صفحات العالم

لبنان: إعداد صواعق التفجير/ حسام عيتاني

في المراحل الأولى من الثورة السورية، ساد اعتقاد أن الوضع في لبنان لن يشهد انفجاراً واسع النطاق في ظل توافق خارجي على إبقائه ساحة خلفية متعددة الاستخدامات الاقتصادية والأمنية. يبدو أن تغييراً كبيراً على هذه المعادلة، على وشك الوقوع.

بعد سلسلة التفجيرات التي هزت الضاحية الجنوبية والبقاع الشمالي وتحول الاشتباكات في عاصمة الشمال وثاني أكبر المدن اللبنانية، طرابلس، إلى حدث شهري شبه ثابت وظهور معالم كارثة إنسانية وأمنية في بلدة عرسال التي تحاصرها ميليشيات “حزب الله” ويؤدي فيها الجيش اللبناني دوراً أقل ما يقال فيه إنه ملتبس وغير مفهوم.

يأتي ذلك فيما يزداد عدد الحوادث على الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل وتتكاثر إعلانات الاستنفار العسكري على جانبي الحدود والمناورات والتدريبات، بالتزامن مع انتقال حالة السيولة الأمنية من الشريط الحدودي اللبناني إلى الحدود بين الجولان المحتل وباقي الأراضي السورية على ما تدل قائمة محاولات الاختراق والتفجير التي كان أخطرها ما وقع يوم الثلاثاء 18 آذار (مارس) عندما انفجرت عبوة ناسفة قرب عربة إسرائيلية وجُرح ثلاثة جنود.

رغم ذلك، لا يمكن الحديث بثقة عن قرار دولي بتفجير الوضع في لبنان وجره إلى ساحة الصراع المسلح المفتوح لأسباب عدة، أهمها عدم وجود ضرورة قاهرة إقليمية أو دولية لساحة منازلة جديدة تضاف إلى ساحات المواجهة في سوريا والعراق واليمن والتي انضمت اليها القرم أخيراً. ومنها أيضاً غياب أي استراتيجية تستحق هذا الاسم لدى الفريق المقابل للمحور الإيراني – السوري المدعوم دعماً كبيراً من روسيا، ما يترك فريق “الممانعة” حراً في رسم خططه معتمداً على تخبط ردود الفعل في الجهة المقابلة وتعثرها.

بيد أن ذلك لا يشكل ضمانة لوقف انهيار الدولة ومؤسساتها في لبنان، من جهة، ولازدياد الضغط على العلاقات الأهلية ودفعها في اتجاه توترها الأقصى المفضي إلى صدام عنيف. ذلك أن التسويات الكبيرة التي تقيمها الدولة اللبنانية مع الطوائف بالسماح لهذه الاخيرة بممارسة سلطاتها على الادارة العامة، أتاحت تمدد سلطات الطوائف إلى أكثر أجهزة الدولة حساسية وخطورة. وبات على الحكومة أن تختار إما بين منع التسلل الأمني والسياسي والإداري إلى قدس أقداسها، وبالتالي الانزلاق غلى تناحر بين بنية “وطنية” هشة وغير مضمونة الولاء وبين بنى طائفية حسنة التسليح والتنظيم وتدين بولاء أعمى لقادتها، وإما ترك الأمور تتفاقم على النحو الذي تسير عليه اليوم في اتجاه المزيد من استقطاع مؤسسات الدولة وأجهزتها لمصلحة أمراء الطوائف.

وإذا كان المجال لا يتسع هنا للتذكير بتعريفات الدولة، إلا أنها وبكلمات قليلة تشكل مجمع السلطات وتقوم على عقد اجتماعي – سياسي يلخصه الدستور يؤكد قرار مواطنيها الحر والاختياري بالعيش معاً ضمن منظومة من القوانين والقيم والأعراف. واقع الحال في لبنان يسير في الاتجاه النقيض لهذا التعريف، بل لكل تعريف ممكن استلاله من كتب القانون الدستوري.

ومن سوء حظ القسم الراغب من اللبنانيين في العيش في ظل دولة، أن “النخب” السياسية تبدو منفصلة تمام الانفصال عن الواقع وتدور في عوالمها الوهمية وسمواتها الهيولية. وفي مواجهة خطر محدق وقائم لا يقل عن موجة من التذابح الأهلي، ينقسم الخطاب السياسي اللبناني إلى تحريض صريح على العنف الطائفي وإلى لهو ولغو في ألاعيب السياسة الضيقة التي لم يطرأ تغيير يذكر عليها منذ عهد الجباة العثمانيين، وبين محاولات تأبيد الارتهان للمصالح الخارجية.

المفارقة أن القسم المذكور من اللبنانيين لا يشكل أكثرية قادرة على توليد الضغط الكافية لإعادة إنتاج دولة بالحد الأدنى من التماسك. والمفارقة الثانية أن قسماً كبيراً من اللبنانيين لا يبالي حقا بما يجري خارج دائرته الطائفية والجهوية الضيقة ولا يرى مصلحة فعلية في أي بنية فوقية تجمعه مع المواطنين الآخرين في هذه البلاد البائسة، فيما تتعذر أي محاولات للتقسيم والفدرالية بسبب نقص الإمكانات الاقتصادية وغياب التأييد الدولي.

الخلاصة المريرة أن من يتحلى بالوعي الكافي من اللبنانيين لإدراك عمق الهاوية التي يسير بلدهم اليها، يفتقرون إلى الوسائل الكافية لوقف هذا المسار الانتحاري الذي لن يحظ حتى بترف التمويل الذي ميز بعض مراحل الحرب الأهلية السابقة.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى