صفحات العالم

كوفي عنان والمهمة الصعبة.. تغيير المواقف نقطة الانطلاق وصولا إلى الإختراق

عبد الحميد صيام
بمناسبة مرور عام على إنطلاق الثورة السورية للإطاحة بالنظام الدكتاتوري الأشرس بين الأنظمة العربية كحلقة حتمية وطبيعية من حلقات الانفجـــار الذي عم الوطن العربي تأثرا بثورتي تونس ومصر، من المفيد أن نراجع المشهد السوري على ضوء المهمة التي يضطلع بها السيد كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة والوفد المرافق له، لبحث بدائل سياسية للواقع الراهن الذي وصلت إليه الأوضاع في سورية بعد تفاقم العنف وسقوط آلاف الضحــــايا واعتــــقال عشرات الآلاف ودمار كثير من المدن والأحياء الشعبية واهتزاز الاقتصاد السوري ووصول الأمور إلى حالة من الجمـــود، فلا النظام إنتصر على الثورة ولا الثورة أسقطت النظام. الجامعة العربية فشلت في التعاطي مع الأزمة وأصبحت مبادرتها في حكم المنتهي ومجلس الأمن ظل منقسما حول الأزمـــة مما أساء لهذه الآلية التي تعاملت مع كافة أزمات ما بعد الحرب الباردة بشــيء من ألإجماع. وأود في هذا المقال أن أرسم صـــورة واقعـــية لأطــــراف الأزمة الأربعة مع بداية مهمة المبعوث المشترك للجامعة العــربية والأمم المتدة المعقدة. والأطراف الأربعة هي النظام السوري، والمعارضة السوريـــة والجامعة العربية والمجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن.
النظام السوري: رغم المكابرة العالية من قبل النظام بأنه انتصر على المؤامرة الخارجية والتمرد والإرهاب والعناصر المسلحة إلا أن الواقع يؤكد بما لا يقبل مجالا للدحض أن النظام عجز لغاية اللحظة عن سحق الثورة وتدميرها وإعادة الأمور في سورية على ما كانت عليه قبل الخامس عشر من آذار/ مارس 2011. لقد إستخدم النظام القوة المفرطة وسعى بكافة الوسائل المتوفرة لديه إلى سحق الثورة وإخماد المظاهرات الشعبية الأصيلة والنابعة من الجماهير العادية ذات المصلحة في الحرية والكرامة والتعددية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية وحرية التعبير والتجمع. لقد كان خروج مدينة الرقة يوم الجمعة 16 آذار/ مارس الحالي عن بكرة أبيها وما جرى في حلب ودمشق ودرعا ودير الزور وإدلب وحي الخالدية في حمص يثبت بما لا يرقى إليه شك أن إقتلاع الثورة وإنهاءها غير ممكن. لقد أصبح بقاء النظام مرهونا ليس بمدى قوة أسلحته وشراسة شبيحته بل بمدى تماسك الاقتصاد الوطني وتماسك الجيش وتماسك حلفاء النظام الخارجيين وخاصة روسيا، وأي خلل في هذه الشروط الثلاثة يؤدي إلى سقوط النظام. فلا إيران المشغولة بأوضاعها الذاتية ولا الميليشيات العراقية ولا حزب الله قادرة منفردة أو مجتمعة على حماية النظام إذا ما تهاوى أحد الشروط الثلاثة السابقة. فقد تكون مهمة عنان فرصة للنظام ليخرج من ‘زنقة’ الحل الأمني/العسكري الذي حشر نفسه فيه وأصبح أسيرا له رغم ثبوت خطل هذا الخيار.
المعارضة السورية: بعد سنة من الثورة فشلت المعارضة السورية في إسقاط النظام مثل أخواتها في تونس ومصر وليبيا واليمن. بل فشلت المعارضة السورية في توحيد موقفها بل زادت شرذمة وفرخت أكثر من مجموعة ومجلس ولجنة… خلافات الأعضاء بيـّنة ونشر الغسيل على الحبال ظاهرة سلبية أضرت بالمعارضة وبالثورة في مجملها. كما أساءت بعض أطراف المعارضة السورية إلى مجمل الثورة باستعجال التدخل الخارجي والحماية الدولية وطلب تسليح المعارضة وإعلان الاستعداد للتصالح مع العدو الإسرائيلي والتعهد بقطع العلاقات مع إيران وحزب الله مما دفع بالكثيرين من مؤيدي الثورة السورية إلى إعادة النظر في مواقفهم. لقد أساءت المعارضة السورية لنفسها وللثورة بمجملها عندما لم تحسن التعامل مع روسيا وبدأت تتصرف وكأن سقوط نظام الأسد بات وشيكا ولم يبق إلا توزيع الغنائم والمناصب. كما أن حماس أطراف عربية معينة في تأييد الثورة السورية ودفعها العلني نحوالتدخل العسكري والتسليح أساء لمجمل الثورة خاصة أن مشهد قمع ثورة البحرين بالقوة المسلحة من قبل ‘قوات درع الجزيرة’ ما زال حيا في أذهان الأمة العربية كلها. فكيف من يقمع ثورة البحرين بالسلاح يتباكى على فقدان الشعب السوري للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وعلى إستعداد لدعم الثورة السورية لإسقاط النظام كي يتمتع الشعب السوري بنظام ديمقراطي تعددي. قد يكون كل ما قالوه حول سورية صحيحا تماما لكن المهم من هو القائل وليس ماذا قيل.
الجامعة العربية: ليس خفيا على أحد أن مواقف الدول الأعضاء داخل الجامعة تتسم بالتمزق والحيرة وغياب البوصلة. وقد بدا واضحا بعد لقاء وزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن الأمين العام ومعظم الأعضاء يؤيدون الحل التفاوضي ما عدا السعودية وقطر. ومن الواضح أيضا أن النقاط الخمسة التي أتفق عليهاعليها لافروف مع الوزراء العرب تعتبر البديل لمبادرة الجامعة العربية التي أطلقتها يوم 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2011 والتي أعيدت صياغتها في 22 كانون الثاني /يناير 2012 وقدمت كمشروع قرار لمجلس الأمن وتتضمن قيام الرئيس السوري بشار الأسد بتفويض مهماته لنائبه فاروق الشرع. وقد يكون هذا البند هوالسبب الحقيقي في إستخدام روسيا والصين للفيتو المزدوج لقتل مشروع القرار يوم 4 شباط/فبراير 2012. لقد أدرك العرب إذن أن روسيا لن تسمح لمجلس الأمن بأخذ قرار يطالب فيه بتغيير نظام ما بغض النظر عن شرعية ذلك النظام، فتغيير أنظمة الحكم أمر منوط بالشعوب الخاضعة لهذا النظام أو ذاك لا دخل لمجلس الأمن في ذلك من وجهة النظر الروسية المدعومة من الصين. إذن لحست الجامعة العربية مواقفها السابقة وعادت لتبحث عن حل سياسي عن طريق التوافق لا عن طريق التلويح بتكرار السيناريو الليبي أو اليمني أو التهديد بتسليح المعارضة والتي لا شك ستوصل البلاد إلى نوع من الحرب الأهلية التي لا يريدها أحد.
مجلس الأمن: عند التصويت على مشروع القرار المتعلق بسورية بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011 لم يحصل القرار إلا على تسعة أصوات. فبالإضافة إلى الفيتو المزدوج من روسيا والصين أمتنعت أربع دول عن التصويت وهي لبنان وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند. أما عندما طرح مشروع القرار الجديد للتصويت يوم 4 شباط/فبراير الماضي فقد صوت لصالح مشروع القرار 13 دولة ولم يصوت ضده إلا الصين وروسيا. هذا يعني أن التمزق الهائل في مجلس الأمن بدأ يضيق شيئا فشيئا. لكن الأمر الأساس أن دولتين دائمتي العضوية ما زالتا قادرتين على إجهاض أية محاولة لا تأخذ بالحسبان مواقفهما من الأزمة. لقد كان تصريح عنان حول ضرورة أن يتحدث المجس بصوت واحد إشارة إلى أن أي حل لا يمكن أن يرى النور إلا إذا كان المجلس موحدا خلفه. هناك قناعة داخل المجلس أن إفتراق المواقف قد ساهم في تفاقم الأزمة حيث استفاد النظام السوري من هذا الانقسام فارتكب من المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان ما لم يكن يجرؤ على ارتكابه لوكان المجلس موحدا. لقد شكلت قرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس حقوق الإنسان وبيانات الأمين العام للأمم المتحدة وتقارير منظمات حقوق الإنسان الأخرى كمنظمة العفو الدولية ومنظمة ‘مراقبة حقوق الإنسان’ وغيرها حول الأزمة السورية عامل ضغط أخلاقي على أعضاء المجلس بحيث لم يعد الأمر يحتمل إستمرار الانقسام. فقد تكون جهود السيد عنان هي الخشبة التي سيتعلق بها المجلس لينقذه من غرق بعد سنة من الفشل في التعاطي مع الأزمة السورية.
فمهمة عنان الصعبة إذن تتمحور حول إجراء ثلاثة تغييرات مهمة في مواقف أطراف الأزمة: تغيير موقف النظام السوري للقبول بوقف إطلاق النار وسحب الجيش والكف عن إستخدام العنف المفرط وإستخدام الميلشيات المسلحة في ترهيب السكان وإعتقال عشرات الألوف لكل من يعارض رواية النظام والدخول جديا في مشروع التسوية السياسية.
وعليه أن يقنع المعارضة ومؤيديها العرب والأوروبيين بضرورة قبول فكرة الحل السياسي الذي يضمن في نهاية المطاف حق الشعب السوري في تنفيذ خياراته دون تدخل خارجي أو الانصياع لأجندات أجنبية. لقد فشلت المعارضة في إسقاط النظام كما فشلت في توحيد مواقفها وأطيافها وأجنداتها وهناك فرصة أمامها أن تلعب اللعبة السياسية بحكمة وبراعة كي تضع النظام في موقع الرافض للحلول السياسية إذا لم يجلس مع المعارضة بنية صادقة تحت مظلة عربية ودولية.
وعليه أن يقنع كافة أعضاء المجلس بالتحدث بصوت واحد. ويعتقد عنان أن الوقت قد حان أمام المجلس لإنهاء الفرقة والانقسام والتي إستغلها النظام السوري في قتل شعبه وفرض الحل الأمني/ العسكري ومن شأن وحدة المجلس أن تغير قواعد اللعبة كما قال. لقد وجدت روسيا نفسها في موقف يكاد يكون معزولا داخل المجلس وخارجه وبدأت تطلق الإشارات معلنة عن ضيق ذرعها بممارسات النظام. الصين من جهتها ما زالت تمسك العصا من النصف وتتغطى بموقف روسيا وستكون أول من يغير موقفها في اللحظة التي تشعر أن الموقف الروسي بدأ يتزحزح باتجاه الإجماع.
إذن هناك فرصة سانحـــــة ولو ضــــيقة أمام عنان للــتوصل إلى إختراق سياسي في الأزمة السورية بعد عام من العـــنف والدمار والقتل وبعد إخفاق كافة أطراف النزاع في فرض كل طرف لإرادته على الآخر.
فهل يستطيع عنان بما يملكه من مهارات دبلوماسية وخبرة طويلة في حل النزاعات أن يقتنص هذه اللحظة المواتية ويوصل الأطراف جميعها إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سياسي مدعوم بقرار أممي وعربي ورقابة مشددة على الأرض تضع حدا لصوت الرصاص لتعطي فرصة لصوت العقل؟
‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك
القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى