لاجئ سوري للبيع
إبرهيم الزيدي
هذا ليس عنوان مسرحية، لاستدراجكم إلى الضحك المجاني، وهو ليس من قبيل إثارة الفضول أيضاً. إنه إعلان مدفوع الثمن مسبقاً، فصفة المواطن التي ودّعها اللاجئون السوريون عند الحدود لم تكن هي الوحيدة المفقودة في حياتهم اللاحقة؛ الكرامة هي الأخرى لم تجد لها مكاناً في نفوسهم المكسورة. أما نزلاء الفنادق الفارهة، والشقق المفروشة من السوريين، فإن صفة لاجئ تخدش حياءهم! لذا فإن البعض منهم ارتدى صفة معارض، وأتحف صفحة الـ”فايسبوك” بمواقفه السياسية. البعض الآخر بقي قيد استثمار المراحل، حتى أيقن أن ضرع سوريا لم يبق فيه لبن، فآثر البعد على وجع الرأس. وبقي المواطن السوري البسيط، وقود الثورة هناك. اللاجئ هنا تحول إلى شعار، تستعمله المعارضة والنظام على السواء! لا بل إيران وروسيا وأميركا أيضاً. فهو قميص عثمان الذي تجاوز ثمنه المئة ألف شهيد.
إن تحوّل سوريا إلى مختبر، يجرّب فيه السياسيون فرضياتهم، ومأساة تشحذ عليها المنظمات والهيئات الدولية، سينتج منه ما لا تحمد عقباه. الأطفال الذين تركوا مدارسهم، والتحقوا بسوق العمل، والفتيات الصغيرات اللواتي يتم بيعهن بعقود زواج، والأسر التي تفرقت، والأعمال التي توقفت، والقتلى، والجرحى، والأيتام، وكل هذا الدمار، أليس كافيا لأن يجعل مستقبل سوريا في مهب الريح؟!
الوطن ليس أرضاً وحسب، إنه تقاليد حياة أيضاً، وهذه التقاليد أصبحت في خطر. لقد سقطت عنّا الاهتمامات التي تلامس القيم العامة، وانحصر اهتمامنا بلقمة العيش، وأصبحنا على قارعة العرض، إن كنتم لا تعلمون.
إن “علاقة الناس بأوطانهم هي التي تصنع الفروق” وقد خسرنا الشكل الواقعي لتلك العلاقة، وتحوّل الوطن إلى حلم، في كل يوم تحمل إلينا الأخبار ما يهدم جزءاً منه.
لم تعد الرصاصة هي التي تخيفنا، بل رنين الهاتف.
– ألو، طمّني، انشالله ما في شي؟
قبل أن يأتي الجواب، تكون العائلة كلها واجمة. وقلما تنتهي مكالمة من دون أن تأخذ في طريقها بعضاً من حلم، أو أحلام، كانت إلى وقت قريب قابلة للتحقق.
إن تراجع الأحلام هذا، يقابله تقدم للواقع باستحقاقاته الشديدة القسوة. ولا يزال البعض يحاول اختصار مشكلة اللاجئين السوريين بسلة غذائية. هذا الاختصار يحمل في طياته، إضافة إلى إهانة الشعب السوري، رغبة في دفعه للكفر بكل القيم الإنسانية والوطنية. وإلا ما معنى أن تمضي سنتان على تشرده، ولم يحاول أحد إلى الآن متابعة أوضاعه، وتنظيمها، وتوثيقها؟ فكل الزيارات التي يقوم بها أقطاب المعارضة إلى مخيمات اللجوء، تأخذ الشكل البروتوكولي، الذي يذكّر بزيارة أقطاب النظام إلى معسكرات الطلائع أيام زمان. أمّا أولئك الذين غادروا، ولم يلتحقوا بالمخيمات، فليسوا في الحسبان نهائياً. كأنهم أبناء الجارية، وليت أبناء الست في مخيمات اللجوء أفضل حالاً منهم. حسبي لختام ما نحن فيه، ما قاله الشاعر الفراتي:
جعنا، ولم نعوِ احتجاجا، ليتنا/ كنّا على الجوع الملمّ كلابا.
النهار