صفحات الرأي

لا دِين للدولة: هل يجرؤ “الإخوان المسلمون” السوريون؟


جهاد الزين

من الآن فصاعدا، وبعد الأسبقية التونسية بعدم النص الدستوري على الشريعة الاسلامية كمصدر  للتشريع، هناك سقفٌ جديدٌ في العالم المسلم لتناول الموضوع… وبالنسبة لسوريا كبلد تعددي دينيا مع المسيحيين هل “يرتفع” السقف الى بحث مسألة عدم النص على دين الدولة؟

من سوء حظ  “جماعة الاخوان المسلمين في سوريا” ان وثيقتها الحاملة لتسمية “عهد وميثاق” صدرت في  الاسبوع المنصرم نفسه (25 آذار) الذي صدر فيه الموقف غير المسبوق من “حزب النهضة” التونسي الحاكم الذي أعلن عن موافقة الحزب على عدم ذكر “الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع” في الدستور التونسي (26 آذار) .

لكن هذا التزامن من حسن حظ…”نا”. أي حظ كل هذه الجبهة التلقائية العريضة في العالمين العربي والمسلم من تركيا الى ايران ومن مصر الى العراق الى بلاد الشام الى بلاد المغرب، من الافراد والقوى التي تريد أن تنتهي من هذا السيف الديماغوجي المصلت على نصوص الدساتير العربية منذ استقلال دولها في القرن العشرين اي هذا السيف المصلت قبل كل شيء على أجيال من ملايين المسلمين الذين أريد دائما وضع إسلامهم الطبيعي و الراسخ موضع اتهام لمنع  اختيارهم مسار فصل الدين عن الدولة.

لم ينجُ يمين او يسار من هذا الضغط الذي فرض نفسه على دساتير عربية عديدة ولا نجا منه ليبراليون او وسطيون او علمانيون او حتى دينيون شهدتهم الحيوات السياسية العربية على مدى حوالي تسعين عاما حاولوا ان يقفوا في وجه المتشددين الدينيين في مجتمعات متعددة ذات اغلبية مسلمة او في مجتمعات مسلمة سكانيا بالكامل…نجح البعض في مقاومة الضغط و فشل البعض الآخر تحت وطأة تنامي نفوذ الحركات الاسلامية الاصولية وخصوصا منذ تأسيس “حركة الاخوان المسلمين” في مصر عام 1928 وبصورة أخص بعد الدفع الذي أدى اليه نجاح الثورة الاسلامية الاصولية في ايران وما نتج عنه من المساهمة (مع الحرب الاميركية ضد الاتحاد السوفياتي بعد احتلاله افغانستان) في اطلاق المارد الاصولي السني الذي سيتحول جيله الثاني الطالباني الى تيار معاد لايران الشيعية !

يمكن القول بلا اي مبالغة إن إعلان حركة “النهضة” التونسية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي وبموافقته غير الملتبسة كما بموافقة رئيس الوزراء “النهضوي” حامد الجبالي غير الملتبسة ايضا على الاكتفاء في الدستور الجديد بالفصل الاول من دستور 1959 الذي أُقر في عهد زعامة الحبيب بورقيبة والذي ينص على ان تونس دولة “لغتها العربية ودينها الاسلام” هو نقطة تحول تاريخية في هذا المسار الضاغط على نخبنا السياسية منذ استقلال دولنا الحديثة. لقد كانت تونس رائدة في وضع دستور (1959) يُفلت من النص على الشريعة ورائدة في منح المرأة كما هو معروف حقوقا متساوية مع الرجل في الأحوال الشخصية ابرزها منع تعدد الزوجات ولاحقا حق إعطاء الجنسية لأبنائها من زوج غير تونسي. باستثناء، مع الأسف، التساوي في الميراث حيث بقيت قاعدة “للذكر مثل حظ الانثيين” رغم التطور الهائل لدورها الانتاجي في المجال الاقتصادي.

تستعيد تونس معناها الريادي مرة أخرى بعد انطلاق “الربيع العربي” منها اواخر عام 2010 ولربما بصورة أكثر تأثيرا عمليا في هذا الموقف الصادر عن “النهضة” والذي يتلافى هنا انقساما داخليا عميقا حول الموضوع وباعتراف الغنوشي نفسه. ولهذا فإن القرار بقدر ما ينم عن ذكاء وحكمة (وشجاعة اذا ثبتت قيادة “النهضة” عليه)، فإنه أيضا وأساسا يعبر عن قوة تَجذّر الفئات العلمانية التونسية، وهو بمعنى ما بل بأكثر من معنى انتصار كبير لهذه الفئات. ويكفي ان نعرف ان قيادة “النهضة” تقدِّم هذا القرار على انه تعبير عن الوفاق التونسي بين فئتين أغلبيتين او حسب تعبير رئيس الوزراء الجبالي بأنه “ضد السلفية الإسلامية والسلفية البولشفية” لنتأكد من أهمية دور العلمانيين التونسيين فيه .

من الآن فصاعدا، اي اعتباراً من الأسبقية التونسية بعدم النص الدستوري على أي شكل مباشر من أشكال تحديد الشريعة الاسلامية كمصدر نسبي او مطلق للتشريع، هناك سقفٌ جديدٌ في العالم المسلم وخصوصا العالم العربي لتناول الموضوع… كما لتطبيقه بعيدا عن التوفيقيات اللفظية او بنسبة أقل منها. ففي البلدان حيث المجتمعات ذات لون مسلم واحد او ذات ألوان  مسلمة، الشريعة الاسلامية هي مكوِّن رئيسي في ثقافتها ولا يحتاج المشرِّعون فيها أيا تكن ايديولوجياتهم، الى من يفرض عليهم الاخذ بما تقوله الشريعة، فهذا ما سيأخذونه تلقائيا بالحسبان بينما هم يبحثون عن علاجات حديثة لمشاكل مجتمعاتهم لا تستطيع الشريعة ان تجيب على أسئلتها. لكنها الشريعة  باعتبارها المكوِّنَ الاساسي لثقافة مجتمعاتنا العميقة وليس شرطا طقوسيا غالبا ما يتحول على يد الأصوليين الى نوع من “العسكرة الاجتماعية”.

و في المجتمعات المتعددة حتى ذات الاكثرية الإسلامية كسوريا والعراق وايران وفلسطين ومصر (تونس وبلاد المغرب لم تعد منها بعد شبه تلاشي الاقلية الصغيرة اليهودية و تلاشي الفرنسيين المسيحيين في الجزائر) فإن مقاربتها لهذه المسألة الدستورية يجب ان تصبح مختلفة او ذات سقف جديد بعد الخطوة التونسية عبر “حزب النهضة”.

في بلدان المجتمعات المتعددة وتحديدا في بلد كسوريا السقف الجديد المطروح على “الإخوان المسلمين” من المفترض، تأسيسا على السابقة التونسية، أن يبدأ بالسؤال حول ما اذا كان ينبغي الارتفاع الى السقف الدستوري التركي الذي وضعه عهد مصطفى كمال أتاتورك وخلفاؤه  ويرثه بدون اعتراض رجب طيب أردوغان؟ إنه سقف عدم النص مطلقا على دين الدولة. فللمجتمع دين والدولة بلا دين في العلمانيات الفرنسية والتركية و العلمانية الاميركية التي اشتقت سياسيا إسما خاصا بها لفصل الدين عن الدولة انطلاقا من المصطلح الفكري الانكليزي: السيكولاريسم . السيكولاريسم الاميركية مؤمِنة بالرب الأوحد ولكن لا دين لها حتى لو كانت تتميز بالتشديد على حماية الحريات الدينية، بل على حماية المجموعات الدينية من الدولة في مفهومها الخاص والشديد التسامح لفصل الدين عن الدولة والذي ظهر لاحقا في تعاملها مع الطقوس الاجتماعية للمجموعات المسلمة على أراضيها… حتى بعد 11 ايلول ! كذلك بريطانيا رغم تعايش نموذجها لفصل الدين عن الدولة مع رئاسة الملكة للكنيسة.

الخطوة التونسية الرائدة تنقل الطموح العلماني للنخب المسلمة المؤمنة بفصل الدين عن الدولة الى مستوى البحث عن إسلاميٍّ أصوليِّ الجذور يجرؤ في بلد كسوريا على الدعوة الى عدم النص على الاسلام كدين للدولة… مثلما هو الامر في تركيا. وعندها ستكون المفارقة في التاريخ السوري المعاصر قد بلغت ذروتها الجذابة: فإلغاء النص على دين الدولة – الإلغاء الذي لا يمس بشيء دين المجتمع الاكثري المسلم المتجذر- سيكون عندها المهمة المطروحة على “الإخوان المسلمين” في حين فشل حزب البعث مرارا بين 1963 و1973 في ذلك، إن من حيث دين الدولة او من حيث دين رئيس الدولة(*).

… ولمَ لا أيها الشيخ صدر الدين البيانوني: المفترض ان المشكلة الاساسية منذ أربعة  وخمسين عاما مع الرئيس جمال عبد الناصر و “حزب البعث” هي الديموقراطية لا دين الدولة، على الأقل في ما أصبحتم تقولونه بعد العام 2001. فهل ستملك أنتَ وإخوانُك وأخواتُك إرادةَ الشيخ الغنوشي بسقف أعلى هو علوُّ السقفِ السوري التعددي دينيا مع المسيحيين قياسا بالسقف التونسي الوحداني دينيا… فتفاجِئُنا بالدعوة الى لا نصٍّ على دين الدولة مثل تركيا؟

لهذه الأسباب الخطوة التونسية لا “الميثاق” الاخواني السوري هو الموضوع الريادي اليوم.

 أتمنى أن لا نقع في هذه الخاتمة في مطب استسهال اعتبار لبنان نموذجا سليما. فصحيح ان المساهمة المسيحية في تأسيس الدولة اللبنانية عام 1920 قد جعلت لبنان البلد العربي الوحيد الذي لا نص فيه على دين الدولة، ولكن المشكلة العميقة أن “الآباء المؤسسين” في لبنان أنشأوا نظاما طائفيا كصيغة لحماية ذاتيةِ كلِّ مجموعةٍ … فإذا بنا أمام نمط “ديني” للدولة: ديني كامل في الأحوال الشخصية مع وضعية منقوصة للمرأة في التشريعات تجعل لبنان حالة متخلفة عن تونس، و انغلاقي طائفي في المجال السياسي بحيث تحوّلت الدولةُ مع الوقت الى مجموعة دويلات متفككة.

(*) راجع مقال جهاد الزين: بلدٌ رائدٌ و… سهل (29-3-2012)

لا دِين للدولة: هل يجرؤ السوريون غيرالأصوليين؟

    جهاد الزين

مهمة فصل الدين عن الدولة قد تكون “أسهل” في سوريا وتونس عما هي في مصر. وهذا له “ترجمة” جوهرية آن الأوان لصياغتها في مشروع ديموقراطي بعدما حاول بعثيو الستينات وأوائل السبعينات صياغتها في مشروع سلطوي بالقوة العسكرية.هنا المقال الثاني(¶).

يكاد يكون التاريخ السياسي الحزبي لسوريا المعاصرة بعد العام 1963 هو تاريخ الصراع بين حزب البعث العربي الاشتراكي وجماعة “الإخوان المسلمين”. واذا كانت مواجهات الخمسينات الانتخابية بينهما، لاسيما في دمشق، كرا وفرا ديموقراطيا لكل منهما، فإن السمة العنفية طبعت معظم مواجهات منتصف الستينات واوائل السبعينات التي كان فيها “البعث” شاهرا سيف القوة العسكرية للدولة  و”الإخوانُ” سيفَ الاحتشاد في الجوامع لإحراج أخصامهم البعثيين، الى أن حصلت القطيعة النهائية مع انتقال “الإخوان” للمواجهة المسلحة الشاملة مع النظام البعثي الذي كان قد أصبح منذ اكثر من 8 سنوات تحت القيادة المُحْكَمة للرئيس حافظ الاسد.

بعثيٌ معارض سابق وعتيق فرّ طويلا من سوريا حتى أواخرالسبعينات و يقيم منذ ذلك الحين بسلام  بين “حي الميدان” في “جُلّق” (أحد أسماء دمشق الشائعة) وبيروت، هو نبيل الشويري، كَتَب في كتابه الأخير “الهوية والذاكرة” الصادر عن “دار رياض الريس”(2010) أنه كان على معارضي حافظ الاسد أن يبادروا الى إدانة مجزرة الكلية العسكرية في حلب التي ارتكبها “الإخوان المسلمون” عام 1978  وذهب ضحيتها مئات تلامذة الضباط البعثيين والعلويين… لكي يحق لهم أخلاقيا وسياسيا برأيه إدانة المجزرة الأفظع التي سيرتكبها النظام لاحقا في حماه (ص208-209). والذي كنا نخشاه بعد القرار الدولي الإقليمي بـ”عسكرة” الثورة السورية بدأ يحصل ويتكرر بذلك الالتباس الأخلاقي السياسي الذي يشير اليه كتاب الشويري. فقد أخذ كثيرون الآن بالقول ان المجازر الحاصلة  لم يعد يتحمّل مسؤوليتها النظام وحده بل المعارضة “المُعسكَرة” أيضا. وها هي طلائع هذا الموقف تظهر في الصحافة العالمية مع تقرير “ديرشبيغل” عن حمص.

كانت مواجهات 1964 التي امتدت الى دمشق وحلب وبانياس – وانفجرت في حماه – هي مواجهات بين”الإخوان المسلمين” ومعهم نسبيا الناصريون المستَبعَدون من السلطة و بين الشخصيات (السُنّية) على رأس “البعث” بقيادة الرئيس أمين الحافظ كرئيس للدولة وصلاح الدين البيطار كرئيس للوزراء ونورالدين الأتاسي كوزيرللداخلية ولكنها بلغة تلك الأيام “القيادة القومية” المسيطرة والمتعددة الطوائف فعلا بقيادة ميشال عفلق. فوزير إعلام المواجهة المتحمس جدا لقمع “الرجعيين” كما تُظهِر البيانات التي كان يصدرها هو (الدرزي) شبلي العيسمي (الذي نتمنى له العودة سالما من اختطافه المشين من عاليه) فيما كان عبد الحليم خدام هو محافظ حماه كما سبقت لي الاشارة في مقال سابق.

ثمة ملاحظة يستوجبها ذلك الاستذكار هي تلك التي يرصدها الباحث الاميركي المرموق ستيفن هايدمان في كتابه الصادر عام 1999 عن “منشورات جامعة كورنل” الذي أهداني الكاتب الصديق نسخة منه قبل بضع سنوات: Authoritarianism in Syria وصدر مؤخرا عن “دار رياض الريس” بالعربية تحت عنوان:التسلطية في سوريا. في هذا الكتاب الذي يرصد علاقة تشكّلِ المؤسسات بالصراع الاجتماعي في سوريا بين عامي 1946 و1970 يتابع هايدمان نوع التواصل وحدوده بين جماعات التجار والصناعيين السوريين وبين “الإخوان المسلمين” في مواجهات 1964 فيلاحظ أن نوعا من التنسيق كان يظهر بوضوح بين الفئتين كلما كان “البعث” عبر الدولة يتخذ إجراءات اكثر اشتراكية كاستكمال تأميم بعض الشركات.  وهو تحالف تَفكَّك بمعناه الداخلي لاحقا مع انتصار السلطة البعثية ولايزال متفككا الى اليوم في الحرب الاهلية المندلعة خلال الثورة السورية عبر “هدوء” دمشق وحلب … إنما علينا ان نتساءل في ظل الظروف الجديدة كليا الى متى يمكن لـ”هدوء” البورجوازية السورية القديمة والجديدة السنية والمقيمة في الداخل … ان يستمر وكيف؟ وإذْ نميّز بين بورجوازية داخل وبورجوازية خارج فلأن تراكما لثروات كبيرة حققها أفراد سوريون في الخارج وخصوصا حول “الإخوان المسلمين” في دول الخليج النفطية.

لكن لا ينبغي الالتباس هنا. فلا في الماضي – بعد عام 1963 –  ولا في الحاضر كان هناك شعار اقتصادي يتقدم على الشعار الديني او السياسي  لـ”الإخوان المسلمين”. بينما كانت القيادة البعثية في زمن وجوه “سنية” قيادية فاعلة كالحافظ والبيطار والأتاسي والعديدين غيرهم  تخوض أحيانا معارك سياسية بسبب محاولتها تمريرعلمنة للدستور من نوع عدم الاشارة الى الاسلام كدين رئيس الجمهورية. وغالبا ما تصيَّدها “الاخوان المسلمون” بنجاح و أحبطوا محاولتها هذه. كان لـ”البعث” فعلا مشروع علماني ما بدينامية متعددة الطوائف من شرائح من الطبقة الوسطى. لكنه كان مشروعا سلطويا انقلابيا بعدما فقد حزب”البعث” طاقته الديموقراطية التي كانت له في عصره الذهبي الديموقراطي بين العام 1954 والعام 1958 .

اليوم  تَحوّل خطاب “الإخوان المسلمين” الى خطاب ديموقراطي مع قدَر غير واضح ولكن أكيد من العودة الى الانخراط العنفي المسلّح ضمن “عسكرة الثورة”. لكن لنلاحظ أنه كلما ازداد خطابهم انخراطا في مشروع تعددي ديموقراطي منذ 2001 حتى صدور “ميثاقهم” الأخير كلما ازداد توغلهم في اللغة غير الدينية. ذلك يضيئ على حقيقة جوهرية ان السياق الديموقراطي بحكم تكوينه العميق هو سياق “علماني” اي سياق المزيد من فصل الدين عن الدولة. لغة “الاخوان” المعلنة تندفع بهذا المعنى ليس فقط في مجتمع متعدد مثل سوريا بل في المجتمعات الوحدانية دينيا، نحو مآلٍ “سيكولاري” غير ديني في مقاربة النظام السياسي سيجد “الإخوان المسلمون” وسنجد معهم انهم سيصلون في نهاية الامر الى مفترق خطير: التخلي عن مشروعهم الديني او تغيير طبيعته. وهذا ما أخذ “حزب النهضة” التونسي يكتشفه على مستويين: الضرورة الديموقراطية والضرورة الوطنية اي ضرورة الوفاق الوطني. وهذا مفترق سيجد أيضا “الإخوان المسلمون” المصريون أكثر فأكثر أنفسهم لا يستطيعون تلافيه.

لكن إذا كانت مصر دولة “سلطانية” التقاليد أي لرئيس الدولة، ملكاً او رئيسَ جمهوريةٍ، موقعُ “الخليفة” بعد الفتح الاسلامي حيال الكنيسة القبطية التي ورثت بدورها هذه العلاقة، فإن تونس ليست كذلك، كما أن سوريا رغم انطوائها على بعض هذا المعنى “السلطاني” الا انه ليس معنى متجذرا ولهذا فإن مهمة فصل الدين عن الدولة قد تكون أسهل فيهما؟ (سوريا وتونس). وهذا له “ترجمة” جوهرية آن الأوان لصياغتها في مشروع ديموقراطي بعدما حاول بعثيو الستينات وأوائل السبعينات صياغته في مشروع سلطوي بالقوة العسكرية. إنها إلغاء النص على دين الدولة وكسر السيف المصلت الديماغوجي القاطع بأنّ لادينَ الدولة يعني تهديد دين المجتمع . وهذا ما ثبت عدم صحته في كل التجارب العلمانية الكبرى والاكثر ديموقراطية وحداثة.

وكما قلت في المقال السابق “لم ينجُ يمينٌ أو يسارٌ من هذا الضغط بالنص على دين الدولة الذي فرض نفسه على دساتير عربية عديدة ولا نجا منه ليبراليون او وسطيون او علمانيون او حتى دينيون شهدتهم الحيوات السياسية العربية على مدى حوالي تسعين عاما حاولوا ان يقفوا في وجه المتشددين الدينيين في مجتمعات متعددة ذات اغلبية مسلمة او في مجتمعات مسلمة سكانيا بالكامل”. إنما الخطوة التونسية بعدم النص على الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع في الدستور التونسي الآتي تجعل من الضروري رفع السقف وبالضبط في هذه المرحلة الى الإنتهاء من ديكتاتورية التسليم بدين للدولة كفكرة حامية للدين.

إنها ليست حامية مطلقا.

 فهل يجرؤ الاسلاميون على تبني ذلك في “خاتمة” تحولهم الى الخطاب الديموقراطي في بلد متعدد دينيا كسوريا وهل يملك الليبراليون شجاعة المطالبة بجعل لا دِين الدولة نقطة اتفاق جوهرية واضحة مع الاسلاميين بدون تلاعب بالألفاظ؟

¶ راجع مقال جهاد الزين: لا دين للدولة- هل يجرؤ “الإخوان المسلمون” السوريون؟ 3-4-2012.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى