رضوان زيادةصفحات سورية

كيف نمنع تقسيم سورية؟/ رضوان زيادة

 

 

 

تكثر التحليلات والاقتراحات داخل مراكز الدراسات في واشنطن حول كيف يمكن حكم سورية بعد انتهاء الصراع المسلح الدائر فيها، وتصب غالبية هذه التحليلات على فرضية تقوم على تقسيم سورية. البعض يذهب إلى الحد الأقصى بالمطالبة بالتقسيم الجغرافي وآخرون يقترحون تقسيماً مناطقياً على أساس حكم ذاتي، وربما كان آخر هذه الاقتراحات من معهد «بروكينغز» الشهير، إذ طلب مايكل اوهانلون مدير البحوث والسياسة الخارجية في المعهد «بأن تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة العديد من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال سورية وشرقها». ورغم أنه يقر بأن الولايات المتحدة يجب «أن لا تقبل بأي حال من الأحوال الدول المستقلة السورية التي قد تنفصل رسمياً عن مركز البلاد»، فإنه يقر بأن «هذه المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي قد تساعد في بناء مرحلة انتقالية تضمن خروج الأسد يوماً ما من السلطة، وعندها يمكن أن ينظر مؤتمر دستوري بين السوريين في خياطة البلاد معاً في اتحاد أقوى».

ويضيف: «على النقيض من قضية كردستان العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تصر على أن تكون هناك على الأقل اثنتان من مناطق الحكم الذاتي الكردي في سورية المنفصلة التي لن تتمكن من الانضمام أو الاستقلال بسبب وجود القوات التركية حالياً في سورية لضمان مثل هذا الفصل». ولذلك، يشير الى أن «على واشنطن أن تؤكد دعمها لهذا الوجود العسكري التركي إلى أجل غير مسمى داخل سورية، حتى بعد تحرير الأجزاء الشرقية في سورية من داعش، وذلك للسماح لأنقرة بمراقبة الأكراد وضمان استمرار انفصالهم إلى كيانين منفصلين. هذا الوجود التركي في شمال سورية يمكن أن يساعد أيضاً في مراقبة حركة الأشخاص والأسلحة عبر الحدود السورية – التركية، مما يخفف من مخاوف أنقرة من أن الأكراد في سورية سيساعدون عسكرياً الانفصاليين الأكراد و / أو الإرهابيين في تركيا». وينتهي إلى أن «القوات التركية ستكون في نهاية المطاف جزءاً من قوة حفظ السلام الدولية التي تتفاهم مع القوات الروسية الموجودة في القطاعات الغربية للبلاد، مما يحسن من احتمالات أن تتطابق موسكو مع هذا النوع من المفهوم.»

وعلى الولايات المتحدة كما يضيف «أن تساعد الأكراد على بناء قوات الشرطة المحلية بعد هزيمة داعش، كما هو متوقع كجزء من تفويض السلطات إلى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي. ويمكن أن توفر أيضاً منصة للاستخبارات الأميركية لرصد أي تحركات للأسلحة الكردية أو المقاتلين عبر الحدود السورية التركية حتى يمكن السيطرة على هذه الحركات أو تقليصها من جانب الأتراك».

وهو لذلك في النهاية يقترح تقسيم سورية مناطقياً وموقتاً على الأقل إلى ثلاث مناطق: الشمال السوري تحت سيطرة الكرد ومن خلفها القوات الأميركية وتتقاسم النفوذ مع القوات التركية، والغرب تحت سيطرة القوات الروسية، والجنوب يبقى تحت سيطرة النظام السوري لكن تحت مراقبة وعيون إسرائيلية لحساسية هذه المنطقة لإسرائيل وتضمن روسيا المصالح الإسرائيلية هناك.

تجرى الأمور على الأرض في سورية وفق ما يعرض جزء كبير من هذا التحليل، فالولايات المتحدة تدعم القوات الكردية متمثلة في «قوات سورية الديموقراطية» وتدعم سيطرتها على مناطق عربية صرفة، مثل دير الزور والرقة، ورغم أن البيان الختامي للتحالف الدولي ضد «داعش» لم يشر أو يدعم أياً من هذه الأفكار وركز على ضمان مرحلة انتقالية في سورية عبر مفاوضات جنيف، كما تحدث عن الحاجة إلى «نهج متكامل ومتعدد الأبعاد وشامل لهزيمة تنظيم داعش وشبكاته العالمية»، إلا أننا عندما نرى كيف تتطور الأمور في سورية في المعركة ضد «داعش» فإنها بعيدة كل البعد عن هذا «النهج الشامل». كما يعلم الجميع أن «داعش» ولد كفرع من تنظيم «القاعدة» أعلن لأول مرة عن نفسه في العراق ثم اكتسب موطئ قدم في أوائل عام 2013 في سورية، وبعد السيطرة على الرقة، ركز «داعش» على السيطرة على الأراضي بدلاً من المساهمة في القتال ضد حكومة الأسد كما فعل تنظيم «القاعدة» متمثلاً في «جبهة النصرة». لهذا السبب فقدت المعارضة السورية المسلحة الآلاف في معركتها ضد «داعش»، كما أن القضاء على هذا التنظيم في هذه المعركة والتركيز فقط على القوات الكردية سيكونان بمثابة فشل كبير في الاستراتيجية برمتها، عبر تعزيز مخاوف السوريين من التقسيم وإنشاء مناطق الحكم الذاتي الكردي وغيرها، ولذلك من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى دعم قوات النخبة السورية (سيف) وهي جماعات من القبائل السورية بخاصة قبيلة الشعيطات التي ارتكب «داعش» بحقها الكثير من المجازر في عام 2014، وقد ساهمت قوات النخبة هذه في المعركة ضد «داعش» في العديد من المناطق السورية، كبلدة الشدادي قرب دير الزور وبلدة الكرامة قرب الرقة وتمكنت من تحريرها، رغم أنها تعد من أقوى مناطق «داعش» تحصيناً حيث يقبع بالقرب منها جبل المنخر الذي يضم أسوأ سجون «داعش» صيتاً في سورية، ولذلك فإن الاستراتيجية الأميركية في تحرير الرقة بالاعتماد على الكرد ستؤدي إلى فشل ذريع حتى لو تمكنت هذه القوات من تحرير الرقة على المدى القريب.

إذاً، رفضت الولايات المتحدة أي دور تركي في المعركة ضد «داعش» في الرقة واعتمدت فقط على «قوات سورية الديموقراطية» التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية بسبب ارتباطها بـ «حزب العمال الكردستاني»، فإن عملية تحرير الرقة تستغرق وقتاً أطول، وربما شهوراً، لأن تركيا ستمنع خط الإمدادات للجماعات التي تقاتل «داعش» في شمال سورية. فقد رفضت تركيا السماح للمساعدات الإنسانية والعسكرية بالمرور عبر أراضيها، حتى للمنظمات الإنسانية العاملة في المناطق التى يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي. ولا يتوقع أن تستعيد تركيا عملية بناء الثقة مع أميركا، فالشريكان في حلف شمال الأطلسي على خلاف كبير نشأ بعد معركة منبج. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الاستنتاج البسيط هو أن الكفاح ضد «داعش» في الرقة سيتأخر أكثر من ذلك.

إذا قررت الولايات المتحدة إدراج تركيا في استراتيجيتها ضد «داعش»، لا سيما أن البيان الختامي لاجتماع التحالف الدولي يثني على عملية «درع الفرات» التي سمحت للجيش التركي بإبعاد «داعش» من الباب وجرابلس ومناطق أخرى، فإن ذلك سيفتح الباب أمام دور تركي في المستقبل بخاصة في الرقة. لكن تركيا أصرت على أنه لا يمكن أن تعمل مع «قوات الدفاع الذاتي» كشريك فى تحرير الرقة، ويجب أن يكون جيشها وحيداً جنباً إلى جنب مع مجموعات من «الجيش السوري الحر» التي تتعاون مع تركيا في عملية «درع الفرات».

على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على التوفيق بين دور تركيا وقوات النخبة ممثلة في «سيف» (القبائل السورية) وإلا فإن المعركة في الرقة سوف تستغرق وقتاً أطول وتحتاج المزيد من الموارد، كما يجب على الولايات المتحدة أن تؤمن طرقاً لإجلاء المدنيين في الرقة، وأن تضع استراتيجية لإعادة بناء الرقة بعد تحريرها من «داعش». من دون ذلك تصبح المشاريع التي تطرح اليوم لتقسيم سورية حقيقية على الأرض.

* كاتب سوري وباحث في المركز العربي في واشنطن

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى