صفحات العالم

كيف أُضعفت المعارضة السورية/ أمين آرفي

الضعف الذي اصاب المعارضة السورية هو النتيجة المباشرة للإتفاق الأميركي الروسي على تفكيك الترسانة الكيميائية السورية؛ ومن ثم كان على هذه المعارضة ان تدفع الثمن. إذ ان عدداً كبيراً من المجموعات المسلحة التي شعرت بأنها طُعنت بهذا الانقلاب الغربي عليها، قررت ان تقطع الجسور مع الائتلاف الوطني السوري؛ وهذا الأخير هو أهم تكتل معارض كلّفته الحكومات الغربية بتمثيل الشعب السوري.

في نهاية شهر أيلول الماضي، كانت ثلاث عشرة مجموعة اسلامية تعمل تحت قيادة المجلس العسكري السوري، الجيش الحر، وهو الذراع اليمنى للائتلاف الوطني، تعلن بأنها لا تعترف بهذا الائتلاف، وبأنها تتوحد كلها “في إطار اسلامي واضح، قاعدته الشريعة الاسلامية”؛ وذلك الى جانب “جبهة النصرة”، وهو فصيل مسلح مرتبط بتنظيم “القاعدة”. وبعد ذلك بعشرة أيام، كان سبعون فصيلا ينشط في جنوب البلاد قد أعلن أيضاً إنشقاقه.

يقول فهد المصري، الناطق باسم الجيش السوري الحر، الذي سحب اعترافه بالائتلاف: “ان الائتلاف الوطني السوري لم تخلقه القوات الثورية، انما فرضته دول إقليمية وغربية”. وهو يتابع: “منذ تأسيسه، في تشرين الثاني من العام الماضي، لم يقم الائتلاف بشيء من أجل الثورة السورية، وهو الآن فقد المصداقية التي كان يتمتع بها في بدايته”.

يقرّ مصدر ديبلوماسي سألته مجلتنا عن الموضوع، بأن التخلي الأميركي عن الضربة العسكرية غيّر المعطيات على الأرض، ولكنه يضيف: “يجب ان لا ننسى أيضاً مئات المجموعات المسلحة الأخرى”.

هذا لا يمنع، بحسب اختصاصيين بالموضوع، أن المجموعات المعارضة المنشقة أصبحت الآن هي الأقوى بين المتمردين على بشار الأسد. وهذه المجموعات هي التي سمحت بالتقدم ميدانياً في الجنوب ضد قوات بشار، خصوصا في درعا. وفي شمال البلاد، في حلب، ما زالت تقاوم تقدم قوات الأسد التي كانت وعدت نفسها، بعد استيلائها على القصير في حزيران الماضي، بالنيل السهل من المدينة الشمالية، التي تعبتر الرئة الاقتصادية للبلاد. يقول انياس لوفيريي، وهو ديبلوماسي سابق في دمشق: “لقد تبين ان الائتلاف الوطني السوري عاجز عن تقديم ما تتمناه المعارضة الميدانية التي في الداخل، أي الدعم السياسي والعسكري، الذي وحده يغير موازين القوى ضد بشار الأسد”.

فرنسا، وهي أول دولة غربية تعترف بالائتلاف الوطني السوري، والتي كانت تتمنى مساعدة القوى الأكثر إعتدالا في المجلس العسكري السوري، وجدت نفسها مرغمة على التراجع عن هذه التمنيات، بعدما عارضها شركاؤها الأوروبيون. المصدر الديبلوماسي الفرنسي يقول حول الموضوع: “نحن نزوّد المعارضة السورية معدات عسكرية، ولكن ضمن حدود إلتزاماتنا الأوروبية”، موضحاً أن هذه المعدات ليست قاتلة، فهذه الاخيرة يتكفل “اصدقاء” آخرون لـ”سوريا” بتزويدها.

إذا كانت المملكة العربية السعودية وإمارة قطر تسلمان الأسلحة الى المعارضة السورية، فان هذه الأسلحة محدودة الكمية وتحت الرقابة المباشرة لعرابهما الاميركي. الولايات المتحدة ترفض إرسال السلاح الثقيل الى سوريا، خشية وقوعه بين أيادي الجهاديين. ويشير فهد المصري الى انه، “في هذه الأثناء، يتزايد عدد الجهاديين، لأنهم يحظون بمساعدات عسكرية ومالية موعودة”. وحسب عدد من الخبراء فان هذه الأموال تأتي بالدرجة الأولى من رجال اعمال خليجيين.

من أجل بعث تلك المعارضة “المعتدلة” اجتمع “اصدقاء سوريا” (المانيا، العربية السعودية، مصر، الامارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الأردن قطر، وتركيا) منذ أسبوعين في لندن. وقد تمكنت الدول الإحدى عشرة التي يتشكّل منها هؤلاء “الأصدقاء”، من الاتفاق على الاستمرار بدعم المعارضة والمجموعات المسلحة المعتدلة، وعلى حثّ الائتلاف السوري على المشاركة في مؤتمر جنيف 2. ويتابع المصدر الديبلوماسي شرحه: “الفكرة هي إحضار كل الأطراف السورية المتصارعة إلى طاولة المفاوضات، إلا الذين تغمست أياديهم بالدماء، إلا بشار الأسد”.

ولكن الائتلاف السوري المعارض لم يحدد موقفه بعد من جنيف 2. والمشكلة، حسب انياس لوفرييه ان المعارضين لم يتلقوا أية ضمانة حول رحيل بشار الأسد؛ اما المجموعات الجهادية التسع عشرة، فقد انتابتها الريبة، وتكلمت عن “خيانة” كل من يشارك من المعارضة في هذا المؤتمر. الا ان العنف شيء خاص في لغة المقاتلين، بل هناك، حسب المصدر، “تقدم في العمق”؛ إذ انتقل النقاش من المشاركة في المؤتمر الى رحيل بشار، فيما المفاوضات لا تزال جارية.

لكن المشكلة الآن هي ان بشار الأسد قد أعيد تعويمه عبر الإتفاق الأميركي الروسي بنزع الترسانة الكيمياوية السورية. ما جعله المحاور الضروري للأسرة الدولية، وساعده، بفضل دعم موسكو، على تهميش الاطار المعارض السوري المنظم، ومن فرض شروطه بنوع من الإطمئنان. فبعدما اتهم الائتلاف بالعمل تحت إمرة الغرب ودول الخليج، صار يصرح بأن ظروف إنجاح مؤتمر جنيف 2 “لم تتوفر بعد”.

والاشارة الأقوى حول صعود بشار الراهن هو ما قاله الأخضر الابراهيمي من أن مشاركة ايران في هذا المؤتمر “طبيعية وضرورية”. بل أكثر من ذلك، بشار نفسه رشح نفسه للانتخابات الرئاسية في 2014.

[أمين آرفي مجلة “لوبوان” الفرنسية (29 تشرين الأول 2013)

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى