لا فضل لأحد على رياض الصالح الحسين/ عماد نجار
لطالما حملت على عاتقي مهمة إعادة طباعة أعمال خالي الراحل رياض الصالح الحسين (1954 ـــ 1982 ـ الصورة) الذي رحل في 20/11/1982 أي عندما كان عمري أقل من ثلاث سنوات. منذ أن اتجهت إلى دمشق وتعرفت إلى أمي وعائلتها، كونها منفصلة عن أبي، بدأت العمل على جمع كل ما يتعلق برياض. التقيت بمعظم أصدقائه منهم: حسن م يوسف، نذير جعفر، الراحل مهدي محمد علي، منذر المصري، بندر عبد الحميد، عبد الحكيم قطيفان وآخرين إلى درجة أنّه كلما أتى أحد أصدقاء رياض على ذكر شخص جديد التقى به ولو لمرة واحدة، بحثت عن ذلك الشخص وتواصلت معه لأسمع أكثر عن رياض «أسطورتي المدهشة».
وبعد سنوات كانت النتيجة عشرات القصاصات الصحافية التي تتضمن مقالات عنه معظمها من الأيام والأسابيع التي تلت وفاته، بعد حوالي عشرين عاماً من نشرها .. بالإضافة إلى قصائد لرياض بخط يده، و18 صورة فوتوغرافية «شخصية، وجماعية له مع أصدقائه». جميع الصور المتداولة له اليوم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي باستثناء صورتين أو ثلاثة، كنت أوّل من نشرها للمرة الأولى أو مررتها للصديق منذر المصري لينشرها بدوره. وهذه الوثائق والأوراق والصور وحتى ورقة النعي، وجميعها نسخ أصلية موجودة معي، حرصت عليها كما لم أحرص على أوراقي الرسمية التي أضعت كثيراً منها في ارتحالي من بيت إلى آخر بخاصة بعد خروجي من سوريا مطلع 2012. بالعودة إلى مشروع طباعة الأعمال، ففي عام 2003 كنت قد صرت عضواً مشاركاً في اتحاد الصحافيين السوريين، وصارت لي علاقات لا بأس بها في الوسط الصحافي والأدبي والثقافي في دمشق. بدأت السعي لإعادة طباعة مجموعات رياض الصالح الحسين الأربعة «خراب الدورة الدموية»، «أساطير يومية»، «بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس» و«وعل في الغابة». تواصلت مع بعض دور النشر في دمشق لكن واحدة من تلك الدور لم تتخذ خطوة جادة باتجاه إعادة طباعة تلك الأعمال، رغم أن الشرط الأوحد لي كان جودة الكتاب.
عام 2007 ، أظهر سامي أحمد (دار تكوين) اهتماماً بطباعة الأعمال بعدما وصلني به أحد أصدقاء رياض ويدعى الصاعد الهاشم. طلب مني سامي توكيلاً قانونياً من الورثة، فتواصلت مع أخوالي وخالاتي (ورثة رياض) وحصلت منهم على وثائق قانونية تجعلني المفوض الوحيد بإجراء أي اتفاقات تخص إرث رياض الأدبي والثقافي. لاحقاً، تردد سامي في الأمر وانسحب منه من دون أسباب واضحة، مما جعلني أيأس من الفكرة. وفي أواخر عام 2008 وكان ظرفي المالي قد استقر وصرت قادراً على طباعة الأعمال على نفقتي الخاصة، تواصلت مع الناشر محمد عيسى (دار بعل) وأطلعته رغبتي في طباعة أعمال رياض، فأبدى حماساً واستعداداً لتبني المشروع.
لاحقاً سعيت بموافقة على النشر من وزارة الثقافة لأعرف أن مشروع الأعمال الكاملة لرياض مدرج على جدول «هيئة الكتاب» التابعة للوزارة وأن المكلف بتنسيق الكتاب وكتابة مقدمة له هو الصديق الشاعر منذر المصري. قمت بزيارة منذر في اللاذقية وتداولنا في الأمر، فكان رأي منذر أنّ تبنّي وزارة الثقافة مشروع طباعة أعمال رياض يعدّ اعترافاً بأهميته وحضوره الواضح في مشهد الشعر السوري الحديث، ذاك الحضور الذي أغفلته أو تجاهلته الجهات الرسمية السورية لأكثر من عقدين ونصف من الزمن. ركّز منذر يومها على أن وزارة الثقافة ستكون الأقدر على ترويج الكتاب خارجياً وداخلياً، كما أشار إلى جودة الورق الذي تستخدمه. أما باقي التفاصيل من تنسيق ولوحة غلاف وما إلى هنالك، فما كانت لتشكل عائقاً طالما أن منذر هو المكلف بالإشراف على كل ذلك.
لكن سرعان ما بدأت رحلة المعاناة مع الوزارة من مماطلة وتسويف لعامين تقريباً، قبل أن ينتهي الأمر بتهجم عبر الهاتف عليّ من قبل أحد المسؤولين في هيئة الكتاب يومها وهو ثائر علي ديب. طبعاً كان سبب التهجم حسب كلامه إلحاحي في السؤال عن موعد إصدار الكتاب. غاردت سوريا، ولم يكن قد صدر الكتاب.
بمجرد استقراري في لبنان، عدت للتواصل مع دور النشر في بيروت بغية إصدار الكتاب دون جدوى!
في عام 2013، التقيت عبر بعض المعارف بالسيد مأمون الشرع، وكنا نتحدث عن العثرات العديدة التي واجهتني في نشر أعمال رياض، فأبدى اهتماماً بالأمر، وقال إنه مستعد لدعم مشروع طباعة الكتاب، وأنه في صدد ترخيص مؤسسة باسم «نايا نيل للثقافة» وأنه قد ساهم مسبقاً وتحت اسم المؤسسة في دعم مجموعات شعرية لثلاثة شعراء سوريين شباب ينشرون للمرة الأولى. طلب مأمون الإذن مني ليتواصل مع سامي أحمد (دار تكوين) ثم مضى عام تقريباً، ولم أجد من مأمون إلا التسويف والمماطلة، ليخبرني أخيراً بأن خلافات حادة نشأت بينه وبين سامي. انتهى اتصالنا بأن مأمون ما زال مستعداً ليسهم في دعم مشروع الكتاب إن استطعت أن أجد أنا دار نشر مناسبة تحترم المشروع وخصوصيته ولا تعتبره المشروع صيداً مالياً فقط.
بداية العام الفائت، اقترح أحد الأصدقاء عليّ التواصل مع السيد خالد سلمان الناصري (دار المتوسط). كانت معرفتي بخالد أيام دمشق معرفة محدودة. وبالفعل تواصلت معه، وقبل أن ننهي اتصالنا الأول، اتفقنا على طباعة الأعمال وكامل التفاصيل. وكنوع من المبادرة الودودة للدار ولمؤسسة «نايا نيل»، أخبرت خالد في نهاية الاتصال عن عرض مأمون وعن استعداده لدعم المشروع بمبلغ مالي يساعد في تكاليف الطباعة، من دون علمي بأن مأمون سيستعيد قيمة المبلغ كاملاً نسخاً من الكتاب.
لاحقاً تواصل خالد مع مأمون واتفقا على صيغة لم أهتم في معرفة تفاصيلها. كل ما كان يعنيني أن الكتاب سيصدر قريباً وسيكون بالجودة المطلوبة.
هنا بدأت مرحلة التحضير لإرسال الكتاب إلى المطبعة اتفقنا، ولا بد هنا من الإشارة إلى أنني كنت صاحب القرار النهائي وهذا ما جعل الناشر يقترح الإشارة إلى كوني من أشرف على طباعة الكتاب، على أن يبدأ الكتاب بمقدمة للشاعر الصديق منذر المصري تليها الأعمال الشعرية لرياض مرتبة حسب المجموعات الأربعة، وتسلسل صدورها تليها قصائد لرياض بخط يده، تليها شهادات عن رياض من قبل أصدقائه وشعراء أو نقاد سوريين كتبوا عنه. أما المقدمة، فكتبها ودققها الشاعر الصديق منذر المصري، وكذلك حال الأعمال الشعرية لرياض التي نقّحها منذر وكنت أحتفظ بنسخة منها من عام 2008 – النسخة التي أرسلت إلى الدار – القصائد بخط يد رياض من أرشيفي الشخصي أرسلتها للدار.
وأما الشهادات فقد تواصلت مع كتاب المواد الطويلة منها وهم السادة الشعراء: عبد الكريم كاصد، فرج بيرقدار، هاشم شفيق. وكانت لي مادة ضمن المواد، في حين أن الشهادات القصيرة قد اختارها وأرسلها الشاعر منذر المصري وهي لكل من الأدباء والشعراء أحمد يوسف داوود، أمجد ناصر، أحمد الملا، بشير العاني، جاكلين سلام، جولان حاجي، خلف علي الخلف، علي سفر، كاظم جهاد، محمد جمال باروت، مصطفى علوش، منال الشيخ، نبيل سليمان.
لا أدري على ماذا اعتمدت بعض المقالات الصحافية عندما نسبت الفضل في إصدار الأعمال إلى السيد مأمون الشرع الذي انحصر ما قام به إن كنا نتقفى الدقة والموضوعية والوضوح بأمرين الأول: شراء عدد من النسخ بشكل مسبق وزّعها بعد الإصدار على أصدقائه مبالغاً في التفاخر بمنجز هو بديهياً لشاعر رحل قبل ثلاثة وثلاثين عاماً من صدور الكتاب، والثاني تدقيق الأعمال الشعرية المنضدة والمنقحة مسبقاً من قبل الشاعر منذر المصري، تدقيقها إملائياً وطباعياً. وحتى هذه المهمة لم يتكفل بها منفرداً، فقد حرصنا على فعل ذات الشيء خالد الناصري وأنا، بالإضافة إلى الشاعر تمام هنيدي وإن كنا قد جعلنا هذا التدقيق اللغوي مسؤوليته بحكم أن تلك الوظيفة التي يمارسها مأمون حقيقة في وظيفته اليومية في مشروع «كلمة».
تلك الصحافة تسوّق للشرع في التسلق على منجز قامة شعرية كرياض الصالح الحسين من خلال معلومات كاذبة عن تواصله مع الورثة، وجمع شهادات كأنه سعى وراء أوراق متطايرة في بلاد مختلفة، رغم أن اسمه غير مذكور في العقد بين وبين «دار المتوسّط»، وكل ما فعله هو تدقيق النصوص وشراء النسخ؟!
الخلاصة تكمن في أنه لا فضل على الراحل رياض الصالح الحسين في تخليد اسمه إلا له ولشعره. أما عن الإصدار الأول للكتاب، فالشكر لكل من ساهم في إخراجه إلى النور ولو بأمنية… وضمنا الشكر للسيد مأمون الشرع الذي اشترى نسخاً مسبقة من الكتاب وأسهم في تدقيقه طباعياً وإملائياً، علماً أن التعاون مع السيد مأمون لن يكون في الطبعة الثانية التي يتم التحضير لها حالياً، على أن تصدر مطلع العام المقبل.
* شاعر وممثل سوري
الأخبار