صفحات الناس

لاجئات سوريات للزواج

 

 

لاجئات سوريات للزواج… صفحة على “فايسبوك” تكشف “حقيقتنا”/ فاطمة رضا

عادت قضية تزويج اللاجئات السوريات إلى الواجهة، في إطار “جريء” يستغلّ التفلّت الحاصل في مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وغياب أي اجراءات رسمية رادعة من جهة ثانية. “لاجئات سوريات للزواج” اسم صفحة جديدة أنشئت على “فايسبوك”، لتستقطب أكثر من 18 ألف عضو في أقل من أسبوع، وتحديداً في 16 أيار (مايو) الجاري، لتعود حتى بعد إقفالها (قبل ساعة) بضغط من ناشطين فايسبوكيين، بنحو ألف “لايك” بعد أقل من ساعتين على إعادة فتحها.

الصفحة التي أعادت طرح القضية نفسها، في إطار “وقح” يضعنا أمام حقيقتنا، في إثارة أوضاع مخيمات اللجوء، بالتزامن مع “موضة” ما، أو تغيب عنها مع خفوت حدث معين، لتعود مع حدث آخر أكثر قسوة مما سبقه. إذ عمد من أنشأ الصفحة التي أقفلت إلى إطلاق صفحة جديدة تحت الاسم نفسه متحسراً على الحملة التي أودت بالصفحة الأولى “يوجد تبليغات على الصفحة، وهذا لعدم تفهم البعض لما يمر به السوريون في الدول العربيه ونكررها للمره الألف هدف الصفحة تزويج السوريات على سنة الله ورسوله وهذا لا يمس الحرائر بمكروه او تشويه لا سمح الله وسيكون من خلال أئمة مساجد تم الاتفاق معهم بالفعل ببعض العواصم العربية”.

وكانت خرجت الى العلن والنقاش أكثر من مرّة قضية “تزويج اللاجئات السوريات، وخصوصاً القاصرات منهن” إلى رجال عرب وأجانب، في مقابل مبالغ مالية ضئيلة، دفعت بمنظمات حقوق الانسان الى التشكيك المباشر في عقد مثل هذه الزيجات التي لا تلبث أن تنتهي بعد أشهر أو أيام قليلة، بمجرد انتفاء “شرط عذرية” الفتيات، فيعيدها “زوجها” إلى ذويها مع الشكر أو من دونه، ومع مبلغ ضئيل من المال.

الملفت أن الصفحة “الأولى” حوت ثلاث صور لأربع فتيات فقط، وقام مَن أنشأها بكتابة أربع بوستات يعد فيها بعرض كيفية التواصل قريبا، معلناً عن وجود لاجئات سوريات من جميع الدول العربية ومن جميع الأعمار والأديان برسم الزواج السري أو العرفي أو الشرعي، ومؤكداً العمل على وضع جداول بأسمائهنّ وأماكن سكنهن، مدّعياً أنّ كل ما يطلبنه هو “الستر”. هي نفسها الأسباب التي يستخدمها بعض المدافعين عن تزويج القاصرات والرافضين للحد منه أو السماح بوضع قوانين تقيّده، استغلها هؤلاء من أجل التسويق لاتجار مقنّع بالنساء.

هذه التصريحات والوعود قوبلت بعدد كبير من الشتائم والتشكيك في نية مُنشئ الصفحة، تراوحت بين اتهامه بالاتجار بالنساء، وصولاً إلى توجيه اتهامات سياسية له، ونسبه حيناً إلى المعارضة السورية وأحياناً إلى النظام، مروراً بشتائم كبيرة تدعوه إلى عرض صور أمه وأخته.

حفلة من هتك الأعراض والاتجار المجاني بالنساء، فُتحت على مصراعيها، حتى بدا أن إقفال الصفحة أو العمل على “التبليغ عنها” إلى إدارة “فايسبوك” لم تعد على قدر من الأهمية، في وقت استطاعت أن تكشف هذا الكم الهائل من الانحدار الأخلاقي في المجتمعات العربية، خصوصا أن وسائل إعلام عدة كانت تطرّقت إلى هذه القضية في بلدان عربية متعددة، وأشارت على سبيل المثال الى 12 ألف حالة زواج تمت خلال عام بين لاجئات سوريات ومصريين في مقابل 500 جنيه للزوجة. وأشارت تقارير أخرى إلى أن زيجات تعقد في بلاد أخرى مقابل الفي يورو للفتاة، وإلى أن الأهل غالباً ما يلجأون إلى تزويج بناتهن خوفاً عليهن، ويظنون أنهم بذلك يحمونهن ويسترونهن.

وأشارت الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان في تقارير عدة الى حجم الاستغلال الجنسي والنفسي الذي تتعرض له اللاجئات السوريات وطالبت بوقفه. وكانت تقارير أشارت إلى محاولة منظمات حقوق الانسان في مخيمات اللجوء وقف تجارة الفتيات التي تبرر بأسباب دينية واجتماعية مرتبطة بالأعراف والتقاليد التي تنص على أن “زواج الفتاة ستر لها وحماية لعرضها”.

مديرة منظمة “كفى عنف واستغلال” في لبنان زويا روحانا، رأت في صفحة “لاجئات سوريات للزواج”، استهتارا أخلاقيا نابعا من غياب الرقابة الرسمية في مختلف الدول العربية على ما يحدث للفتيات اللاجئات لديها، لافتة إلى أن المعركة مع هؤلاء تخاض على أكثر من صعيد، ولكنها صعبة جداً طالما أن الكثير من الدول العربية لا يزال يسمح بتزويج القاصرات، فكيف لمثل هذه البلاد أن تحمي مَن لجأن إلى أرضها، وهي لا تقوم حتى بحماية بناتها؟

ودعت روحانا الجميع الى التبليغ عن مثل هذه المخالفات والتشهير بها، إلى حين إقفالها من قبل إدارة “فايسبوك”، مؤكدة أن أكثر ما يمكن فعله في مثل هذه الحالات هو رفع الصوت عالياً من أجل التوعية.

ورغم أن التبليغ عن الصفحة بحجة أنها “تنتهك حقوق الانسان، أو تؤدي إلى التحرش والاعتداء الجنسي، أو تعتبر ترويجاً للدعارة”، جرى الرد عليه من قبل إدارة الموقع بأنه “… وبعد الاطلاع على محتوى الصفحة، وجدنا أنها لا تخالف مبادئ فايسبوك العامة حتى الآن”… إلاّ أن الحملة الكثيفة التي قام بها النشطاء نجحت بإقفال الصفحة، قبل أن يعيدها منشؤوها إلى العمل.

يُذكر أن أكثر حالات الزواج تشمل القاصرات من اللاجئات، لأنهن الحلقة الأضعف، وقرارهن في أيدي أولياء أمورهن.

ويبلغ عدد الفتيات السوريات المسجلات في سجلات مفوضية اللاجئين في لبنان بين 12 و17 عاماً، واللواتي يعتبرن في دائرة الخطر، نحو 62 ألف لاجئة. وفي حين تبلغ نسبتهن في مصر 5.6 في المائة، تصل في العراق إلى 7.4 في المائة من عدد اللاجئين السوريين. وتشكّل الطفلات بين عام و17 عاماً في الأردن ما نسبته 26.3 في المائة من عدد اللاجئين.

لينسحب الرجل اللاجئ من أمام كاميرات التصوير، إلاّ ليُشير إلى “الأبطال الحقيقيين في الدراما اليومية”، وتدخل على المشهد فئة خجولة تحاول إخفاء نفسها خلف خرقة متطايرة من الخيمة، أو الاختباء خلف فتاة أخرى، أو حتى الاشاحة بنظرها بعيداً من العدسات، ظنّاً منها أنها إذا لم ترها الاخيرة ستتركها بسلام لإكمال سنوات مراهقتها ونضوجها، بين حضن وطن “بديل” استقبلها على أرض قاحلة أو في جرود بعيدة من تجمعات سكانه الأصليين. ولتتحوّل حقيقة أن الأطفال والنساء وقود لمشهد درامي اعتاده المشاهد العربي وهو يردد “على الأقل نجوا من القتل والدمار، ماذا يمكننا أن نقدّم لهم أكثر”… ويصنّف نفسه متعاطفاً معهم.

بيروت

الحياة

 

 

 

السَّبي المعاصر مستمر رغم التبليغ الإلكتروني/ راشد عيسى

أقفلت في وقت متأخر من يوم أمس، صفحة “لاجئات سوريات للزواج” التي بلغ عدد معجبيها أكثر قليلاً من 17 ألف معجب، بعد حملة تبليغ (report) عنها لإدارة فايسبوك. وفرّخ رواد الفكرة نفسها على الموقع الأزرق، صفحتين غيرها بالعنوان نفسه. الأولى سيطر عليها قراصنة إلكترونيون فلسطينيون، والثانية لا تزال فاعلة، بأهداف تجميلية أخرى، واستقطبت ما يزيد على 1700 لايك. الصفحتان أنشئتا بعد إقفال الأولى التي لم يكن فيها ما يثير، لا صور ولا عروض مغرية “للمهتمّين” الإعتياديين. يمكن القول إن كل هؤلاء المعجبين هم من مؤيدي للفكرة. فكرة عرض اللاجئات كسبايا، كغنائم حرب، وبالتالي يمكن التخمين بأن الجهة نفسها التي عاقبت اللاجئين مراراً بأساليب لم ترحم، تريد كذلك أن تعاقب نساءهم بالسبي.

كان يمكن النظر إلى صفحة “لاجئات سوريات للزواج” كواحدة من الصفحات ومواقع الانترنت التي تتوخى طرقاً أسرع لجمع رأسين على مخدة، حسب التعبير الشعبي الدارج، لو أنها اكتفت بالقول “سوريات للزواج”. كنا حينها سنرى فيها طريقاً رخيصة فحسب. أما أنها تبتدئ باسم “اللاجئات”، فلا شك أن هناك من يقصد بهذا العرض الإنتقاص من كرامة السوريين الثائرين، ناهيك عن جُرم الإتجار بالبشر.

ومع أن بين السوريين اللاجئين عدد قليل من غير المؤيدين للثورة، بل وقد يكون من بينهم مؤيدون للنظام، فإن النظام، والممانعين العقائديين، قرروا أن كل لاجئ هو معارض، وهو بالتالي يستحق كل إذلال. أليس هذا ما يجري للاجئين السوريين في لبنان والأردن وسواهما؟

هو نوع من تلطيخ صورة السوريين، لا نبالغ إن قلنا إنه يشبه تلك الخطة الجهنمية من الفتاوى التافهة، التي لا شك أنها تصنع منذ سنوات طويلة في أقبية المخابرات من أجل صورة مشوهة للأكثرية، دعنا نقلها، الأكثرية التي تنتمي تقريباً إلى مذهب واحد، وبالتالي أن تطاولها تلك الشائعات والإذلال لن يكون بلا جدوى بالنسبة للنظام العقائدي، وأنصاره العقائديين.

العنف والتوحش والاغتصاب طاول المرأة السورية، معتقلة كانت أم لاجئة، وليس مفاجئاً أن تطاولها شتيمة من نوع هذه الصفحات الفايسبوكية. هل يريد النظام أن يقول أن لا كرامة للسوريين إلا في ظل النظام؟ ولكن هل “طفش” السوريون إلا من أجل الكرامة، وهل ثاروا في الأساس إلا من أجل الكرامة؟

يبذل النظام ما في وسعه من أجل سبيٍ مُعاصر للسوريين. إنها حقاً ثقافة السبي. ليس عسكر النظام، الرابضون عند الحواجز وفي الجبهات، هم من وضع أكثر من 17 ألف لايك على صفحة السبي تلك، إنهم من هؤلاء الرابضين حول النظام، المحاربين على جبهات الثقافة والإعلام و”التقاطع” الإجتماعي.

لا يريد النظام لضحاياه أن يظهروا بصورة الضحية النبيلة. يريد أن يحرمهم حتى من حقهم في الموت كما يحلمون، وهم يعزّون أنفسهم بأنهم تعرضوا لكل ما تعرضوا له من أجل قيم الحرية، والكرامة، والعدل. إنه يحرمهم من “مجد الغرق الأليم”، ويبدو أن لديه الوقت الكافي دائماً، كما العدة اللازمة للتفكير بكل ما من شأنه الحط من قدرهم.

الناشطون السوريون ردّوا بدورهم بألسنة الغضب، وذلك من حقهم طبعاً، إذ لا سبيل لرد احتقار من هذا النوع، لكن يكفي مناهضي النظام الممانع فخراً أنهم أصرّوا على حمل سوريتهم، في الوقت الذي أخذه النظام وأنصاره (وربما جهّال منحطّون مسميّون على الثورة؟!) كلمة السوريات على محمل الشتيمة.

السوريات اليوم هن لاجئات لا سبايا. قلن ذلك مراراً. هن اللواتي قدمن أروع النماذج في التظاهرات والمعتقلات وفي الجنازات. ستكتب الأيام مزيداً من ذلك، لكنها ستكتب أيضاً سؤالاً كبيراً لمناصري النظام، سؤالاً سيبقى للأيام: لم نسمع عن احتلال مرّ على هذه البلاد بلغ به الأمر أن حوّل النساء إلى سبايا.

إن كنتم تريدون أن تتبرأوا من فعلة السبي، عليكم أن تتصرفوا حيال هذه الإهانة التي تلحق بكم أنتم، لا بالنساء اللاجئات. لكن نرجوكم ألا تغرقونا بكلام من قبيل لنبحث عن الأسباب التي دفعت بنا إلى هذه الحال. لا ينجيكم هذا السؤال من قذارة ما لطخكم به النظام.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى