صفحات العالم

كيف يتوزّع آل الأسد السلطة والثروة؟


كريستوف اياد

من يقود سوريا البعث؟ رجل بعينه، أم عائلة، طائفة، قبيلة ام طبقة؟ الجواب: جميعهم معا ومنفردون. فاذا اخذنا كل واحدة من هذه العناصر جانبا، لن يكون بمقدورنا ان نفسر مصادرة بشار الأسد لبلده على الرغم من التظاهرات والعقوبات. كل ما فعله بشار انه ورث عام 2000، اثر وفاة والده، جهاز سلطة غير عادي بناه حافظ الأسد بصبر خلال ثلاثة عقود. وهذا الجهاز عبارة عن مصالح عائلية وولاءات قبلية ومصالح اقتصادية وقبضة أمنية وتسلّل حزبي الى مؤسسات الدولة… هذا الجهاز المركّب هو من صنع الأسد الأب وحده، لا أحد غيره. وعندما صعد بشار، اضاف اليه لمسته الشخصية بتهميشه حزب البعث لصالح طبقة جديدة من رجال أعمال ذوي جشع غير عادي وقدرة خيالية على تكديس الثروات.

وقد تكون احدى الحوافز العميقة للانتفاضة التي تشغل سوريا منذ آذار من العام الماضي، هو تحديدا غياب الدور الذي لعبه حزب البعث بصفته الآلية الوحيدة المتوفرة لتحقيق نوع من الترقّي الاجتماعي والاقتصادي. بالاضافة الى الحرية، فان ما لا يتوقف المتظاهرون عن المطالبة به هو الحد الادنى من الكرامة. الكرامة في وجه اجهزة امنية تراقب حياتهم في ادنى تفاصيلها، وايضا كرامة الذين لا يملكون شيئا مقابل الذين يملكون كل شيء ويريدون المزيد.

والنظام الذي يواجه التحدي الأكبر منذ وصول آل الأسد الى السلطة، عاد الى اساسياته، تجنّبا لتفكّكه: هناك اولا العائلة، ومن بعدها الطائفة. العلويون، وهم يشكلون 10% من بين الطوائف السورية الاخرى، ليسوا كلهم بالضروة انصار النظام، ولكنهم بالتأكيد بمثابة رهائنه. ومع ذلك فان تمثيلهم في الاجهزة القمعية يفيض عن نسبتهم. ويعود هذا الخلل الى ايام الانتداب الفرنسي، بين الحربين العالميتين، عندما شجع المسؤولون الفرنسيون ابناء هذه الطائفة الفقيرة المهمشة على الانخراط بأعداد كبيرة في الجيش. لكن ما اضافه حافظ الأسد هو توليد اجهزة استخباراتية بغرض مراقبة بعضها البعض، فضلا عن اختيار علويين مخلصين له، خصوصا اولئك المنتمين الى قبيلة آل الأسد.

ايضا من العبث القول بأن النظام السوري لا يستند الا الى العلويين. فضباط كبار من الطائفة السنية ينشطون بقوة ايضا في قمع المتظاهرين. ولكن النظام يحرص دائما على احاطتهم بضباط علويين. والنظام يجند ابناء هذه الطائفة العلوية للخدمة في مجموعات الشبيحة، وهي الميليشيات المسلحة الشرسة، التي تقوم بالـ»أعمال القذرة»، مثل الاغتصاب والقتل بالسلاح البيض والتعذيب والسرقة واشعال الحرائق الخ.

وقصة الشبيحة مثيرة للاهتمام: بدأت في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وكانت تجمع لصوصا يعملون لصالح الرجل الفاشل في العائلة، جميل، شقيق حافظ الاسد. وفي تسعينات القرن الماضي، تعرض الشبيحة للتوبيخ، العنيف احيانا… وذلك إعدادا لخلافة الأسد بصورة «نظيفة»، تحجب قمعية النظام. وعندما اندلعت الثورة في آذار من العام الماضي، اعيد تنشيطهم بسرعة، بغية قمع الشارع.

(…) ليس كل افراد عائلة الأسد في مراكز سلطة عليا، والسلطة ليست كلها ملكا آل الأسد. ولكن ما هو مؤكد ان النظام بنى هيكله على منح هذه المراكز العليا لشبكة معقدة من افراد عائلة واحدة، بالاصالة او المصاهرة، تضم مئات من الاشخاص هم من سلالة علي سليمان والد حافظ، وهو وجيه علوي من بلدة القرداحة، الواقعة شرق اللاذقية.

واذا حاولنا رصد مجالات أنشطة هؤلاء الافراد، فان خطوطا عريضة ثابتة تظهر لنا. الاولى ان الابناء العديدين لرفعت الأسد، الشقيق الرهيب لحافظ، الذي اضطر الى العيش في المنفى بعد محاولة فاشلة لانتزاع السلطة عام 1984، هم خارج اللعبة الآن؛ بمن فيهم الانشط من بينهم، وهم يقدمون انفسهم كـ»معارضين». اما ابناء جميل الأسد، المذكور أعلاه، فقد تخصصوا في التهريب وأعمال اللصوصية الميليشيوية. بالمقابل، فان آل مخلوف الذين ينتسبون الى ابناء حافظ الأسد عبر والدتهم، أنيسة مخلوف، والتي يصفها الكثيرون على انها صاحب القرار الحقيقي في العائلة، فانهم احتلوا مواقع هامة في اقتصاد البلاد، وان كان من الصعب تحديد حجم ثرواتهم، بسبب لجوئهم الى الاسماء المستعارة في حساباتهم المصرفية.

هذا الغموض في تحديد المواقع ينطبق ايضا على مجال الدفاع، حيث لا تتناسب المراكز الرسمية مع التاثير الفعلي على الارض، وحيث لا يقود ماهر الاسد رسميا الفرقة الرابعة، وهي عبارة عن جيش حقيقي داخل الجيش الرسمي.

هذه القدرة على اخفاء المسؤوليات والاملاك هي من الصعوبات الاضافية التي تواجهها العقوبات الاقتصادية، ضد 120 شخصية من النظام، الهادفة الى إرغامه على وقف مجازره (…).

عن «لوموند» (18 نيسان 2012)

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى