رحلة الخطر والقهر من حلب إلى باريس
يعاني السوريون الأمرين في محاولتهم الوصول إلى أوروبا لبناء حياة جديدة بعيدًا عن الحرب. فهي رحلة مفروشة بالموت والهوان في كل لحظة.
باريس: هي قصة عائلة سورية من حلب، استطاعت في أيلول (سبتمبر) الماضي دخول الأراضي الفرنسية آتية من ميونيخ، في إطار سياسة فرنسية تقوم على تقاسم أعباء اللاجئين السوريين بين دول الإتحاد الأوروبي. تمكث هذه العائلة في مركز للشؤون الاجتماعية في الدائرة العشرين في باريس، تنتظر من السلطات الفرنسية تأمين منزل لها لتبدأ حياتها الجديدة بعيدًا عن سوريا، تعوض فيها ما أمكن تعويضه مما خسرته جراء النزاع المتواصل في سوريا.
راشدين الحمدانية
وصلت هناء (تم تغيير الاسم بناء على طلب العائلة) باريس في مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي برفقة والدها ووالدتها وأشقائها الثلاثة، هربًا من الحرب في سوريا حيث خسرت العائلة كل ما تملك هناك. تقول: “نحن من سكان منطقة راشدين الحمدانية بالقرب من حلب، كانت انعكاسات النزاع علينا قليلة مقارنة بالمناطق الأخرى خصوصًا في العامين الأولين”.
ومنطقة راشدين الحمدانية نائية لكن تعتبر ممرًا أساسًا للوصول إلى المناطق العسكرية التابعة للنظام السوري، مثل ‘خنتومان’ حيث مقر كتيبة صواريخ. وأتى إلى بيت هناء (22 عامًا) ذات يوم وفد من جبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا التي كانت تسيطر على مناطق قريبة، وطلب من العائلة مغادرة منزلها، وعمدت إلى قطع الكهرباء والمياه لتصبح حياة السكان شبه مستحيلة.
تروي هناء: “فقدنا منزلنا، وفقد والدي الشركة التي كان يملكها في حلب، ما حتم علينا النزوح باتجاه مناطق أخرى بعد سيطرة جبهة النصرة على أغلبية المنازل في المنطقة، وتحويلها إلى ثكنات ومقرات إقامة لعناصرها التي كانت أغلبيتهم من أصول أجنبية، من الشيشان ومصر والسودان وأفغانستان وفرنسا، حتى أنهم كانوا يعجزون عن التواصل في ما بينهم”.
إلى تركيا
تضيف: “نزحنا إلى منطقة في حلب، واستأجرنا منزلًا في منطقة الأشرفية سبعة أشهر، لكن، كما هي الحال في باقي المناطق، كانت هناك تظاهرات أسبوعية بعد صلاة الجمعة يتم فيها إطلاق أعيرة نارية. وفي احد الأيام، أصيب والدي وشقيقي الصغير بعيار ناري ما حتم علينا اتخاذ قرار بضرورة مغادرة سوريا نحو تركيا”.
وصلت العائلة إلى تركيا بطريقة نظامية، وهي امتداد جغرافي لحلب، تبعد عنها نحو ساعتين. استأجرت العائلة منزلًا بالقرب من أنطاكيا عامين، وعمل الوالد مدة عام مع رجل أعمال تركي في قطاع المطاعم، “لكن سارت الأمور بعكس ما كنا نشتهيه، وترك والدي العمل بعد خلاف مع شريكه، وفي يوم أتى شقيقي المقيم في كوريا الجنوبية لزيارتنا في تركيا، وكنا في هذا الوقت بدأنا نسمع عن عمليات تفجير من حين إلى آخر في تركيا وبدأت تقترب من المكان حيث كنا نقيم، وقررنا حينها الانتقال إلى أوروبا ربما يبتسم لنا الحظ وننعم بحياة أفضل خاصة وأننا لم نكن نرتاد المدرسة في تركيا، لأننا لا نحمل الجنسية التركية، ولم يكن لدينا حتى إقامات تخولنا الإستفادة من الضمان الصحي أو غير ذلك”.
من مهرب إلى آخر
تركت هناء وعائلتها المنزل في أنطاكيا كما هو، فلم يبيعوا الأثاث لأنهم كانوا على عجلة من أمرهم لمغادرة البلاد، وانتقلوا إلى أنطاليا ثم إزمير التي تبعد ست ساعات، وكان حلم الوصول إلى أوروبا يراودهم.
تقول هناء: “وصلنا إلى إزمير وبدأت عملية البحث عن مهربين، وعثرنا في النهاية على شخص كردي يُدعى جوان طلب منا 1200 دولار عن كل شخص للعبور من أزمير إلى اليونان. كان عددنا عشرين شخصًا، دفعنا المبلغ المطلوب واتفقنا على الذهاب إلى بودروم لأخذ القارب، لكن تبين لاحقا أنه نصاب، أخذ المال وذهب. فبقينا نبحث عنه عشرين يومًا ولم نعثر على أثر له، وبدأت من جديد رحلة البحث عن مهرب ثانٍ، وعثرنا على آخر طلب منا 1300 دولار عن كل فرد، فوافقنا على الفور لأنه كان يجب علينا الذهاب في أقرب وقت ممكن قبل أن تسوء الأحوال الجوية ويرتفع موج البحر.
شاهدنا الموت بأعيننا
إستقلّت العائلة القارب المطاطي، وما أن أبحر حتى شاهدت عائلة هناء الموت بأعينها، “وكان ينتابنا كل لحظة شعور بأننا سنغرق، ولحسن الحظ لم يكن هناك خفر سواحل، وصلنا إلى جزيرة عسكرية في اليونان، كانت خالية والجو كان باردًا جدًا، وكان علينا السير ساعتين للوصول إلى أقرب مركز أمني، إذ كان علينا إبلاغ الأمن العام اليوناني كي نتمكن من الانتقال إلى أثينا بواسطة استمارة، انتظرنا ثلاثة أيام دون أكل أو مياه الباخرة التي ستقلنا. وصلنا إلى أثينا، ومن هناك استقلينا الباص بإتجاه مقدونيا ثم صربيا وهنغاريا وصولًا إلى ألمانيا”.
وصلت هناء والعائلة إلى مقدونيا، وأمضوا هناك ثلاثة أيام، ثم بالقطار إلى صربيا فهنغاريا. كانت المعاملة في هنغاريا أسوأ منها في اليونان، وكان هناك آلاف اللاجئين ينتظرون دورهم لركوب القطار. تقول هناء: “هدد والدي بأنه سيرمي نفسه على سكة القطار إن لم يسمحوا لنا بالصعود إليه، وفي يوم من الأيام هدد والدي شرطيًا هنغاريًا بأنه سينشر صورًا على فيسبوك تؤرخ طريقة معاملة الشرطة الهنغارية للمهاجرين. وبعد أخذ ورد تمكنا من ركوب القطار بإتجاه ألمانيا”.
حياة جديدة
تتابع هناء روايتها: “وصلنا إلى ميونيخ وتم أخذنا إلى مركز للشؤون الاجتماعية حيث كان هناك أكثر من خمسة آلاف لاجئ ينتظرون في مركز للشؤون الاجتماعية. عندما رأى والدي هذا المنظر، سأل الشرطي إن كان هناك إمكان للذهاب إلى فرنسا، ولحسن الحظ كانت هناك حافلة ستنطلق بعد ساعتين. استقلينا الحافلة من ميونيخ إلى باريس حيث نمكث في مركز إجتماعي تديره جمعية خيرية تكفلت بإنجاز معاملاتنا الإدارية للحصول على إقامات طالبي لجوء، على أن ننتقل بعد ذلك إلى منازل توفرها السلطات الفرنسية، ويأمل والدي بالعثور على فرصة عمل تمكننا من بناء حياتنا، وتساعدني مع أشقائي الثلاثة على إكمال دراستنا لبناء حياة جديدة بعيدًا عن سوريا”.
أزمة غير مسبوقة
أحصت المنظمة الدولية للهجرة يوميًا وصول سبعة آلاف لاجئ إلى السواحل اليونانية، في وقت استطاع نصف مليون شخص من طالبي اللجوء دخول الأراضي الأوروبية منذ مطلع العام 2015.
وستستقبل فرنسا 30 ألف لاجئ سوري في العامين القادمين، فيما الإتحاد الأوروبي دعا إلى تقاسم عدد اللاجئين بين دول الإتحاد الأوروبي، وهو ما ترفضه دول شرق أوروبا شكلًا ومضمونًا.
ورفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في جولته الأوروبية، اقتراح البرلمان الأوروبي بإبقاء اللاجئين في تركيا مقابل مساعدات مالية، ويناهز عدد اللاجئين السوريين في تركيا 2,2 مليون لاجىء سوري .
ايلاف
