صفحات العالم

لا لبنان ولا مشرقاً عربياً إلا بانتصار الثورة السورية/ يوسف بزي

من أجل لبنان نطمح بسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس فقط طمعاً بحل عادل لقضية اللاجئين، التي يتحمل لبنان عبئها الأكبر ويتحمل الفلسطينيون فيه بدورهم أعباء التمييز المتمادية عقوداً من الحرمان، بل أيضاً في سبيل أن يستعيد لبنان مجالاً حيوياً باتجاه جنوب الحدود، بطرقه البرية والبحرية، فيستأنف تواصلاً مفقوداً منذ العام 1948. والأهم من ذلك، أن سلاماً كهذا يقطع نهائياً تاريخاً من الحروب، أحالت جنوب لبنان أرضاً منذورة للموت والدمار والخوف الدائم، ما عطّل على نحو كارثي استمراريته وتطوره ونموه، وهدد الكيان واستقلاله. السلام الفلسطيني الإسرائيلي، بهذا المعنى، هو هدف لبناني «استراتيجي». كأنه شرط ليسترجع لبنان حقه بالبقاء وطمأنينته بالإستمرار.

من أجل لبنان، نطمح أن ينتهي «الهذيان» المذهبي في العراق، أن يذهب العراقيون نحو دولتهم ودستورهم، وإلى حلمهم بالتخلص من الظلم والفساد والتبعية والموت اليومي، أن يتحرروا من ذاكرة الثأر، أن يعتصموا بديموقراطية حلموا بها حتى قبل أن يسقط الديكتاتور. إن عراقاً معافى وقوياً ومسالماً هو انتصار لمبدأ «الدولة الوطنية» في المشرق. وهذا ما يتيح لـ»النموذج» اللبناني أن يتخطى خطر المذهبية وعصبياتها، ويكتسب مناعة إضافية بوجه نزعات التناحر والتمزق، والتقهقر إلى زمن ما قبل الدولة، زمن الجماعات المتحاربة أبداً.

من أجل لبنان اليوم، لا يجب أن نطمح بانتصار الثورة السورية فقط، بل يجب أن نعمل وبإصرار وبكل ما أوتينا من طاقة وإمكانيات، كي نساهم في هذا الإنتصار، ونحتمه.

مصير لبنان، بوصفه مشروعاً سياسياً ـ تاريخياً، يقوم على مبدأ الإرادة الحرة في عيش الجماعات المتنوعة معاً في دولة وطنية حديثة، دستورية وديموقراطية، تدشن مسار ولادة مجتمع المواطنة والمساواة.. هذا المصير، بات يرتبط على نحو لا فكاك منه بمصير الكيان السوري، الذي يجب الحفاظ عليه وحدة ترابية، ووحدة شعب، وإن بعد إعادة تشكيله وبنائه، بإرادة مواطنيه الأحرار، وقد تخلصوا من سلطة استبدادية هي الأشد شراً في التاريخ الحديث.

إن بقاء النظام السوري، القائم على الإحتلال وعلى تشريد الملايين وعلى الحرب «الأهلية» المفتوحة، لا يعني فقط انهياراً ديموغرافياً كاسحاً في لبنان، ولا يعني فقط اختناقاً اقتصادياً قاتلاً للبنان، ولا يعني فقط استباحة الإرهاب للبنان، وانمحاء حدوده وسيادته، وتوسع النزاع المذهبي المصطنع والمتعمد إلى كل لبنان، بل الأسوأ أن الدولة اللبنانية نفسها ستسقط بفعل «الإحتلال الداخلي» الذي سيفرضه «حزب الله» حليف آل الأسد.

ما من مستقبل للديموقراطية في لبنان، وما من أمل بحرية اللبنانيين، وما من مناعة لديمومته ككيان مستقل، وما من إمكانية لصوغ هوية وطنية ما بعد طائفية، وما من قدرة على حفظ التوازن والسلم الأهلي من دون انتصار سوريا على محتليها، من دون قيام دولة سورية مستقلة وديموقراطية.

بقاء لبنان اليوم مشروط بولادة سوريا جديدة، دولة راضية جداً بحدودها، بهويتها الوطنية المركبة تنوعاً وتعدداً، متصالحة ومنسجمة مع محيطها. عدا ذلك هناك سوريا أخرى لا ترضى بلبنان وتهدد وجوده باستمرار، كما حدث مراراً في الماضي.

هناك اليوم مشروع كارثي يقوم على خروج جماعة كاملة من اللبنانيين مدججة بالسلاح على الرابطة الوطنية، والإلتحاق بقوى هيمنة واحتلال، تتجاوز الكيانات السياسية وتطيح بالدول، من العراق إلى سوريا إلى لبنان، وتشن حرباً على الشعوب والجماعات الأخرى، مستبيحة الحدود في فوضى شاملة تهدد المشرق العربي بأسره. وقد بات واضحاً أن النظام السوري أدرك أن بقاءه صار مرهوناً باستمرار الحرب أولاً، وبنشر فوضى لا مثيل لها ثانياً، عبر التسبب بـ»نكبة» هي أضعاف النكبة الفلسطينية عام 1948.

يتعمد هذا النظام ليس فقط إغراق لبنان والدول الأخرى بملايين اللاجئين، وبتصدير الجماعات الإرهابية إليها، بل أيضاً بتحويل سوريا نفسها إلى دولة شبيهة بالفكرة الصهيونية، دولة لأقلية مذهبية حاكمة. دولة احتلال لا تعرف سوى معاداة جميع جيرانها، مع امتياز معاداة شعبها أيضاً.

مقابل هذا المشروع المرعب، هناك إرادة ملايين السوريين، وقبلهم ملايين اللبنانيين، خرجوا لأسباب متشابهة، طلباً للحرية والديموقراطية والعدالة والسلام ومصالحة العالم. خرجوا كمواطنين مدنيين وسلميين لا يريدون سوى حكم الشعب، ومن الشعب، ومن أجل الشعب. لا يريدون سوى حريتهم، حقهم في الحياة بلا خوف، بالحلم، بالسعادة، وبأن يكونوا كما البشر في أي مكان من العالم، فخورين ببلدهم، واثقين بحكومتهم، بمستقبل أولادهم. هؤلاء جميعهم، لبنانيين وسوريين، كما كل الشعوب العربية التي انتفضت، يستحقون أن ينتصروا ولا خيار لهم سوى أن ينتصروا.

اليوم، في الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة السورية، بات يقيناً أن لا خلاص للفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين إلا بانتصار الشعب السوري على محور الشر، محور الديكتاتورية والإرهاب والتآمر الإجرامي اليومي، محور قتل أحرار لبنان وإبادة شعب سوريا وتجويع الفلسطينيين ونحر العراقيين ورمي الشيعة والعلويين قرابين على مذبح الطغيان، وأخذ المسيحيين رهائن خوف أبدي، ودفع السنّة إلى يأس الإنتحار والضغينة وقتل النفس والآخرين.

لا خيار لنا إن أردنا البقاء على قيد الحياة سوى الثورة السورية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى