كيف نفهم معركة دمشق؟
مهنا الحبيل
بعد أيام من تفجير خلية الأزمة الإرهابية التي قضت على نخبة القيادة في غرفة العمليات المركزية لإدارة حرب نظام الأسد على الشعب السوري، أعقبها تقدم نوعي لكتائب الجيش السوري الحر في أحياء دمشق وفي حلب وفي ريف حلب وريف دمشق، ثم انتشار واسع وصل إلى مواقع الحدود مع العراق وتركيا وأسقطها في يد قوات الجيش الحر، هذا التتابع الكبير في سياق أرض المعركة جعل كثيرا من الرأي العام العربي يتعلق بمشهد ختامي واحد سريع إثر تتالي التيوبات من أرض المعركة لهذه الانتصارات.
وتكثفت هذه الآمال مع حالة عصر وجداني لا تزال تذبح يوميا بل وبكثافة جراء تراكم الإرهاب النازي الوحشي لقوات الأسد والدعم الإيراني له، فأضحى سقوط المدنيين يتكثف عبر الذبح والقصف المباشر خاصة لحلب ودمشق اللتين باتتا تتقدمان خريطة الكفاح العسكري للتحرير، كل ذلك جعل البعض يتعلق بتاريخ محدد قريب لإنجاز النصر، وهو ما لم يكن تقديرا دقيقا حين وضع في أيام أو أسابيع قليلة، وإن كان هذا النصر القريب يتقدم بقوة لكن وفقا لإستراتيجية حرب شرسة تحتاج أرضا ومساحة زمنية لتحقيق النصر الشامل، ولتنظيم الفكرة حول معركة دمشق نحتاج أن نرصد الموقف بدقة وفقا لنقاط متسلسلة:
1- يجب معرفة أن هذا التقدم النوعي للمقاومة وكفاح الثورة العسكري صعد بصورة متدرجة، وهو ما أوصل كتائب الجيش السوري الحر إلى هذه المرحلة من الزحف العسكري المباغت للنظام في دمشق والتقدم القوي في ريفها وريف حلب ثم اختراق حلب عسكريا.
2- انضمام حلب القوي للثورة السورية العلني جاء كأحد انعطافات الثورة السورية المركزية، مع أن حلب كانت شريكة بقوة في الثورة، ولكن هذا المفصل العسكري والالتحام الثوري والفدائي لها كان ضمن هذا التدرج الحيوي جدا للنصر.
3- ما أنجزه تحالف الحراك الثوري المدني مع الجيش السوري الحر خلق هذا التقدم المركزي الكبير في أحياء دمشق، وسهل مهمة الوصول إلى مواقع رئيسة، وخاض ولا يزال يخوض حرب اشتباكات متقطعة داخل العاصمة دمشق.
4- ونضيف إلى هذين الإنجازين حركة التقدم الواسع لكتائب الجيش السوري الحر في مساحة الجغرافيا القومية لسوريا في مدن عديدة وأرياف واسعة وصلت للحدود.
5- هذه الحالة لم تأت إلا عبر تضحيات كبيرة من الحراك المدني الثوري والجيش السوري الحر، وهي بذاتها مرحلة ضخمة جدا في طريق إحراز النصر، لكن من الخطأ البالغ أن نربطه بتاريخ محدد قريب ونرهق به الحالة المعنوية الإعلامية للثوار، وقد يسوغ بل هو جزء من إستراتيجية الحرب إبراز هذا النصر الحقيقي، وهو بالفعل انكسار إستراتيجي في رحلة انهيار النظام، لكن الحسم في الجدول الزمني الآن خطأ، وهو مرهون فقط بغرفة عمليات دمشق وحلب والغرفة الموحدة للخطة العسكرية الشاملة للثوار.
6- هذا الإنجاز مر بحالة صعبة جدا ونصر نادر التكرار في التاريخ الإنساني المعاصر، حيث تعرض لحصار وتعاون دولي ضده وتدخل عسكري من موسكو وإيران وأحزابها، ومع ذلك وصل لهذه المرحلة، ولذلك فإن ما يجري من استخدام النظام سلاح الطيران هستيريا كان جراء هزيمته الكبرى في هذه المرحلة، وهي قضية صعبة تواجه الجيش السوري الحر وضحاياه المدنيين، لكن من المعروف أنه -أي القصف الجوي- لا يمكن أن يحسم الأرض وتبقى قدرة الثورة الأرضية أكبر وأقوى.
7- من هنا يتبين لنا إعادة تقييم المعركة التي تقدمت لكل هذه المواقع وأحرزت خريطة اختراق عسكري إستراتيجي لا يؤثر فيها تراجع هنا أو هناك، لأن مجمل المواقع العسكرية في هذه الخريطة تعني أن النظام وضع تحت الحصار الزاحف، ولكنه يقتص من المدنيين، ولو زود الثوار بدفاعات جوية لتعزز سقوطه سريعا، لكن التقصير الضخم عربيا وإسلاميا لا يزال قائما في هذا الملف.
8- ما يجري من انشقاقات ضخمة أضحى حالة استنزاف كبرى للنظام تصب يوميا في صالح الجيش السوري الحر مع كميات من الأسلحة والذخيرة ومعلومات إستراتيجية، والأهم من ذلك نجاح الجيش السوري الحر في زرع خلايا للمقاومة داخل قوات النظام.
9- ظروف ومسار تشكل الجيش السوري الحر كقوة دفاع شعبية لم تخضع لأي إرادة خارجية ولم تتلق دعما عسكريا أو أرضا تعقد فيها اجتماعات مركزية وتنظيم إدارة تفصيلية خلقت ظروفا قهرية له، فكان من الطبيعي أن تتشكل الكتائب على الأرض ثم تتواصل تنسيقيا.
10- هذا الظرف الصعب بدأ الجيش السوري الحر بالتغلب عليه من خلال إقامة المجالس العسكرية للمدن، وهو ما نظم عملية تبادل للخطط وإستراتيجية حرب التحرير، وبدأ عمله يتكرس بوضعية أكبر وأدق، وإن كان لا يزال يحتاج للمزيد من التنظيم وحصر الخطاب الإعلامي العسكري.
11- التفهم لجيوإستراتيجية المعركة يوضح أن طبيعة الثورات الشعبية المحاصرة تتخذ مسارا منبسطا على الأرض ثم تتكثف مركزيا، وهو ما يجري حاليا في سوريا، وقد جرى في مناطق أخرى.
12- ومع هذه الصعوبات فإن الجيش السوري الحر وفي مواجهة تسعير طائفي من النظام رتب خطابه وعلاقاته على الميدان، وأكد للعالم علاقته وجسوره وتنسيقه مع المكونات التي لا يزال أبناؤها يشاركون في الانشقاق والتنسيق مع الثورة.
13- هذا لا يعني عدم وجود أخطاء أو بعض الاجتهادات في جغرافيا واسعة وشعب شن عليه أكبر عملية ذبح على مدنييه من أطفاله لعجائزه، لكن كل ذلك فشل في إضعاف البناء المعنوي والإرادة السياسية للثورة وعظم المسؤولية لدى قيادة الجيش السوري الحر وكتائبه التي نجحت على الأرض وقادت الثورة مع الحراك المدني كثورة شعبية وطنية من الطبيعي تماما أن تكون لها جذور إسلامية، فهذا هو دين الشعب وحضارته التي لا تظلم طائفة ولا تهضم أقلية فيه.
14- من هنا يتبين لنا أن الهجوم على الجيش السوري الحر من إعلام إيران والإعلام الطائفي وقوى التطرف العلماني العربي للعهد القديم لعلاقتهم الفكرية مع النظام هو إحدى وسائط الطعن والتشكيك ووضع العراقيل أمام انتصار الثورة السورية، فزعا من سقوط آخر معاقل العهد القديم لخيانة المثقف العلماني المتطرف والمثقف الطائفي مع نظام الأسد القائم مذ أربعة عقود.
15- وهذا لا يعني رفض كل نقد من المخلصين للثورة الذابين عنها من أبناء سوريا أو خارجها، لكن طبيعة النقد وظروفه معروفة في لغتها وتقديرها للموقف وتقييمها لما هو رد فعل او فعل ذاتي، والمهم الآن أن تعزز لغة التنسيق والتوحد بين المجالس العسكرية وتواصل التحامها مع الفرق المدنية الثورية، وهي القوة التي بإذن الله ستحرز النصر عمليا وتنسق الموقف المدني الوطني لسلامة كل فرد وضمان حقوقه عند أول استقرار جزئي أو كلي حسب طاقة الثورة وقدرتها، حتى يكتمل النصر.
16- من المهم في هذه المرحلة توافق المجالس العسكرية والحراك المدني على اختيار فريق يعد ويحتفظ بأسماء عناصره: يعلن في الأيام الأولى -الهيئة العليا للإدارة الانتقالية لسوريا الجديدة-، هذه الهيئة ستكون مكلفة بالإعلان الإعلامي الأول والقيادة السياسية الميدانية الموحدة لكل أبناء الشعب في القطر السوري، وستضمن ربط قوى التطوع المدني للتنظيم المعيشي والحياتي والأمن المجتمعي الذي كان من صالح الثورة الكبرى وجوده على الأرض في كل أحياء سوريا عبر تنسيقياتها.
17- هذه المرحلة من الإدارة لا بد أن تسبق أي مشاركة أو إشراف من المجلس الوطني السوري بعد إعادة صياغته مع الداخل، حيث سيحتاج هذا التنظيم إلى وقت، في حين أن الهيئة الإدارية العليا ستؤمن هذه المرحلة، والجميع سيدرك بروح المسؤولية ضرورة الاستفادة من كل عناصر أي نجاح دبلوماسي حققته الثورة السورية في الداخل والخارج والبناء عليه لا هدمه أو الصراع معه، مع فطنة الجميع لعزل أي مشروع يصنعه الرواق الدولي والعربي لبديل للنظام من خارج مشروع الثورة وإرادتها تحقيقا لمصلحته وليس لحرية الشعب العظيم.
18- إن من صالح الثورة السورية اكتمال هذه العناصر الآن ومعالجة الأخطاء التي من الطبيعي صدورها، بما فيها بعض الجدل بين مجموعات في الميدان أو الخارج، وبالتالي تؤسس الثورة السورية لمعركة الحسم المركزي بأكبر إدارة ممكنة لها.
19- من المهم أيضا ضبط التسريب الإعلامي للإنجازات العسكرية وعزل ذلك عن المحبين من مشايخ أو مثقفين في الخليج وغيره أو شخصيات إعلامية حتى الإعلان الرسمي عنها من الناطق المعتمد للكتائب أو القيادة العامة للجيش السوري الحر، وعزل الميدان العسكري عن الاتصال المباشر من مواقع الزحف وغرف العمليات، فهذا التسريب أفاد منه النظام كثيرا، وحين يعلن من الجهة المخولة يقوم كل المناصرين والمحبين بدعم هذه الأنباء وتعميمها، وهذه ضرورات حرب لا يجوز لأحد أن يخرقها مهما بلغ حبه ودعمه للثورة.
20- خطة الزحف التي يعد لها والمناورة على توقيتها توجه جيد جدا من غرف العمليات الموحدة، من الضروري أن تسبق بأكبر قدر ممكن من تأمين الحالة المدنية في الخطة وما بعدها.
21- كل عناصر القوة في تقدم الثورة السورية متحققة رغم كل الخذلان وقلة الدعم، ومعركة دمشق الحاسمة سواء نفذت في أسابيع أو أشهر تسير بمنظور تقدم إستراتيجي حاسم، بعد أن تمكنت في المعارك والانتصارات السابقة من تثبيت قدرتها المستقلة الصعبة على الأرض، وهذا هو المهم.
والمطلوب بإلحاح هو دعم هذه الثورة بالسلاح النوعي والدفاعات الجوية وفتح كل دول الجوار حدودها وتكثيف الضغط عليهم من كل القوى الشعبية والشخصيات العامة المؤيدة للثورة السورية لاستقبال المدنيين ودعم تأمين نزوحهم لوجستيا بالتعاون مع الجيش السوري الحر، وأما النصر فهو موعود مرصود.. لشعب قدم قرابينه لله وللحرية في معارج الخلود.
الجزيرة نت