سلامة كيلةصفحات سورية

كيف تبخّر الجيش العربي السوري؟/ سلامة كيلة

 

 

في خطابٍ أخير، تحدث بشار الأسد عن وضع الجيش السوري، وأشار إلى الأزمة التي يعانيها، حيث تقلص عديده، وبات المطلوبون للخدمة يتهربون من الانخراط فيه. ومن ثم توصّل إلى أن سورية هي “لمن يدافع عنها”، أي القوى التي أتت من كل أصقاع العالم، وليس من حزب الله والميليشيا الطائفية العراقية والحرس الثوري الإيراني فقط. كيف وصل الجيش إلى هذا المستوى من قلة العدد، والعجز عن الحرب، بعد أن بات عديده أقل من 150 ألف جندي، بعد أن كان يقارب الأربع مائة ألف؟

أولاً، يجب أن نميّز بين “البنية الصلبة” التي كان يعتمد النظام في بقائه عليها، وهي الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وبعض الوحدات الخاصة، وجزء ضئيل من الوحدات العسكرية الأخرى، وبين باقي الجيش الذي يتشكل من كل الشعب السوري، بينما تشكلت “البنية الصلبة” من علويين وبعض الأقليات، وكان بعضها (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري) استمراراً لسرايا الدفاع التي كانت تخضع لرفعت الأسد. وقد استخدم النظام منذ 18 مارس/ آذار سنة 2011 الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وبعض الوحدات الخاصة، في مواجهة الحراك الشعبي السلمي، ثم المسلح. وظلت هذه القوى الأساس الذي يستخدمه لقمع الشعب، مع محاولاتٍ، في المراحل الأولى، لزج بعض وحدات الجيش. لكن، تحت سيطرة أمنية مشددة. وجرى التعامل مع رافضي إطلاق النار على الشعب بالإعدام، وهذا هو سبب قتلى الجيش في الأشهر الأولى للثورة. وكان من هؤلاء علويون، وكانوا يعاملون بشكل أشدّ قسوة حين يظهر التردد لديهم، أو إظهار المعارضة، أو حتى الشك فيهم.

بعد عام من الثورة، وبعد انتشارها في معظم سورية، ومع التحوّل إلى العمل المسلح لدى قطاع من الشباب الذي تظاهر أشهراً سلمياً، كان وضع الجيش صعباً، حيث ضعفت الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، فاستعان النظام بالشبيحة بشكل أكبر. وكان الأخطر في حالة الاحتقان التي باتت تنتشر في الجيش، بعد أن رأى قصف مدنه وقراه وأحيائه، حيث ازدادت حالات الانشقاق، وأصبحت إمكانية حدوث انشقاق كبير واردة وممكنة. لهذا قام النظام في أبريل/نيسان سنة 2012 بخطوة مهمة، بعد أن قرَّر الانسحاب من شمالي سورية، نتيجة شعوره بنقص قواته، وخوفه من انشقاق “مؤلم”. وقد أتبع ذلك بوضع مختلف قطاعات الجيش في معسكرات مغلقة، أي من دون إجازة أو اتصال، لكي يضمن وقف حالات الانشقاق التي توسعت حينها. لكنه كذلك عمل على إطلاق “الجهاديين”، وسهّل لهم تشكيل قوى تعمل على السيطرة على المنطقة التي انسحب منها. وقد لعبت دوراً خطيراً في مواجهة الثورة، بعد أن تعمم الوهم أنها آتية لدعم الثورة. وأصبحت لعبة “الجهاد” تصبّ في خدمة سياسة النظام الذي أراد تشتيت الثورة، و”ضربها من الداخل”.

نهاية سنة 2012، كانت “البنية الصلبة” تعاني من التقلص والصعوبة في الاستمرار في

” لعبة “الجهاد” أصبحت تصبّ في خدمة سياسة النظام الذي أراد تشتيت الثورة، و”ضربها من الداخل” الحرب ضد الشعب. لكن، من دون أن يستطيع النظام استخدام فرق أخرى. طبعاً هذا ما فرض دخول إيران على خط الحرب المباشرة، بإرسال حزب الله، ثم المليشيا الطائفية العراقية والحرس الثوري الإيراني. وصولاً الآن بالتدخل الروسي لـ “منع سقوط النظام”.

تدمرت “البنية الصلبة”، ولم يبقَ منها سوى القليل (لحماية السلطة في دمشق). لكن، ظهر واضحاً أن حالات الفرار من الجيش توسعت كثيراً ليصل العدد المتداول إلى أكثر من مائة ألف جندي وضابط، وإلى خسارة “البنية الصلبة” والجيش أكثر من مائة ألف، هم، في الغالب، من الساحل السوري. وبهذا، تراجع عديد الجيش إلى العدد المتداول، خصوصاً أن كل الشباب المطلوب للجندية (بما في ذلك العلويون والدروز والمسيحيون)، بات يتهرّب من الالتحاق بالجيش، والهرب خارج سورية، أو إلى الجبال (كما في الساحل). ولهذا الميل أهمية، لأنه يشير بوضوح إلى رفض هؤلاء الشباب هذه الحرب ضد الشعب، التي باتت تظهر دفاعاً عن سلطة نهبت البلد، وسحقت الشعب، بما في ذلك العلويون والأقليات.

إذن، تكسرت “البنية الصلبة” في مواجهة الشعب، وشل الاحتقان باقي الجيش، الذي هو من الشعب الذي يُقتل وتدمر بيوته. وأدى ذلك كله إلى هروبٍ كبير، بعد أن بات الانشقاق مستحيلاً، هروب تمثّل في الفرار من الجندية، والفرار من الخدمة العسكرية. فالجيش هو من الشعب، ولم يكن ممكناً له أن يقتل الشعب، ولأن بنية الجيش التي صنعها حافظ الأسد عبر السيطرة الأمنية على كل قطاعات الجيش لا تسمح بأن يتحرّك كجيش كما حدث في تونس ومصر، وحيث تنبه النظام لخطر الانشقاق، فعمل على حصر الجيش في معسكرات مغلقة، كان طريق الانشقاق هو الفرار من الجندية ورفض الالتحاق بالجيش.

لهذا، نجد أن “البنية الصلبة” ضعفت كثيراً، وباتت عاجزة عن حماية السلطة، كما أن الجيش بات خارج الصراع، نتيجة الخوف السلطوي منه. وبالتالي، أصبحت السلطة على شفير الانهيار كما لاحظنا نهاية سنة 2012، وأيضاً بعد ذلك. لكن، أخذت قوات إيران تعوّض عن هذا الضعف، لكي تضمن انتصار السلطة. لنجد الآن أنها فشلت، وأن كل القوى التي أرسلتها عجزت عن سحق الثورة، بالضبط لأنها ثورة. ومن ثم دخلت روسيا على خط الحرب، لتمنع سقوط الأسد، وهذا ما جعلها تبدأ في قصف المناطق التي حققت الثورة فيها تقدماً مهماً في الأشهر السابقة، في إدلب وريف حماة وسهل الغاب، وكذلك ربما في درعا. ولقد أتت بقوة نيران هائلة، لكي تزيد في التدمير والقتل، لكن نتيجة ذلك كله فشل روسيا، بالضبط لأن ما يجري هو ثورة شعب.

بهذا تبخّر “الجيش العربي السوري”، ولم يعد فاعلاً في الحرب التي باتت تخوضها قوى خارجية جاءت لدعم السلطة التي أعطتها مصالح كبيرة، لكي تحافظ على استمراريتها في السلطة، وإنْ أدى ذلك إلى تدمير سورية، وقتل الشعب وتشريده.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى