كوميك من أجل الإنتصار
روجيه عوطة
رغم كل المآسي والفجائع التي يعيشها السوريون، فهم ما زالوا يبدعون، ويستخدمون الفن في تحدي واقعهم الدموي، ورفض سلطاته المستبدة. يعلنون للديكتاتورية أنهم مصرون على الحياة، وأنهم يستخلصون من الموت الكثير من الأفكار الخلاقة، التي يرفعونها كأسلحة في وجهها.
من هنا، نشأت صفحة “كوميك لأجل سوريا” في “فايسبوك” العام 2012، بهدف “نشر قصص وحوادث من وحي الثورة السورية العظيمة، كتبها وصاغها ورسمها الأحرار”، وهي “مهداة إلى كل نفس تواقة إلى الحرية والكرامة في كل مكان في العالم”.
السمة الأبرز لهذه الصفحة هي تخصصها في فن “الكوميكس”، الذي لا علاقة له بالتهكم والسخرية، كما يُظنّ، بل يدل على الرسم الهزلي، أي الذي ينطلق من واقعة معينة، ويحولها قصة مصوّرة، بشخصيات كاريكاتورية. وذلك، من دون أن تبعث القصة المرسومة على الضحك، بل قد تثير الحزن في نفوس القرّاء والمشاهدين.
إختارت “كوميك لأجل سوريا” عدداً من الأحداث الأليمة الواقعية من سوريا، لتصويرها في رسوم متحركة، من دون التلاعب بمضمونها، فتحولها إلى أحداث مضحكة. بل إنها حافظت على دلالاتها التراجيدية، وجسدتها بطريقة تصويرية، بعدما كانت في غالبية الأحيان خبراً أو قصة يتناقلها السوريون شفهياً، لتصبح رسماً فنياً.
الألبوم الأول الذي نشرته الصفحة في “فايسبوك” كان بعنوان “شهيد، قصة قصيرة”. وتروي قصة أم تودع ابنها على الباب، وتسأل الله أن يحميه. يخرج الإبن من المنزل، تعترض طريقه مجموعة عسكرية، ويصرخ قائدها فيه: “تعا لهون ولاك! وين رايح؟!”.
لكن الإبن لا يسمع، يكمل طريقه، قبل أن يطلق أحد الجنود الرصاص عليه “طااااا طاااااخ”. فتخترق الرصاصة صدره، ويصرخ “آآآه”، ثم يقع أرضاً. في هذه الأثناء، تخرج الأم من المنزل، وتقترب من الجثة وهي تنوح “ولي على قامتي عليك يا ابني”. أما العسكر الذين يحيطون بالإبن الميت، فيقولون “شو هلمجنون هاد! ليك كيف فطس!”.
تطوق الأم جثة إبنها، تضمها وتبكي، ويقول لها جندي: “هو ما ردّ علينا”. تغضب وتصرخ في وجهه، بينما الدمع ينهمر من عينيها: “لأنو أطرش يا ابن الكلب!”.
وفي قصة مصورة أخرى، بعنوان “انشقاق”، وهي مستوحاة من حادثة حقيقية، حصلت في الداخل السوري، نرى صديقتين داخل سيارة، تحاولان تهريب مساعدات طبية. يدور حديث بينهما عن احتمال مصادفة حواجز في الطريقن فتؤكد إحداهما للأخرى أنهما لن تتوقفا عند أي حاجز في اتخذتا الطريق الزراعية. لكنهما تُفاجآن بحاجز. ظهرت مجموعة عسكرية وأعاقت تقدم السيارة. فقالت إحدى الفتاتين: “هاد جديد! ما كان من قبل! شو نعمل؟”، وردت صديقتها: “ما بعرف المفروض بيمرقوا البنات بلا تفتيش!”. أوقفهما العسكري، وطلب بطاقتي الهوية، وقرأ: “مها دوماني، كارلا عيسى”، الأولى محجبة على عكس الثانية. سألهما:”شو لاممكون على بعض؟”، فأجابتا: “رفقات بالجامعة”. طلب أن تفتحا “طبّون” السيارة. للحظة، ظنت الصديقتان أنه سيكتشف المساعدات الطبية، لكنه فاجأهما بغض النّظر عن المواد الموجودة في الصندوق. سأله المسؤول عن الحاجز عما وجد في صندوق السيارة، فأجابه نافياً: “ما في شي سيدي”، قبل أن يعطي بطاقتي لمها وكارلا، ويحثهما على الذهاب بسرعة. تنطلق السيارة من جديد، ويظهر العسكري في مرآتها الجانبية، فتقول له مها “شكرا ً”.
تتنوع موضوعات القصص المصورة في “كوميك لأجل سوريا”. نشرت في الآونة الأخيرة رسومات مختلفة، عن الإنشقاق والاعتقال والخطف والتشبيح، فضلاً عن قصص التفجيرات الارهابية ومخيمات اللجوء وشخصية الديكتاتور وغيرها، متيحة ً للمشتركين، الذين بلغ عددهم 20763 معجباً حتى الساعة، التفاعل مع رسومات سردية يكتبون تحتها تعليقاتهم.
تترجم الصفحة الأحداث السورية بصرياً، فتغني محتواها، تجعلها أقرب إلى القارئ – المشاهد. التصوير القصصي يسمح للذاكرة بأن تسجل الحادثة بطريقتين: الأولى لغوية، والثانية بصرية، ما يساعد في تثبيت الذكريات والوقائع. وهذا الأمر يحتاجه السوريون أكثر من أي وقت مضى، كي يتذكروا الألم الذي عاشوه، وكيف أنهم ظلوا أحياء، رغم كل الضغوط. ففي التذكر انتصار مسبق على الطغيان الراهن، وإعلان تبرّؤ من ديكتاتوريات مقبلة التي قد تستغل الإرهاق السوري تستبد به. لذا، من الضروري ألا يتوقف السوريون عن التذكر لغوياً وبصرياً كي لا يفقدوا بلدهم من جديد.
المدن