صفحات الثقافة

لا أريد عيداً للأمّ ولا يوماً للشعر/ عقل العويط

 

 

أمس كان يوم الشعر في العالم، وكان أيضاً وخصوصاً عيد الأمّ. الثانية أقبّل يديها في القبر، ومدى الأيام كلّها. وأقبّل لها أيضاً غبار القدمين. أما الأوّل فيليق بي أن أكون خادماً لكلماته في يقظتي والمنام.

هاتان مسألتان تمسّان الوجود الشخصي، والوجود مطلقاً. على مثل هذا المستوى، ينبغي للتورّط العقلي والعاطفي أن يكون. المتورّطون في مسائل الجوهر لا ينسون. لذا، ليس من لزوم للتذكير بـ”العيد”، وليس ثمة معنى لـ”الأيام”. لا وقت أيها الناس، للاحتفالات. ولا وقت لتبذير الوقت.

المتورّطون في الجوهر يريدون المعنى كلّه، والوقت كلّه. لا أقلّ. هذا هو المبدأ والفعل والواقع. لذا أراني شخصياً لا أريد عيداً للأمّ، ولا يوماً للشعر. أريد شيئاً يشفي، لا شيئاً يخدّر ويطيّب الخاطر.

للأمّ أريد الكرامة، باعتبارها أمّاً، وقبل ذلك باعتبارها امرأة. ولأن لا كرامة فعلية للمرأة عندنا، فلا كرامة، تالياً، للأمّ. كلّ ما يقال عدا ذلك، هراءٌ بهراء، وإن تبارى حسنو النيّات أو المحتفلون والخطبجيون والسياسيون ورجال المال والأعمال وأصحاب الحروب والمنادون بالموت، في الدعاء للأمّ، تبجيلاً وتكريماً.

أمس، فَتَح القرّاء والمشاهدون والمستمعون مواقع التواصل الاجتماعي، والتلفزيونات، والإذاعات، والجرائد، للإطلاع على آراء المعنيين في المناسبة. عال. الاعتذار واجب من الأوادم. لكنْ، فلتذهب آراء أولئك وخطبهم الإنشائية إلى أكياس الزبالة، مع جملة النفايات التي تحتاج إلى فرز وإعادة تدوير أو حرق وطمر.

وأقول: أعطوا المرأة حقوقها، يكن في ذلك كرامةٌ للأمّ.

أوقِفوا تهجير الأبناء والشباب، وتيئيسهم، يكن في ذلك إحقاقٌ لحقوق الأمّ وأمانيها.

هل من لزوم للتذكير بحقوق الأمّ – المرأة، وبالكرامات، يا أهل الحلّ والربط؟ وقد يسمّيكم قائلٌ: أهل الزجل والدجل والنفاق؟!

الأمّ لا تطالب بيومٍ لها. هي تشتهي فقط أن تخلع الأسوَد عن قلبها والقهر من عينيها. أكثيرٌ أن ترغب بهذا؟! هي فقط تريد أن تحيا. وهل تكون حياةٌ للأمّ بغير كرامة شخصها وكرامة أبنائها؟! أليس معلوماً جداً أن هاتين الكرامتين مهدورتان إهداراً عظيماً، على يد النظام الذكوري الأرعن؟!

أبشع ما في هذا العيد، عيد الأمّ، أن النظام الذكوري هو الذي يحتفل به. فليذهب العيد والمحتفلون المراؤون به، إذاً، إلى حيث تؤخذ الزبالة المتراكمة منذ ثمانية أشهر.

… أما الشعر فوجوده ينزف في العقل وفي الهواء. ولا يطالب. فقط، أتركوا للشعراء الورق لكي يكتبوا. واتركوا لهم المطابع ليطبعوا الكتب. واتركوا الجرائد وصفحات الثقافة وملاحقها، لينشروا، ويعيدوا خلق الحياة بالكلمات. والسلام!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى