالية، ولعل أبلغها، “فلترة” القنوات التلفزيونية التي يتعين على المشاهدين السوريين مشاهدتها، وذلك بإلغاء “الدش” الخاص بمنازلهم.
لم تشهد سوريا اجراءات مماثلة منذ أواخر التسعينيات، حين سمح النظام السوري للسوريين باقتناء صحون لاقطة خاصة، لمشاهدة ما يحلو لهم من القنوات التلفزيونية. جاء ذلك بعد موجة اعتراض تنامت، ووصلت اصداء انتقاداتها الى المسلسلات التلفزيونية، حيث تطرق لها دريد لحام في احدى حلقات مسلسل “ابو الهنا”. انتهت الأزمة بالسماح، واستبشر السوريون خيراً في مطلع الالفية مع خطوات انفتاحية على الميديا، ترافقت مع خطوات انفتاحية أخرى في الانترنت.
لكن هذا الواقع، بدأ يتغير. فالانترنت والشاشات التلفزيونية، باتا من وجهة نظر النظام مساحة خطرة، وأداة لتقليب الرأي العام على النظام. تم التعبير عنه بجملة خطرة، تناقلتها مواقع الكترونية عربية، تفيد بأن الاجراء يسعى لوضع حد “لاستباحة الفضاء السوري الذي كان عاملاً أساسياً في الأزمة”.
إذن، التذرع النظامي بأن الأزمة كانت بسبب “الدش”، يمثل أبلغ مبرر لحربه على وسائل الاعلام، وعلى حرية تبادل المعلومات. وفي كل حال، أي نظام “قوي” هذا، إن كان يهدده “الدش”؟ وأي شعب ملتف حول “قيادته الأبدية الحكيمة”، إن كان قد يتم تأليبه عليه تلفزيونياً؟! يذهب النظام إلى المنع والحظر، متشبهاً بالأنظمة الديكتاتورية التي لا تجد حلاً لمواجهة الخلل في تركيبتها، سوى باللجوء الى القيود على حرية تبادل المعلومات، مثل كوريا الشمالية.
وكوريا الشمالية، قد تكون الدولة الوحيدة في العالم حالياً التي تحظر مشاهدة قنوات تلفزيونية أجنبية، وتحصر المادة التلفزيونية بالقنوات الرسمية. النظام السوري، يأخذ هذه التركيبة مع تعديلات طفيفة: لا وجود للدش في البيوت، وعلى السوريين أن يحصلوا على المعلومات من شبكة “كابل” تجري عبرها فلترة القنوات، وتشرف عليها وزارتا الاتصالات والاعلام.
حتى لو كان الدافع لخطوة مماثلة، مادياً، عبر احتكار شركات سورية ومنتفعين لشبكات الكابل، فإن هذا الاجراء، الذي يعيد مخاوف النظام من اظهار المعلومات التي تتعارض مع اجراءاته، هو في الواقع حلقة من قيود عديدة بدأ يفرضها على الإعلام والإنترنت. ففي الشأن الأخير، يتحدث ناشطون سوريون عن عدم توافر الانترنت في بعض المناطق، وتحكم النظام بمستوى قوة البث أو بثه، بما يتناسب مع حاجاته، حيث “يكاد يكون معدوماً حين يكون هناك اي تطور عسكري في مناطق سيطرة المعارضة في الجنوب”.
وفي الشأن الاعلامي، بدأ النظام منذ 8 أشهر بفرض قيود على منصات الاعلام الموالية له في “فايسبوك” و”تويتر”، وصولاً الى حظرها وإجبار بعض الناشطين الموالين على اقفال صفحاتهم، ومنعهم من تداول المعلومات العسكرية.
كل تلك الاجراءات، تعزز قبضة النظام على الإعلام الموالي. وتأتي فلترة المادة التلفزيونية، كإجراء اضافي لتحكم النظام بمستوى التلقي، وخلفيات البث، تُضاف الى حظر الكثير من المواقع الالكترونية التي تخالف النظام رؤيته للأمور.
في الواقع، تتحول سوريا، في مرحلة ما بعد تأهيل النظام، الى واحدة من أسوأ التجارب على الحريات التي لم تعرفها حتى في سنوات الثورة الأولى، بل ولا في أيام ما قبل الثورة. ستكون “كوريا الشمالية” في منطقة الشرق الأوسط.
المدن