لأنّهــــا دمشــــق
شوقي بغدادي
انظر إلى دمشقَ عند الفجرِ
لا تخفْ
انظر إلى الضباب يستبيحها
واشهدْ في ضلوعها
واغرق كما سفينةٌ
في لجّة الظلامْ
تخالُها…
ماذا تخالها؟
ماتت.. ترى..؟
أم أنها تموتُ
أم لعلّها سلطنة المنامْ؟
هذي إذن دمشقنا!
أم أنها مدينة الأحلامْ؟
لا.. لا.. دمشق لا تنامْ
أنصت على دويّهم
وانشق دخان نارهم
واسمع ولاويل النساءِ
يستغثن بالاله والرسولِ
والمسيح يندب الإسلام
اسمع تهاليل الذين يؤمنون
بالهدى وبالسلامْ
والنواحَ في تخشيبة الحمامْ
ماذا سمعتَ الآنَ؟
قُلْ لي
هل سوى البوقِ الذي ينفخُ
للقيامةِ التي في آخر الزمانْ
تفصل ما بين الحلالِ والحرامْ
[
ها أنت في كابوسك الشعريّ
في مقبرة الفجور والقتامْ
ها أنت تطلق الرصاصَ
نحو مشرق الشمسِ
لعلّ الشمسَ تستقيل من حيادها
فتنعش الطراوة الخضراء في الربيع
ثم تحرق اليباسَ
في ركاكةِ الناظم والنظّامِ والنظامْ
ها أنت إذْ تُسدّد الشعرَ
على السحاب عابراً
والعهد جائراً
والجوع كافراً
والخوفِ ماكراً
وفجأة يكتشف الجميع
أنّ ما أطلقته عليهمُ
ليس سوى نشارة الكلامْ
[
اذهب إلى الموت إذن
اذهب إليه وحده
دقّ عليه البابَ
قل للموت: أنقذني
من العجز عن الفعل
وخُذْ أمانة
ضياعها حرامْ
[
انظر إلى دمشق
عندما ترى
أن المدينة انتهتْ
وأنها ركامْ
انظر إليها الآنَ
عندما تهبط للشارع والزحامْ
تستقبلُ الخراب والهباب
والثقوبَ في الجدار يسندونَهُ
بمن يصادفون في الطريقِ
ثمّ يطلقون في العينينِ
أو على الجبينِ
كي تنمسخ الوجوهُ عند فحصِها
فلا ترى ضراعة الشيخِ
ولا براءة الغلامْ
قف ثابتاً
حدّق إلى مسدّد البارودة الخرقاءِ
هل تبصر في عينيهِ
غير رعبه من آمر الإعدامْ؟
[
هذي دمشقُ فاستفقْ
كما استفاقت دفقةً واحدةً
ومرّةً أخيرةً
كي لا تنام بعدها
لأنها دمشقْ…
بدايةُ التاريخِ
والختامْ
(شاعر سوري)
السفير