“كيكا” هروب إلى الزمن الورقي/ محمد حجيري
أصدر الكاتب العراقي المقيم في لندن صموئيل شمعون العدد الأول من مجلة “كيكا/ فصلية تعنى بشؤون الأدب في العالم”(*)، هذه المجلة التي حلم شمعون بإصدارها منذ عشرة أعوام وتحقق حلمه الآن كما قال. وستكون “مفتوحة على جميع الإتجاهات الأدبية والفكرية، ولا تخضع لأي إيديولوجيا أو عقيدة، مجلة ترفض الرقابة وتؤمن بحرية التعبير، مثلما تنأى بنفسها في الوقت ذاته عن الابتذال بكل أشكاله”. ويبرّر شمعون تسمية المجلة بأنها ستكون للأدب العالمي، وتخصص الكثير من صفحاتها المترجمة من الآداب الأجنبية، أما الأدب العربي فسوف يحضر في المجلة من خلال أفضل النصوص.
ينفي صموئيل شمعون أي علاقة بين “كيكا” الموقع الألكتروني و”كيكا” المجلة، ويلمح إلى أن موقعه الألكتروني لعب دوراً مهماً في نشر نتاجات الأدباء العرب الشباب خلال السنوات العشر الأخيرة، لكنه يعترف بمرارة قائلاً: “إن هذا الدور قد خفت الآن! خصوصاً بعد تكاثر المواقع الأكترونية وسهولة النشر، وانعدام وجود أي ضوابط تحفظ حقوق النشر الإلكتروني”. من خلال ما يظهر لنا، بدت مجلة “كيكا” كأنها نتاج جهد فردي لصموئيل شمعون من حيث تجميع المواد واختيارها وتبويبها واتجاهاتها وصورها وتحريرها، ولا يمكن فصلها عن مسار موقع “كيكا”، وحتى مجلة “بانبيال” المتخصصة بترجمة الأدب العربي والتي يصدرها شمعون مع زوجته الإنكليزية مارغريت أوبانك. في البداية كانت فكرة شمعون أن تكون “كيكا” الوجه المعاكس لمجلة “بانيبال”، أي أن يقوم بترجمة الآداب العالمي إلى العربية وسرعان ما عدّل في الفكرة لتتضمن المجلة قسماً من الكتابات العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل في إمكان مجلة ورقية وحتى إلكترونية مواجهة طوفان النشر في الإنترنت؟
ما علاقة كيكا بالمدينة والمكان والزمان؟ وما الجديد الذي يمكن أن تضيفه مجلة أدبية جديدة على المجلات الأخرى التي أقفل معظمها لأسباب مالية من جهة، وبسبب طوفان الانترنت من جهة ثانية؟! وهل يمكن لشخص بمفرده أن يخلق “عصباً” خاصاً لمجلة أدبية؟ بالطبع ثمة إيجابية في أن “كيكا” هي نتاج جهد فردي لشخص يعمل في المجال الأدبي وليست نتاج وزارات الثقافة أو الجهات الرسمية العربية التي تجعل من أي مجلة أدبية غطاءً أو قناعاً للترويج لبعض الشخصيات السلطوية.
ليس لـ”كيكا” بيان خاص كما تفعل بعض المجلات الثقافية أو الأدبية عادة وليس لها رئيس تحرير أو هيئة تحرير. فضّل صاحب رواية “عراقي في باريس” أن يختار لنفسه صفة “المحرّر” (أي محرّر كيكا)، وهو في الافتتاحية بدا منزعجاً من النشر في زمن الفوضى، معتبراً أن 90 في المئة مما ينشر في الإنترنت لا علاقة له بالأدب. كأن شمعون يعلن هروبه من فوضى الإنترنت إلى زمن المجلات الورقية المقيدة أكثر والتي يمكن ضبطها واختيار موادها بدقة وحذر، ربما لأن الكلمة المطبوعة تكون موثقة أكثر وتشكل مرجعاً في أي لحظة على عكس النشر الألكتروني الأشبه بالافتراضي، وما تعمل عليه “كيكا” بحسب افتتاحيتها هو إعادة الاعتبار “إلى دور المجلات الأدبية في العالم العربي”، وإلى إنتاج أدب “يحمل جميع المواصفات الجمالية الإبداعية المطلوبة التي تشكل جوهر الأدب واللغة والموضوع وتقنيات أساليب السرد”.
غلاف العدد الاول، خصص للكاتب الكندي (اللبناني) راوي حاج صاحب “لعبة دي نيرو” (ترجمت إلى العربية مصائر الغبار) و”الصرصار”، ويعتبر شمعون أن الحاج هو الكاتب العربي الوحيد الذي يستحق أن يطلق عليه لقب “الكاتب العالمي” لأن عالميته جاءت من النص الذي كتبه، وليس من “ألاعيب” السياسة والعلاقات العامة التي أتقنها بعض الأدباء العرب… وتنشر “كيكا”، فصلاً طويلاَ من الرواية الأخيرة لراوي حاج “كرنفال” التي تصدر قريباً عن شركة المطبوعات اللبنانية…
واختارت المجلة مروحة من النصوص الأدبية العالمية من أميركا وكوريا وايطاليا، وافتتحت ملفاً سينشر على حلقات حول الكتاب والشعراء الاميركيين من أصل عربي. وتقدم نصوصاً جديدة للكاتب الفلسطيني محمود شقير، وقصائد للشاعر الأردني أمجد ناصر، وقصة قصيرة للكاتب اليمني وجدي الأهدل.
نقرأ أيضاً في “كيكا”، فاضل العزاوي يكتب عن “الكتابة في زمن الفوضى”، وحسونة المصباحي عن سلمان رشدي، وليندا حسين عن الكاتب الصيني مو يان، والحبيب السالمي نصاً عن رحلته إلى الصين، وتقدم الكاتبة السعودية رجاء عالم شهادة قيمة عن قراءاتها المبكرة في طفولتها في مدينة مكة، والأدباء الذين قرأتهم وتركوا أثراً في حياتها الأدبية.
ثمة جانب لافت في المجلة وهو صور بعض الأدباء والكتاب التي تحمل الكثير من المعاني والعبر والذكريات.
• صدر العدد الأول من مجلة “كيكا” لصيف 2013 عن منشورات “الجمل”، وتعمل هيئة التحرير على العدد الثاني ليصدر في الأسبوع الأول من أيلول أثناء مهرجان برلين العالمي للأدب.
المدن