لا أدّعي شيئاً
عبد الوهاب الملوح
تعوِي الكلاليب القديمة
تنهش الضوء القليل من اليدينِ
تفكّ أعضاء الشوارع أو تفكّ الريح من مفاصلها؛
ولأنّ سيرتنا عراك مستمر،
ولأنّ منتصف الجنون حماقة لا بدّ منها،
ولأنه لا شيء يعنينا.
كنّا ثلاثة أشقياء:
أقلّ من اثنين؛ أكثر من حصى الأنهار.
(نسقط من جبة الله واقفين)
كنّا غيرنا…
لم نفتح الأبواب عند سقيفة الممشى
تركنا حظّنا اليومي لنا ولصدفة أخرى؛
تركنا حلمنا الورقي وحاجتنا لعائلة السعادة؛
هكذا لا بد من كومونة للطيش والفوضى!
تركنا ما علينا والتفاصيل المملة وهي تأكل لسان الثور وتلقي للطواحين العتيقة قمحنا البعلي؛
تركنا علبة التلوين والممحاة والدرس القديم كساعة مكسورة القدمين؛
كما تركنا عمرنا القاسي وساعة حزننا عند الظهيرة؛ لن يرى أحد دواب الريح فينا توقظ الغرقى (ليعودوا بغنائم أكثر) وتدفعهم إلى الأعلى؛
تركنا ظلّنا الأفقي يبرّد خاطر الأشجار في المنفى،
تركنا جوقة الجدات يسردن الخرافة مهنة للخوف…
لم نترك ذئاب صداعنا مرعى لحملان الظلام،
“كفى سيأتي الليل”، قالت
واكتفت بالصمت يضيء لنا رصيفا مهملا.
قالت سيأتي الموت للإسعاف.
قال لن يجيء الفجر بالمطر المذكَّر؛
توشك القمصان أن تمشي على حبل الغسيل إلى عوائدها!
حذار الآن يا موتي القديم
لا أدّعي شيئاً
ولي من حصة القتلى
دمٌ حارّ وحرّ
كان المكان حديقة تمشي على مهل إلى مقهى قريب من حفلة الضحك العمومي
كان المكان فراشة تروي أساطير الهنود الحمر؛
غرفتنا تطل على دواخلنا وتفتح قلبها للريح.
– لن نكتفي بالحلم والسمك المملح بالرغائب والنبيذ التونسي.
خذ حصتي من صابة الشهداء؛
عد بالحرب والأسرى إلى سلم تعد لها الأرامل مقعدا متحركا
وخذ بيدي قليلاً أيها الماء المحايد وامش بي عبر الممر نعدّ للأشياء أسماء موقتة وتوراة موقتة وآلهة موقتة…
موتاً بارداً.
كنا غيرنا بل كنا كآخرة مؤجلة؛
شتاء هذا العام يمطر من حرائقنا دما.
الحب أيضا ثورة. الحب فعل مقاومة يا صاحبي.
الريح قامتنا وتونس حاجة المعنى لحاشية المسوَّدة القديمة؛
حاسة العميان (تعيد النشيد الوطني للبلاد)
لا أدّعي شيئاً
أرتّب عزلتي
في الطابق الأعلى من الشجن المبعثر في دمي
أحصي اختيارات الصداع
كنّا ندرّب مرّة أخرى أصابعنا على الهذيان
أو نعتاد تجربة الرصيف وحرقة المعنى
ونمضي حيث نعتق حتفنا منّا
ليلنا يأتي قليلاً
والنهار دمي
لا أدّعي شيئاً.
النهار