كيف تصبح شاعراً في أربعة أيام/ إبراهيم نجم
في أربعة أيام فقط، أمسيتُ شاعراً مثيراً للجدل، لي عدد لا بأس به من المتابعين عبر الفيسبوك، ولي أعداء ونقّاد أيضاً، بل وعندي غلاف لديواني الأول الذي حمل اسم “وجب التنويه”. كل هذا دون أن أكتب قصيدة واحدة!
خضت ومجموعة من الأصدقاء من خلفيات أدبية وفنية تجربة افتراضية عبر العالم الافتراضي الفيسبوك، مطبّقين عوامل ومعايير ظهور شاعر ما فجأة على الساحة، بالتزامن مع مشهد ثقافي يزداد ترهّلاً يوماً بعد يوم، تجربة تشبه إلى حد ما تلك التجارب العلمية التي تهدف لتشخيص الخلل وإعطاء أمثلة حيّة لا افتراضية.
في اليوم الأول، قام الشاعر محمد دقّة بنشر خبر صحافي على صفحته يشيد بـ”قصيدة” لي حملت عنوان “ظَلمتُكِ”، وتراوحت التعليقات بين الفضول والاستهجان أن يطلّ شخص نكرة بين ليلة وضحاها بقصيدة مهمة ومجددة في الشعر. وتلقيت عدداً لا بأس فيه من طلبات الصداقة من “شعراء” و”شاعرات”. في هذه المرحلة أعتقد أن الفضول هو ما جذبهم.
في اليوم الثاني، نشر الشاعر ضياء البرغوثي نقداً إيجابياً عن القصيدة نفسها، الأمر الذي أثار حفيظة البعض. في هذا اليوم زاد عدد طلبات الصداقة بشكل أكبر، وتعدى مرحلة الفضول بقليل.
أما في اليوم الثالث، وبمنشور مطول للشاعر عامر بدران، أشاد بالقصيدة منتقداً من خلالها “الشللية” في ظهور بعض الشعراء، تبعه منشور للفنان باسل زايد يعرب فيه عن فرادة القصيدة وأنها أجمل نص يعمل على تلحينه. هنا، بات عدد لا بأس به ينتظر قصيدتي الملحمة، وتعدت طلبات الصداقة عبر فيسبوك المائة بين معجبين وشعراء.
في اليوم الرابع، قام المصمم الغرافيكي كامل قلالوة بتصميم غلاف لديواني الأول، وقمت بنشره. بدأ عدد من الأصدقاء، ممن يعرفون عن “التجربة”، بإعادة نشر الغلاف مع المباركة بهذا الإنجاز العظيم، وما هي إلا ساعات قليلة حتى هلّت المباركات من معظم البلدان العربية، وطلبات الصداقة لا تعد ولا تحصى، ورسائل خاصة: “… مبروك شاعرنا المبدع إبراهيم نجم ديوانك الجديد…”.
بعد اليوم الرابع، انقسم المشهد بين مجموعة تعرف أن ما يحدث ما هو إلا سخرية جماعية على ظاهرة تعاني منها معظم بلداننا العربية، ولم يعلّق أفرادها علانية، فهم من جامل ويجامل أعمالاً وشعراء بشكل يومي أقل ما يمكن وصف منتوجهم بالرديء. ومجموعة أخرى انقسمت بين معجبين بالفطرة بمن هو شاعر، وبين من يقتلهم الفضول.
وبما أني بِتّ شاعراً، وقبل اعتزالي الشعر بعد نشر هذه المادة، أرى أن هذا المشهد المسخ صار إلى ما صار إليه بسبب ما يلي جملة عوامل، من بينها: – المجاملة بين “الشعراء” سراً وعلانية، إذ لا يجرؤ أحد على النقد، فنحن في زمن الفيسبوك، وأي نقد صريح يعني خسارة “لايك” وخسارة ترشيحات لأمسيات هنا وهناك.
المعجبون والمعجبات، الذين يرون في لقب شاعر شيئاً مغرياً، ولعله حافز من يدعي الشعر مؤخرا، ومتابعة “الشعراء” تجري عندما يضغط “شاعر” ذو متابعة عالية “لايك” لـ”شاعر” آخر، أو يمتدح “شعره”، كما حدث في تجربتنا هنا. فيصبح الشعراء خبراء في مواقع التواصل الاجتماعي ومواعيد النشر فيها أكثر من خبرتهم في الشعر نفسه.
“دور النشر” ومنابر الشعر، ففعلا من هب ودب يستطيع نشر ديوان أو كتاب لو امتلك ألف دولار ليدفعها لـ”الناشر”، وأما الأمسيات ومنابرها فهي أيضاً متاحة لمن هب ودب. أما “الصحافة الثقافية” و”المواقع”، فحدّث ولا حرج.
وأستطيع، بناءً على “تجربتي”، أن أقترح شيئاً مفيداً هنا لمن ينشرون ادعاءاتهم، وبدلا من أن ينتهي المطاف بتلك “الدواوين” إلى النسيان، أقترح أن يخصص هؤلاء صفحات بعد الهراء الشعري للكلمات المتقاطعة وزاوية أبراج، وأخرى لوصفات أكل شعبية، وأخيراً بعض الرسومات ليلونها الأطفال، وهنا نستطيع أن نرفق هدية مع الديوان علبة ألوان مجانية.
بهذه الطريقة نصدر ديواناً لجميع أفراد العائلة. وهو مقترح مثالي كما نظن إلى حين انتهاء هذه المرحلة الفيسبوكية من الشعر العربي.
* موسيقي من فلسطين
العربي الجديد