لا بد من حل مصري للملف السوري/ نائل حريري
تبتعد اليوم الأنظار عن الملف السوري باتجاه ملفات أكثر حدة، كالنزاع الأممي في أوكرانيا والإرهاب الداعشي في العراق، والحرب التي تجددت حديثاً في فلسطين وإسرائيل، من دون الانتباه إلى أهمية ومحورية الحدث السوري في تحريض وصيانة جميع هذه النزاعات، ولب القضية المتمحور في مقدار عطالة آليات المجتمع الدولي عموماً في تحقيق أي تقدم يذكر في منطقة الشرق الأوسط. لكن فترة جديدة في حياة هذا الملف على وشك البداية، في ظل ضرورة، بل حتمية، إيجاد آليات جديدة يتم البحث عنها. ويبدو ذلك واضحاً بعد تغييرات سطحية لازمة غير كافية في بنية الواجهة المسؤولة عن الحل، بدءاً بالوجه الجديد لدانيال روبنستين السفير الأميركي الجديد في سورية الذي لم يبدأ بالفعل بعد، مروراً باختيار هادي البحرة وجهاً جديداً لقيادة الائتلاف السوري المعارض في هذه الفترة الحرجة، وليس انتهاء بتعيين المندوب الأممي الجديد السويدي ستيفان دي ميستورا، الثالث ترتيباً، ليتابع المشوار المضني في حل أعقد ملفات الشرق الأوسط في تاريخه.
لكن من غير الممكن التفاؤل بهذا التغيير – اللازم وغير الكافي، من دون توقع استنباط آليات جديدة للتعامل مع الواقع السوري المتدهور الذي يطاول جحيمه دول الجوار كلها. ويعني ذلك بالضرورة عدم الكفاح لإحياء جنيف 2 مجدداً أو الآليات ذاتها التي قامت بصناعته، بل البحث عن وساطة جديدة فعالة حقيقية لا ينحصر دورها في إقناع الأطراف بضرورة الحل السياسي وحسب، بل تلعب دوراً أهم في ضمانته كذلك.
لا شك في أن فترة الاستقرار النسبي التي تمر بها مصر حالياً تشكل العامل المساعد الأكبر في صناعة الدور الفعال لها في المرحلة القادمة. فلا شك في أن مصر اعتادت على أن تكون الدولة ذات الثقل الأهم عربياً عبر تاريخ جامعة الدول العربية، والحديث عن ازدياد نسبي واضح في مرونة العلاقات بين مصر ودول عربية أخرى حالياً لا يعيد مصر إلى موقعها الذي كانت عليه عربياً قبل أحداث ثورة 25 يناير، بل يزيد تدعيم هذه القوة بما لا يقاس، ويجعل الحلف السياسي المصري السعودي الممكن والمحبذ في هذا الشأن نقطة انطلاق لا يستهان بها.
من ناحية ثانية تعيش العلاقات المصرية الإيرانية توازناً حذراً إنما غير قلق، ويبدو أن مصر في هذا الشأن تحديداً قادرة على لعب دور مهم في الوساطة بين السياستين السعودية والإيرانية. كما أن علاقة النظام المصري الحالي بالنظام السوري علاقة غير متوترة، والخطابان اللذان يحملهما النظامان المصري والسوري يحملان الكثير من المشتركات، خصوصاً في النقاط الواضحة التي ترتكز على محاربة الإرهاب ومناوأة الإسلام السياسي بدرجة تزيد أو تنقص بين الطرفين، وصولاً إلى نقاط أكثر تفصيلية تتعلق بالمواقف من كتل سياسية وجهات محددة بالاسم.
أخيراً، فالولايات المتحدة تمتلك علاقات جيدة مع مصر، ومن المحبذ لها نقل جزء مهم من ضغط هذا الملف إلى وسيط أقرب جغرافياً وسياسياً، وأوزن إقليمياً، وأقدر على صياغة تفاهم مبدئي يؤسس لحل سياسي نهائي براغماتي الطبيعة، فالدولة المصرية الآن في حاجة إلى تقوية تحالفاتها مع جميع هذه القوى بعد فترة غير قليلة من اختلال التوازن بعد فترتين انتقاليتين، كما أن ملفات الداخل المصري المتشابكة التي لا يبدو أنها تتطلع إلى حل قريب قد تجد مخرجها في الملف الخارجي الأبسط من ناحيتها على رغم تعقيده، وهي عادة لطالما كانت ديدن الحكومات العربية على اختلافها، إذ تنحو إلى العمل على تحقيق المكاسب السياسية الخارجية، لتدعيم شعبيتها الداخلية.
ثمة إمكانية حقيقية لأن يكون الحل المبدئي لملف الأزمة السورية حلاً مصرياً، أو بإمكان مصر على الأقل إعادة فتح هذا الباب بطريقة سياسية أعمق وأقل تشابكاً، وعلى جميع أطراف الأزمة، التي شاركت في تعميقها ولم تفلح حتى الآن في إدارتها، ألا تهمل هذه الإمكانية المباشرة، وأن تسعى إلى التفكير بطريقة جديدة وآليات مغايرة، بدل اجترار الآليات السيئة ذاتها مراراً وتكراراً.
* كاتب سوري
الحياة