صفحات الحوار

«لا للقتل» رحلة مع التشكيلي السوري منير الشعراني

 

 

بيروت ـ من صبر درويش: لمنير الشعراني، التشكيلي السوري قصة طويلة تمتد على عدة عقود من الزمن، تخللتها سنوات من التخفي والملاحقة ومن ثم المنفى.

في دمشق ستبدأ حكايته مع السلطات القمعية وحكم العسكر، ومن هناك سيعلن انحيازه للفقراء والمقهورين – ضحايا القمع- وسيغادر مجبراً إلى بيروت ليعمل باسم مستعار، ومن بيروت سيغادر بعد الغزو الإسرائيلي إلى قبرص ومنها إلى القاهرة ومن هناك سيباشر عرض مشروعه في الخط العربي.

عام 2004 سيعود إلى دمشق التي تركها منذ عقود، وسيستمرّ في مشروعه الذي صقلته سنوات طويلة من العمل الحثيث والبحث والتجريب.

وفي عام 2011 عندما أعلن السوريون بدء ثورتهم، لم يتردد الشعراني على الاطلاق في الانخراط في ثورة شعبه من موقعه كفنان مبدع منحاز أصلاً للمقهورين أينما حلوا.

مع الشعراني كان هذا الحوار:

*غادرت سوريا مبكراً (أواخر السبعينيات) وعدت بعد فترة طويلة (عام 2004) ما أهم ما طرأ على مسيرتك الفنية وحتى الشخصية بعد سنوات المنفى هذه؟

– في الحقيقة، أنا لم أغادر سورية طوعاً أو اختياراً، لكنني غادرتها بتكليف من رفاقي وكنت قد لوحقت عام 1978 في سياق حملة أمنية طالت كثيرين منّا فتركت الخدمة الإلزامية كضابط مجنّد وظللت متخفياً لعام كامل، ولم أستطع العودة إلّا عام 2004 بعد كفّ البحث عني ضمن قائمة شملت 250 شخصاً ممن ينتمون إلى المعارضة اليسارية بتلاوينها بعد أن استطاع النظام توجيه ضربات قاصمة لها، وبعد صدور عفو شمل الفارين من الخدمة العسكرية أواخر 2004. خروجي في ذلك الوقت إلى بيروت واضطراري للعمل باسم مستعار وما رافق ذلك من ظروف معيشية غير مستقرة وتنقلي بعد ذلك في أكثر من بلد أدّى إلى تأجيل عملي على مشروعي الفني الهادف إلى تطوير الخط العربي وتحديثه على مستويات مختلفة في مقدمتها اللوحة الخطية، وإعادة النظر في تاريخه وتاريخه الجمالي الذين لعب الهوى العثماني من جهة والاستشراقي من جهة ثانية دوراً كبيراً في تحريفه ليتناقله باحثونا على عيوبه، نتيجة لذلك لم أستطع أن أنتج وأعرض أعمالي إلا بعد عشر سنوات تقريباً. لكنني خلال تلك الفترة كنت مصراً على مواجهة كل الظروف وعدم التنازل في شيء مهما كانت النتائج، وهذا أدى إلى تركي لبعض الأماكن التي عملت فيها، لقد تعلمت في المنفى أنك تستطيع بإصرارك أن تحمي حريتك واستقلالك إن كنت تريد ذلك حقاً.

*في مقابلة مع عباس يوسف تقول: (كنت أرسم الخط)، وفعلاً أغلب أعمالك تنتمي إلى الفن التشكيلي، ما الفرق بين الخطاط ومن يرسم الخط؟

– نعم، في طفولتي وقبل أن أبدأ بتعلم الخط كنت أرسم الخط الذي أراه بقلم الرصاص لا بقلم الخط الذي لم أكن أعرفه بعد، لكن هل يكمن هنا سبب كون أعمالي تنتمي إلى الفن التشكيلي؟! لقد أعدتني بسؤالك هذا إلى المفاهيم الخاطئة التي كرّسها التاريخ المضلل الذي تحدثنا عنه للخط العربي، هذا التاريخ الذي يخرج الخطّ من خانة الفنون التشكيليّة بحجّة القداسة التي حبسته السلفيّة العثمانيّة في قفصها الذهبيّ، أو لأنّ الغربيين وجدوا أنّه لا يقوم على الشكليّة ذاتها التي أسّست عليها المركزيّة الفنيّة الأوروبيّة تصنيفها للفنون التشكيليّة التي كتبوا تاريخ الفن انطلاقاً منها ونقلناه دون تمحيص. الخط العربي فنّ تشكيلي وهو نوع متميّز بين الفنون التشكيلية، وأنا أعمل بمنطق خطيّ تشكيليّ يميّزه أنه يقوم على التطوير والتحديث لا على محاكاة الكلاسيكية الخطية، التي مازال معظم الخطاطين ينسجون على منوالها ويقلدون نتاج أعلامها المتأخرين. الخطاط دوماً يرسم الخط لكن بأدواته وتقنياته وهو كالنحات كالرسام كالحفّار يُسَمَّى فناناً عندما يكون مبدعاً له بصمته الخاصة لا مقلداً.

*عام 1977 معرض «القمع والتسلط العسكري في العالم» مجموعة ملصقات جدارية، بهذا العنوان الكبير افتتحت مسيرتك الفنية، وكان خيارك لرسم البوط العسكري واضح الدلالة، فيما بعد أخذت مسيرتك مسارات أخرى ربما تكون بعيدة عن السياسة المباشرة. ما الذي يقف خلف هذا التحول؟ هل مازال القمع والتسلط في العالم يثير هواجسك؟ وأين يمكن أن نقع عليه في اعمالك؟

– لا أدري أين وكيف ترى التحوّل الذي تتحدّث عنه؟! مجموعة « القمع والتسلط العسكري في العالم « لم تكن فاتحة مسيرتي الفنية على رغم أنني قمت بعرضها بشكل كامل أو جزئي في مدن سورية، هذه المجموعة كانت مشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وقد اخترت هذا الموضوع بعد دخول قوات الردع إلى لبنان، كبديل عن المشروع الذي اخترته قبلاً وهو تصميم خط جديد للطباعة والاستخدامات الفنية، وكان مشروع القمع موقفاً من الحدث لذا أعطيته الأولوية في حينه، مؤجلاً البدء في مشروعي الفني الخطيّ المتكامل الذي كان يشغلني منذ ماقبل ذلك، وكنت آملُ أن يضيف شيئاً على صعيد إدراكنا لذاتنا في المجال الفني والثقافي ويسهم ولو بشكل بسيط في نهضتنا التي كان للعسكر وانقلاباتهم الدور الأكبر في تعطيلها وإعاقتها. لذلك فأنا لا أرى في الأمر تحولاً بل عودة إلى خياري الأساسي الذي أرى أنه لا يتناقض مع دلالات رفضي للقمع والتسلط العسكري الذي عبّرت عنه مجموعة الملصقات الجدارية، والذي مازال مرفوضاً من قبلي إلى جانب أمور أخرى تسهم في تخلفنا وتراجعنا يوماً إثر يوم وتشكل هاجساً لي والمتابع المهتم لأعمالي يستطيع أن يرى ما تقوله على صعيد المحتوى والشكل وأن يصل إلى منظوري الفكري السياسي الاجتماعي الإنساني الذي أود إيصاله، وأن يدرك أن قضايا الحق والخير والجمال هي موضوع أعمالي وشغلي الشاغل. أما السياسي المباشر فهو يفرض نفسه في لحظات كاللحظة التي نعيشها.

*ينتقد الكثيرون عبارة «أوقفوا القتل» التي صممتها ونشرتها، باعتبار أنها لا تشير إلى مخاطب واضح في العبارة، فهل ترى من أطراف غير النظام السوري مشاركة في قتل السوريين؟

– أعتقد أن بإمكانك استخلاص جوابي على هذا السؤال مما سبق. لكن هل لك أن تقول لي من الذي أحصى هؤلاء «الكثيرون» من منتقدي العبارة، ومن هم؟! أليس هو وهم من أصحاب الجملة الثورية ممن هللوا للسلاح وبرروا أسلمته، وطالبوا بالتدخل الخارجي، ونظّروا مباشرة أو مداورة للطائفية؟! وهل علّي أن أنشر مذكّرة تفسيريّة، أو لائحة بالقتلة مع عملي الموجه إلى الضمائر الحيّة لا إلى من أدمنوا الاصطياد في الماء العكِر. نعم شارك في قتل السوريين بالإضافة إلى النظام وحلفائه كلّ من حرّض على الانتقال من النضال السلمي إلى المواجهة المسلّحة بدءًا بمن ذكرت من المعارضين، وحلفائهم، الذين غرروا بالجهلة والمكلومين وخانوا ثقتهم فمدوا لهم قشة خالوها ستنقذهم لكنها قصمت ظهورههم، وكذلك الذين دعموا هذا التوجه من دول الجوار والإقليم بالمال والإعلام والسلاح، فصار شعبنا يعاني بالإضافة إلى استبداد السلطة من استبداد فقهاء الظلام، كما ساهمت في القتل كلّ الدول الكبرى وامتدّت أيديها لتعبث باستقلالنا ووحدة بلدنا أرضاً وشعباً فدعمت كل الأطراف المتقاتلة لغايات هي أبعد ماتكون عن الحرص على سورية والسوريين الذين خرج الأمرمن أيديهم جميعاً؛

المطلب المُلِحّ الآن هو وقف القتل وتدمير الإنسان السوري ووطنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى