لبنان: نهاية الهدنة/ حسام عيتاني
عودة التفجيرات إلى لبنان تشير إلى نهاية هدنة الأمر الواقع التي استمرت بين تشكيل الحكومة في آذار (مارس) وبين ظهور الطبيعة المزمنة للأزمة الرئاسية والعجز عن انتخاب رئيس جديد للبلاد. ما يفاقم من انكشاف لبنان أمام الرياح التي تضرب المشرق العربي.
وظهرت تفسيرات عدة لاستئناف الانتحاريين ظهورهم في على طرقات لبنان وفنادقه، منها ما يرتبط بالوضع في العراق وقرار متخذ من قبل التنظيمات الجهادية خصوصاً “الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش” توسيع المعركة التي تخوضها لإنشاء الخلافة لتشمل لبنان. ومنها ما يرتبط بانسداد أفق المفاوضات الإيرانية – الخليجية وسط مخاوف من أن تتجاوز الولايات المتحدة الحلفاء الخليجيين وتذهب مباشرة إلى تسوية كبرى مع طهران في سياق الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب الذي يجري التفاوض عليه.
وهناك من يشير إلى أن توقف الانفجارات الانتحارية في الشهور الثلاثة الماضية لم يكن نتيجة سيطرة قوات النظام السوري و”حزب الله” على منطقة القلمون المتاخمة للحدود مع لبنان والقرى التي ذكر أنها كانت تضم أماكن تجهيز السيارات المفخخة، على ما روجت وسائل الإعلام التابعة للنظام والحزب، بل لأسباب تقنية تتعلق بسقوط الشبكات القديمة بين أيدي الأجهزة الأمنية اللبنانية وحاجة المُشغّلين الموجودين وراء الحدود والذين لم يتأثروا مباشرة باعتقال شبكاتهم، إلى بعض الوقت لتجنيد عناصر جديدة وإعادة تهيئة الإمدادات اللوجستية التي تحتاج إليها.
تعدد الأسباب والتفسيرات لا يلغي الحقيقة الجلية وهي أن الهدنة انتهت وأن لبنان سيشهد المزيد من التفجيرات والعمليات الأمنية التي تبدو أدوات مواجهتها قليلة الفاعلية والأثر. فالسلطات اللبنانية لا تمتلك في واقع الأمر أمام الأخطار المتعددة التي تشكلها التفجيرات غير الوسيلة الأمنية المحض، أي مطاردة الشبكات والسعي إلى اعتقالها وتشتيت أعضائها اعتماداً على النشاط المضاد للإرهاب والتعاون مع الأجهزة الصديقة.
هذه المقاربة على أهميتها تظل ناقصة. وظهر في الملموس، ومن التجربة السابقة أن العمل الأمني وحده، ورغم ردعه مشغلي الشبكات وإحباطه العديد من الهجمات التي كانوا يخططون لها والتي كانت لتسفر عن عشرات الضحايا من الابرياء وتلحق ضرراً فادحاً بالاقتصاد اللبناني المترنح أصلاً، يظل جزءاً واحداً من حزمة الإجراءات التي يمكن الحديث عنها كسبيل إلى وقف هذه الجرائم في لبنان.
غني عن البيان أن قوى عدة شاركت في فرض الهدنة السابقة والتي أسفرت عن تشكيل حكومة رئيس الوزراء تمام سلام. وللتذكير فقد تم التوصل إليها وسط أجواء إيجابية قيل إنها شملت صفقة مركبة امتدت عناصرها من القلمون إلى طرابلس إلى الوضع الحكومي وراهبات معلولا. وما يزال عدد من المراقبين يصر على هذه الرواية. وبغض النظر عن صحتها أو افتقارها إلى الدقة، يبدو واضحاً أن واحداً من مكونات ربط الوضع في لبنان بالتوتر في المنطقة وبالصراع الإقليمي والطائفي فيه ظل خارج التسوية أو الاتفاق المذكور. المقصود هنا طبعاً هو تدخل “حزب الله” في الحرب في سوريا.
المفاوضات التي جرت قبل تشكيل الحكومة فشلت مرات لا تحصى في حل هذه العقدة التي لا يملك أحد في لبنان حلاُ لها. ومثلما كان قرار إرسال مقاتلي الحزب إلى سوريا قراراً إقليمياً، سيكون القرار بخروجهم كذلك. وهذه إرادات تتجاوز قدرات اللبنانيين مهما ادعى المدعون وبرر المبررون. المأزق هنا أن استمرار الارتباط اللبناني بالصراع الإقليمي يترك الباب مفتوحاً أمام تداعيات الصراع لتتسرب وتحضر إلى الداخل اللبناني. وهذه خلاصة لم يخفق أي من اللبنانيين في ملاحظتها بل مكابدتها ودفع أثمان باهظة لها منذ مجيء قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان أواخر الستينات من القرن الماضي.
تصبح، والحال هكذا، ثانوية الأهمية معطيات من نوع هوية مشغلي الشبكات الإرهابية والأهداف الحقيقية التي يريدون تحقيقها. وتتقدم حقائق من نوع آخر قوامها فشل سياسة “النأي بالنفس” التي رفعتها الحكومة اللبنانية السابقة والانزلاق اللبناني المتمادي نحو أتون الحروب الطائفية الدائرة والمقبلة. يتأسس كل ذلك على تهتك وتفكك الاجتماع اللبناني وتجذر الفرز الطائفي والآليات المغذية له بصفته الواقع الوحيد القابل للبقاء في لبنان والبوابة الحصرية لكل نشاط او حراك سياسيين.
عليه، تظهر هنا التفجيرات المستأنفة بصورة اليد التي تدفع الحلقة اللبنانية إلى دوران يتزايد سرعة نحو التفكك والانهيار بعدما عجز اللبنانيون عن معالجة مشكلاتهم بنفسهم. وها هم ينتظرون الآن مخلصاً من الخارج بعدما ألقوا طويلاً أسباب مصائبهم على خارج يوفر لهم أسباب الحياة والموت، معاَ.
موقع 24