صفحات العالم

لا مؤشّرات لتغيير أوباما موقفه الرافض لعدم التورّط في سوريا

حديث عن انهيار “سايكس – بيكو” واحتمال ظهور كيانات جديدة

    هشام ملحم

تزداد الضغوط على الرئيس الاميركي باراك اوباما ليضطلع بدور قيادي أقوى للتعجيل في إطاحة الرئيس السوري بشار الاسد، وقت يزداد قلق واشنطن من المضاعفات الاستراتيجية والسياسية والانسانية للحرب في سوريا، ليس فقط على المجتمع السوري بكل مكوناته، ولكن ايضا على الدول المجاورة لسوريا وتحديدا لبنان والاردن.

والعناصر الايجابية في المشهد السوري المأسوي، مثل التقدم الذي أحرزته المعارضة المسلحة، وخصوصاً في جنوب سوريا، لا تغيّر كثيرا التقويم الاميركي الراهن، الذي عكسه الثلثاء رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي حين لم يستبعد استمرار النزاع في سوريا “عقوداً”، ومفاده ان الزلزال السوري سيحدث ارتدادات عميقة تمس بجميع دول شرق المتوسط وحتى ابعد منها.

وفي الاسابيع والاشهر الأخيرة، بدأت الاوساط المسؤولة والاكاديمية في واشنطن، وكذلك بعض المسؤولين في الدول المجاورة لسوريا، تتحدث عن “الانهيار المتوقع لحدود سايكس – بيكو” والتحضيرات التي يقوم بها بعض دول المنطقة، وتحديدا تركيا، للتعامل مع هذا الاحتمال، بما في ذلك قيام كيان علوي على الساحل السوري، او اقتراب “كردستان العراق” أكثر فاكثر من الاستقلال الفعلي عن بغداد، وتأثير ذلك على السنّة في العراق وسوريا.

ولا يستبعد المسؤولون الاميركيون والمصادر الاخرى الذين تحدثت معهم “النهار” حديثاً، حتى أسوأ السيناريوات، والتي تراوح بين ان تؤدي ازمة اللاجئين السوريين في لبنان والاردن (معدل الفا لاجئ سوري يلجأون الى الاردن يوميا) الى مضاعفات خطيرة على البنية السياسية الهشة في لبنان، وعلى وضع ومكانة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي يواجه معارضة داخلية متنامية، واحتمال دخول سوريا في حال فوضى اوسع اذا دارت اشتباكات بين بعض الفصائل المعارضة المتشددة مثل “جبهة النصرة” التي لا تخفي ولاءها لتنظيم “القاعدة”، وفصائل اخرى منضوية تحت الخيمة الواسعة والفضفاضة لـ”الجيش السوري الحرّ”. وأحد السيناريوات المقلقة هو احتمال حصول توترات جديدة في هضبة الجولان بعد سحب النظام بعض وحداته العسكرية وحدوث فراغ امني يؤدي الى تورط اسرائيلي في النزاع.

ولا مؤشرات حتى الآن لكون الضغوط المتزايدة التي يتعرض لها اوباما من الكونغرس ومن الاعلام، ومن مسؤولين حاليين وسابقين لرفع مستوى الدعم الاميركي للمعارضة المسلحة او فرض حظر طيران، كما يطالب الاردنيون والاتراك، وانشاء مناطق آمنة داخل الاراضي السورية لايواء اللاجئين وتوفير الحماية لهم، ستؤدي الى تغيير موقفه الاساسي، أي عدم “التورط” في نزاع مفتوح على مختلف الاحتمالات.

وقالت مصادر مطلعة لـ”النهار” ان مستشار الامن القومي السابق الجنرال جيمس جونز (الذي عمل خلال السنتين الأوليين من الولاية الاولى لأوباما) اصطحب مستشارين سابقين الى البيت الابيض لحض الرئيس على “الاضطلاع بدور قيادي أوسع في سوريا قبل فوات الاوان”، لكن المستشارين الثلاثة سمعوا كلاما عاما لا يختلف كثيرا عما يقال علنا. وقال أحد المصادر ان “اوباما لن يقوم بأي مبادرة كبيرة أو نوعية حيال سوريا”، لكنه سيتيح لوزير الخارجية جون كيري مجالاً أوسع للتحرك، اكثر مما فعل مع الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون، وسوف يترجم ذلك بتنسيق لوجستي أوسع مع القائد الجديد لـ”الجيش السوري الحر” العميد سليم ادريس الذي طلب كيري الاجتماع به. وكان يفترض ان يدعى ادريس الى واشنطن، بعد ان يقوم رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” احمد معاذ الخطيب بزيارة واشنطن. الا ان تأخر الخطيب في زيارته، دفع كيري الى طلب لقاء ادريس في تركيا خلال جولته الحالية، ولكن يبدو ان ادريس، لاسباب غير واضحة، لم يكن في تركيا خلال توقف الوزير فيها.

واضافت المصادر ان كيري سيحاول “تغيير حسابات الاسد” من خلال توفير مساعدات عسكرية نوعية غير قتالية للقوى التي يشرف عليها ادريس، وللوحدات السورية التي تتولى عناصر أميركية واردنية وربما خليجية تدريبها داخل الاراضي الاردنية، ومن خلال تسهيل وتنسيق عملية تسليح هذه القوى من الاردن والسعودية وغيرهما. واوضحت ان نتائج تدريب وتسليح هذه القوى قد انعكس على التقدم العسكري الذي أحرزته قرب الحدود الاردنية مثل سيطرتها على بعض المدن الواقعة على طريق دمشق – عمان. وثمة تخوف اميركي من ان تؤدي معركة دمشق المتوقعة خلال الاشهر الثلاثة المقبلة الى تدفق عدد ضخم من اللاجئين وزحفهم في اتجاه الحدود اللبنانية القريبة أو الى الاردن، مع ما سيرتبه ذلك من ضغوط قد تؤدي الى انهيار جهود مؤسسات الاغاثة وحتى حصول اعمال عنف. وفي هذا السياق، قال مسؤولون أميركيون، ان واشنطن وعدت السلطات اللبنانية بان تزيد مساعداتها المالية لمنظمات الاغاثة الدولية. وهذه المساعدات لن تقدم الى الدولة اللبنانية التي لا تزال ترفض اقامة “مخيمات موقتة” للاجئين لئلا يصير الموقت واقعا دائما في وقت لاحق. بيد ان المساعدات لن تتعدى “عشرات الملايين” من الدولارات كما قال أحدهم. ويرى المسؤولون الاميركيون، الذين يتعاطفون مع مخاوف كبار المسؤولين اللبنانيين الذين ابلغوهم ان لبنان لم يعد قادراً على تحمل المزيد من اللاجئين لأنه وصل الى مرحلة “التخمة”، ان اللبنانيين “يشكون ويشكون، ثم يطالبون منا ان نساعدهم على نقل اللاجئين الى دول اخرى، وكان ذلك ممكن سياسياً ولوجستيا، لكنهم لا يقترحون أي شيء آخر حتى كاجراء موقت”. والمسؤولون الاميركيون الذين لاحظوا ان ثمة اهتماماً دولياً بازمة اللاجئين في الاردن، حيث تقوم وفود دولية واعلاميون اميركيون وغيرهم بزيارة مخيم الزعتري لتغطية معاناة اللاجئين، يلفتون الى ان لا اهتمام دولياً مماثلاً باللاجئين السوريين في لبنان، وهم يعزون ذلك الى تقصير الحكومة اللبنانية في هذا المجال وعدم قيامها بحملة سياسية واعلامية لاستدرار الاهتمام الدولي بمأساة اللاجئين في لبنان، كما ان عدم وجود مخيم كبير لهم، مشابه للزعتري في الاردن، لا يضعهم في دائرة الضوء الاعلامي.

وقد نصح المسؤولون الذين يراقبون عن كثب وببعض القلق عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، والاوضاع الاقتصادية التي ستتفاقم خلال صيف لن يشهد سياحة كثيفة، المسؤولين اللبنانيين بعدم تأجيل موعد الانتخابات النيابية كي لا يساهم ذلك في تأزيم الوضع أكثر، لكنهم قالوا ايضا انهم لا يعارضون وسوف يؤيدون تأجيل موعد الانتخابات ثلاثة أشهر، “اذا كان ثمة موعد جديد يتم التزامه”.

واشنطن

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى